فشل الوطن على الطائفية البسيطة ,وفشل انقاذ الوطن على الطائفية المعقدة…

نبيهة  حنا :

     يدعي عادة أكثر الناس طائفية , بأن المجتمع السوري لاطائفي , ويعني بذلك بأنه كفرد سوري لاطائفي , اللاطائفي حقيقة لايشعر بضرورة نفي طائفيته والاعلان  المكرر  بأنه  لاطائفي , الطائفي المؤيد ينفي صفة الطائفية عن النظام , فالنظام طائفي  فقط  عندما يمثل هذا النظام طائفة معينة تحكم طائفة أخرى وتهيمن  عليها  بشكل معلن , وهذا الأمر لاينطبق على واقع الطائفية السلطوية السورية , وللمقارنة لاينطبق أيضا على واقع الطائفية السلطوية العراقية أيام صدام , اذ ليس كل جماعة صدام هم من السنة , وفي سنينه الأولى كان أكثرهم من الشيعة , كما أن جماعة الأسد ليسوا حصرا من الطائفة العلوية , وان كان معظمهم  علوي , جماعة صدام وجماعة الأسد تطوروا الى فرق عائلية …. الى طائفة خاصة مستقلة عن السنة في حال صدام ومستقلة عن العلويين في حال الأسد , وللتشابه أوجه أخرى ..توريث ..تأليه ..تملك .. الخ , لامجال ولا ضرورة لتحليل أوجه التشابه بشكل مفصل .

مايجمع بين طائفية صدام وطائفية الأسد ليس مذهبي تقليدي , وانما خاصة “الانغلاق ” السلطوي على عدد من الأفراد المتنوعين   مذهبيا ,الانغلاق    تطور  , لأسباب   تتعلق  بالخوف   من  الغير…فمن   يخيف  الغير  يخاف  من  الغير  ,   التطور   كان باتجاه عضوي عائلي    وبتخديم من الالتحام المذهبي , دون أن يعني ذلك بالضرورة التجانس المذهبي في طائفة السلطة المغلقة ,  انغلاق  السلطة  على فئة ,  حول هذه الفئة الى طائفة , وبالتالي   جعل  من السلطة سلطة  طائفة  طائفية … سلطة  أبدية!, تبتلع كل شيئ في الدولة ,التي تمثل بالنسبة للسلطة في أحسن الحالات مزرعة ,

ينضح المجتمع السوري بالطائفية التي اعتمدتها السلطة كوسيلة أساسية للتسلط , فالشارع السوري أصبح شارع مقاتل على مستويات طائفية متعددة, تمتد من الشكل البدائي   السوقي  المبسط (ضدية عنفية سنية -شيعيةعلوية ) الى الشكل الطائفي السلطوي المعقد الذي يجهل   العموم  آلياته  وبنيته  , فالموضوع ليس سلطة علوية تجابه شارع سني ..هنا علي وهناك عمر !!!! الوضع اعمق وأكثر تعقيدا , فالسلطة ومن حولها هم طائفة مستقلة بحد ذاتها تمارس الطائفية ضد كل الطوائف الأخرى ..ان كانت السنة أو العلوية أو المسيحية أو غير ذلك من طوائف,محتكرة لكل شيي ومتحكمة بكل شيئ, لها أعرافها ومقدساتها وآلهتها وترانيمها وأناشيدها ومصالحها وجيشها وحرسها ومرتزقتها , انها طائفية نظام سياسي مغلق يتربع على كافة الطوائف الأخرى ويأخذ منها مايحتاج ويعطي مايريد …عادة  لايعطي   شيئا ,

