فاتح بيطار :
حرب السنين الأخيرة الدامية قادت , حتى قبل أن تنتهي, الى تدمير ذاتي متبادل , بالأصح تدمير كلي شامل , هذه الحرب كانت فصلا من فصول الحروب العربية -الاسلامية أو شكلا من أشكال هذه الحروب , حروب ملأت الفضاء العربي -الإسلامي سابقا بمضمون امبراطوري, وأفرغت هذا الفضاء من مضمونه الأخلاقي والقيمي , لم يكن للحرب السورية في السنوات الأخيرة مضمون أمبراطوري , فسوريا ليست أمبراطورية , ولم تكن أمبراطورية ,الحرب السورية أفرغت الفضاء السوري ايضا من مضمونه الأخلاقي والقيمي , وبذلك تحولت الى عدمية بالمطلق , لا أمبراطورية ولا أخلاقية ولا قيمية حقيقية .
في سوريا اختل وارتج بفعل هذه الحرب مفعول حضارة الماضي القديم …. القديم الانسانية , لقد كانت شعوب سوريا وديعة , ولم تكن لسوريا مستعمرات , وتاريخها كان بمعظمه بصيغة مستعمرة من قبل الغير, هذه النقطة كانت ولا تزال شهادة للرقي وتحضر السلوك البشري , بعكس شعوب الفتوحات والاحتلالات , التي يتطلب القيام بها الكثير من الأنانية والتوحش والعدوانية .
من يصنع الحرف لايصنع السيف , واستعمالات الحرف تختلف جذريا عن استعمالات السيف , لم يكن للسيف سوى فعل ومفعول توحشي وكتابة تاريخ وحوش البراري المفترسة , لقد رأينا الماضي بالعين المجردة بعد أن تم استحضاره كنسخة طبق الأصل الى الحاضر , لم يعد السبي والحرق والذبح وبيع النساء في أسواق الجواري مادة تصور أو معلومة تقدمها كتب التاريخ , لقد أصبح هذا الماضي حاضرا بقضه وقضيضه ..ملموسا ومرئيا بسكاكينه ومذابيحه , واصبح التفاخر بعظمته تشدق وعلاك , لابل مظهرا من مظاهر الأمراض النفسية , العروبة التي احتضنته وأرادت نقله الى الحاضر, أصبحت شبحاً مطارداً ومنتحرا, أما الاسلام السياسي بأهدافه السلفية بخصوص التعامل مع الماضي , فقد ظهر على حقيقته ….. مجرما منفلتا ومفترسا ,اياكم والظن بأن الاسلام السياسي يقتصر على الفصائل , فالكتائب الأسدية اسلامية سياسية أيضا انما بلون آخر .
لقد فشل العروبيون وفشل الاسلام السياسي في القرن الأخير, وأفشل سوريا معه , التي لم تتمكن من الالتزام بمنهج يتمكن من تطوير البلاد وترقيتها , فلا هي علمانية , ولا هي أصولية واضحة , الا أنها عروبية وأصولية مبهمة الماهية, قضي على البلاد من قبل العروبة , التي قضت نحبها انتحارا دون أن يقضي عليها أحد ,وكذلك كان حال الاسلام السياسي , الذي فشل على ذاته دون أن يفشله أحد .
لقد جعلوا ظروف حياتنا صعبة التحمل والمستقبل صعب التأمل , هناك من فقد أعصابه وتمنى زوال الدولة الحقيرة بكاملها ! , وما قيمة دولة حولت القيم من الجيد الى عكسه ..حتى الكلمة فقدت دلالاتها وأصبح الدجل مضمونها .. لم يتوقف الحديث عن الاصلاح لحظة طوال العقود الماضية , واقعيا فقدت هذه المفردة معناها المعجمي , كلمة لا تتضمن من دلالة , الا ضمانها لحرية الفساد , هناك حرية في هذا الوطن .. فالفساد حر بالمطلق !!! ,وبذلك نال الفساد عن طريق “الاصلاح” حقوقه بالانفلات المطلق ..أصبح حرا في اجاعته للناس ….. لا ماء ولا كهرباء ولا دواء … , الشيئ الوحيد الذي نمى في هذا الوطن التعيس سرطانيا كان الفساد .., والشيئ الوحيد الذي يمكن انتظاره الآن هو وفاة الوطن ,فموت الوطن مقرر , كما يكون الموت في نهاية الأفلام ..مات من مات , وآخرهم الوطن, تعازينا الحارة …هل هناك من نطلب له طول البقاء؟؟
فاتح بيطار :syriano.net
رابط المقال :https://syriano.net/2020/01