ممدوح بيطار :
لقد كانت هناك رغبة بنسيان داعش , فذكراها لم تكن مفرحة ومريحة , الا أن التناسي القسري لداعش , لم يمنع من الشك بوجودها حتى هذه اللحظة ,هناك من سأل اين ذهبت فلول داعش , واين هي عشرات الآلاف من سيارات الدفع الرباعي ؟ وأين هو البغدادي ؟ , اضافة الى ذلك كان هناك من يشك بأن القضاء العسكري على داعش يعني القضاء على داعش , كأن داعش عسكر فقط …
اليوم نسمع عن عودة خجولة لنشاطات داعش العسكرية , ونرى المئات من الدواعش وهم يهربون من السجون , ثم نسمع بأن عدد الدواعش في سجون قسد قيد الاعتقال بلغ عشرات الآلاف , وقد سيكون بامكان هؤلاء الفرار في الظرف المناسب , والظرف الذي يمكنه ان يكون مناسبا سيكون من صنع غزوة اردوغان ….,كل ذلك يعيد الى الذاكرة علاقة تركيا الايجابية مع الدواعش , ومسؤولية تركيا عن تسهيل عبور الدواعش الى سوريا والعراق , لذا فانه من الممكن أن تعود داعش على الساحة القتالية -السياسية بمساعدة تركية في ظرف معين , مثلا اذا ضاق الحال بجيش محمد شرق الفرات , عندها لامفر لاردوغان في حالة الضيق من الاعتماد على الصديق …عندها قد تعود داعش بكامل قوتها وعسكرها ومدافعها …. عندها يمكن القول بأن من مات من قسد وغير قسد في الحرب ضد داعش , كان بدون نتيجة ايجابية .
خضعت نشأة داعش الى العديد من المقاربات على اختلاف سياقاتها , اغلب المقاربات اعطت الانطباع بأننا بداعش أمام حالة استثنائية بعيدة عن نسقنا الاجتماعي بماضيه وحاضره , انها ظاهرة وافدة علينا من كوكب آخر , من صنع الأسدية ومخابراتها أو من صنع الأمريكان أو الطليان أو غيرهم , لقد كانت هناك محاولات للالتفاف حول الأسئلة “الصادمة “, التي جسدت حالة من التوتر الداخلي, ثم الخوف والجزع من ثبات صحة مقاربة عقلانية مؤسسة على سبر أغوار الماضي واكتشاف الر حم الذي ولدت داعش منه …داعش ليست من الاسلام بشيئ !!!! انها من صنع اسرائيل وبوتين بالشراكة مع الملالي ثم الجان والشيطان ….لعنها الله , لماذا على الله أن يلعنها ؟؟ على الأرجح لأنها انهزمت !!! فمن يريد من الله لعنتها , صفق لها عندما انتصرت وسيطرت على تلثي الجغرافيا السورية تقريبا .
هل خطاب داعش الديني -السياسي -العسكري أمر مستجد على مفاهيمنا وتراثنا الفكري-الفقهي وممارساتنا قديما وحديثا ؟, ألم نقتل ونحرق الأحياء ونبيع النساء ونبتر الرؤوس؟, ألم يكن القتل غاية في حد ذاته ؟هل تصدى الوعي الجمعي لأغلبية الناس للفكر الذي تنتمي داعش اليه , أو انه كان قابلا لاحتضان داعش … هل لداعش علاقة بفشل مشروع الاصلاح الديني , ولماذا فشل هذا المشروع …هناك قدر كبير من الأسئلة , التي لايتسع المجال لطرحها , ناهيكم عن الاجابة عليها بدقة وصدق وأمانة .
اعتبار داعش أمر غريب عن المنطقة ,….بضاعة مستوردة من أمريكا أو ايران أو المؤامرة أو الأسدية أو النصيرية أو السنية ..الخ, كنوع ماركة “بذور داعش” ثم زرعها في هذه البلاد , يمثل تجاهلا غبيا للبيئة الثقافية والاجتماعية السياسية لواقع هذه المنطقة المؤهلة لاحتضان داعش , لابل انتاج الدواعش وأمثالهم, والقول بأن داعش عبارة تسلل المرض الجهادي من ستة جهات الكون الى المنطقة , هو محاولة ساذجة لتبرئة الذات والمجتمعات من داعش وأعمالها وتفننها في ممارسة الانحطاط ,القول بأن داعش ليست من الاسلام بشيئ , يذكرني بحديث رسولي يقول جئتكم بالذبح … الخ , هنا يجب القول عندئذ بأن الرسول لايمثل الاسلام الحقيقي, وما تحدث به ليس من الاسلام بشئ !,
بوادر طلة جديدة لداعش في ظل غزوة اردوغان , أبطلت جدية الحديث عن القضاء على داعش عسكريا, فالحديث عن الانتصار على هذه الظاهرة ,بالرغم من أهمية الجانب الأمني والعسكري, من دون التفكير في آلية إعادة إنتاج مسار اصلاح ديني يقطع مع هذه البنية الداعشية , هو ضرب من الخيال, فداعش مترسخة في الوجدان وفي العقول والعواطف والايمان أكثر مما نتصور, وما هي داعش سوى تعبير مسلح وعنيف عن آلية تفكير موجودة ومسيطرة , خلقت نسقاً اجتماعياً ـ فكرياً صعب حتى على “التيارات القومية أو العلمانية” اختراقه , حتى بمساعدة طيران التحالف وصواريخه وقنابله, فغياب داعش عن المشهد العسكري -السياسي ليس دليلا على زوال داعش ,وانما على كمون داعش في حالة النوم او حالة المهادنة , داعش نامت في القرون الأخيرة ولفترات طويلة خاصة عند وجود من قام بعملها , كما كان الحال تحت حكم الخلافة العثمانية , التي كانت أشد داعشية من داعش .
داعش حمالة أوجه , ولكل وجه من وجود داعش مهمة , هناك وجه الرصاص المكلف بمهمة القتل , وهناك وجه الثورة , التي يصفق له الاسلاميون اعجابا لحد الآن , باعتباره ثورة من أجل الحق والحرية والعدالة الاجتماعية, التي يمارسونها عمليا في ادلب ..اللهم انصر ثوارنا في ادلب !!!!, ومن هم ثوار ادلب ؟ لايرتدي كل داعشي الجلباب الأفغاني ولا يضع كل داعشي عمامة على رأسه , فتلميذ المدرسة “التيمية” على سبيل المثال داعشي بامتياز , وماذا عن وزير الأوقاف الذي رفض ادانة التيمية , وعن نجله قائد الشباب الديني , الذي غادر مؤخرا قاعة المحاضرة في مدينة سورية بعد أن تعرض المحاضر للتيمية بالنقد.
داعش هي مرآة لواقعنا , هي متواجدة تحت كل عمامة حولت الاسلام الى تكفير ,انها وجه حقيقي من وجوهنا المنسجمة مع ثقافة القتل والتكفير والاستبداد , الذي يمارس هنا منذ قرون .. على الداعشي الذي يشتم داعش مشهديا مخاتلة وتلفيقا من أهل الشقاق والنفاق أن يرجم نفسه أولا,….. لاينم شتم داعش من قبل الدواعش عن رفضهم لداعش , وانما عن عقاب لداعش لأنها فشلت وخيبت آمالهم ..
Post Views: 291