هناك تفاوت في كم وكيفية التبادل بين طائفة النظام المغلق وبين باقي الطوائف المستسلمة له , وعلى آليات هذا التبادل تسيطر بعض الأحكام , منها “الولاء التفاضلي”,أي أن تشعر احدى الطوائف التي يجثم أخطبوط طائفة السلطة على رقبتها , بأن النظام يخصها أكثر من غيرها , وطائفة أخرى تشعر بأن النظام يخصها أقل من غيرها , التبادل يحدث تحت منظومة الولاء   التفاضلي , والسلطة متواضعة جدا في شروط الانتساب الى جماعتها  ,  الانتماء     لايتطلب    سوى   الولاء والوفاء  ,وللولاء   ودرجاته ,  ودرجات  ريعه  مراتب ,  تتعلق   بالواجبات    والمكاسب  ,فالمرتبة الثالثة وما فوق ,   لها  فقط   أن  تصفق  وتنبطح  , وفي سلك الأمن خاصة المقدرة على ممارسة التوحش ,الريع في هذه المرتبة لكل وحش أو مصفق منافق مئات الألوف من الدولارات , اما المرتبة الثانية فهي مخصصة لأقرب الناس الى عظام الرقبة من الأقرباء والجهويين وأبناء العشيرة ومن يمارس الولاء المطلق من الغرباء مثل ديكورات المناصب , التجانس المذهبيي هنا ليس بالشرط الأساسي ,والريع هنا لكل منهم بعض الملايين من الدولارات , ثم تأتي المرتبة الأولى ..مرتبة الشرف , وهذه المرتبة مخصصة لأفراد العائلة الحاكمة ..أخ ..صهر ..ابن خالة ..ابن خال والأقرباء المقربين جدا من العائلة ممن يستوفون أيضا الشروط المذهبية ,والريع هنا لكلمنهم  يتجاوز المليارات  .. الريع في كل هذه المراتب هو من انتاج معامل الفساد المنتشرة في البلاد من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب,  الريع  مسؤولية  القطيع  , والترويع   مسؤولية   الرعاع .

من أجل علاج وباء الطائفية المنتج لفرز اجتماعي -سياسي وفق أسس طائفية , لابد من التعمق في التفكير حول ظروف   ولادة الدولة السورية, التي بنيت على أساس “التجانس” القومي والديني المضاد للتعددية    الممثلة لطبيعة الشعب السوري الحقيقية ,  اصطدمت  دولة “التجانس”  المطلوب   مع واقع شعب “التعددية” , فراية ” التجانس” التي رفعها القوميون والاسلاميون كمبرر لقيام دولة عربية أو اسلامية   أو  مزيج  منهما, قاد في الدولة المريضة الى التفرد السلطوي القومي أو الديني …   عن  طريق   البعث   قوميا  وعن  طريق الأصولية  دينيا   ,  ومن  أجل امتلاك   المقدرة   الكافية  على   التسلط   المؤسس  على  التنكر   للتعددية  ,كان لابد  من  توسيع   الطائفة  العلوية   الصغيرة  نسبيا   لتصبح   قاعدة  أوسع, وذلك   بضم   اشخاص  وفئات   لها  , على   أساس  ثنائية  ولاء-ريع   أو  امتياز   ضامن  للريع!

الطائفة  الموسعة  الجديد , كانت  ولا  تزال   الطائفة  الأسدية  الأوسع  والأشمل  من   الطائفة  العلوية, وهذا  التوسع   مكنها   من   التفرد  بالسلطة ,  ومكنها   من   نفي تهمة    الطائفية      المبسطة   عنها ,  فرئيس   الوزراء   سني  وانتماء  الوزراء   يخضع   للمحاصصة   ,  وحتى  خارج   السلطة  الرسمية  , وجدت  الطائفة   الأسديبة  الجديدة  المعقدة   تطبيقات   لمبادئها ,    يسرق  ماهر  الأسد ورامي  مخلوف!!  بالمقابل   يسرق  حمشو  وسامر    الفوز …

الطائفية  المعقدة    عصية  نسبيا  على  الاصلاح  الايجابي  ,  احيانا   تتم   تهدئة   بعض   الطامحين   للانتساب   الى  هذه  الطائفة  , عن  طريق   ضمهم   لها ,  لتتوسع   بذلك   قاعدتها  وبالتالي مقدرتها   على     التفرد   بالتسلط  ….لذا    يمكن   القول  بأن   بعض  طرق   اصلاحها   تقود  الى  المزيد  منها  ,

لاعلاج بدون اعادة  انتاج   سوريا  على أسس سياسية , وعلى اعتبار التعددية وحدة , والسعي لتكريس التجانس تفرقة ,ولا  علاج  عن  طريق   انتقال     التفرد  من  الأسدية  الى  السنية  ,  التي    سيصبح  تفردها   بسبب   رقميتها   الطاغية   منيع  على  أي  علاج   ,اسم   المرض   هو   مرض   “التفرد”,  وكلما  كانت   قادعدة   التفرد   واسعة ,   ازداد   بنفس   النسبة    توحشها  , وتناقصت  بنفس   النسبة   امكانية  تقويم   اعوجاحها ,  لقد    سقطت   سوريا   في  مستنقع   التفرد, وهناك   شك   كبير   بمقدرة  السوريين  الذاتية    على  التخلص   من  هذا  المرض  …لابد  من  تربية  جديدة, على  يد  مربي حازم ….أين  هو  هذا  المربي  ؟؟

نبيهة  حنا :syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/01

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *