الاستعمار الداخلي والاندثار …..
سمير صادق , ربا منصور :
لم تكن ولادة العراق كدولة قبل حوالي مئة عام نتيجة لاستفتاء , وانما نتيجة لظروف معظمها خارجي , بالرغم من ذلك تطور العراقيون مع دولتهم الوليدة وطوروها , الى أن قضي عليها كما قضي على شقيقتها السورية, خلال القرن الماضي , لم ينعم أهل العراق بما فيهم الأكراد بحكم وفر لهم التقدم , وانما بحكم وحكومات عملت على تخريب مشروع الدولة العراقية بالتدريج الى أن وصلت هذه الدولة الى ماوصلت اليه من خراب وشرذمة وتفكك بحيث لم يعد من الممكن الحديث عن دولة العراق , وانما عراق ماقبل الدولة .
مهما كانت نتائج انفصال كردستان السياسية والاجتماعية على العراق وعلى المنطقة بشكل كامل ومهما بلغت مايسميه القوميون والاسلاميون “وحدة سيادة العراق”من أهمية ,فالأهم من كل ذلك هي دلالات الاستفتاء الأخير من وجهة نظر أخلاقية تاريخية , فأكثر من ٩٠٪ من المواطنين العراقيين في أقليم عراقي اسمه كردستان لايريدون العراق كوطن لهم , وأغلب الظن أن استفتاء مماثل في الجنوب الشيعي وفي الوسط السني ستكون نتائجهم مماثلة لنتنائج الاستفتاء في أقليم كردستان .
الواقع الذي لمسناه في كردستان والذي يمكن التنبؤ به في بقية أجزاء العراق يدل بأن العراقيون لايريدون دولة تجمعهم اسمها العراق , وانما يريدون كيانات على أساس قومي أو مذهبي , وهذا يعني بأن العراق أصلا مقسم وما ينقصه هو الاعلان عنه , وهذا ماتم في اقليم كردستان , تاريخيا يمكن القول بأنن ولادة دولة كردستان هي الولادة الأنظف مقارنة بولادة كامل العراق , ثم أن الفكر القومي الذي يجمع الأكراد قابل لانشاء دولة مقارنة مع الفكر الطائفي الذي يجمع الشيعة ويجمع السنة , للفكر القومي بخصوص الدولة مشاكله التي يمكن حلها , الفكر الديني بخصوص الدولة هو بحد ذاته مشكلة عملاقة تمنع قيام دولة , لايستقيم الفكر الديني بما يخص صناعة الدول الا مع الكيانات التي تسمى حالة ماقبل الدولة .
الوضع العراقي ليس كما يردح الاسلاميون والقوميون نتيجة لمؤامرة دنيئة , وانما نتيجة واقعية ومنطقية لمسار عراقي داخلي سمته الأساسية فشل جميع العراقيين في بناء مجتمعا عراقيا يؤسس لدولة وطنية عراقية سيان ان كانت مركزية أو فيدرالية , وبما يخص أهل العراق ومسؤوليتهم عن الفشل يجب القول بأن أكثر الفشل هو من نصيب الأكثرية العربية .
حامل راية العروبة كان البعث في النصف الثاني من القرن الماضي , هذا البعث قام بتسييس العروبة وفرضها بالقوة على بقية العراقيين الغير عرب في منطقة لاينتمي جميع سكانها الى العنصر العربي , واذا كان الانفصال شرا يجب ادنته ورفضه , فالأحرى بنا ادانة العروبيين أولا لأنهم أول من قسم العراق عنصريا , وأول من مارس استعمار العراق داخليا , استعمارهم كان بدائيا استغلاليا وحشيا ومؤسسا على امتداد “نسلي فخذي” مطاطي لقحطان وعدنان , العراق الذي اراده البعث دولة هو عراق يقوم على مفاهيم الطغيان والاستعمار الداخلي والعنصرية , استعمار فحلي بعثي يريد جعل البقية الباقية من العراقيين كعبيد أو كحريم أو سبايا في قصورهم, ديدن البعث كان التعريب القسري ولم يفكر البعث بالفضاء العام الذي يجب ان يتسع للجميع افقيا وانما بفضاء عام يمركز شاقوليا عناصر الشعب فوق بعضهم البعض , وجه السحارة كان البعث العروبي وما تحته ليس بجودته أو مقامه , اريد هنا التنويه الى نقطة قد تكون مهمة , لقد كان عمر البعث عندما استلم الحكم في العراق ٢٠ سنة أو أقل , وعندما قاد البعث سوريا الى الوحدة الاعتباطية مع مصر كان عمره ١٠ سنوات تقربيا , وفي كلا الحالتين كان البعث في عمر المراهقة , ولا عجب من فشل المراهق عندما يتباين حجم مسؤوليته مع مقدرته.,
هل يمكن تصور اندثار العراق واندثار سوريا بالشكل الذي نلمسه الآن فيما لو بقي العراق مستعمرة بريطانية وسوريا مستعمرة فرنسية , الجواب هو النفي القطعي , لقد قيل بأن الاستعمار الداخلي أسوء بكثير من الاستعمار الخارجي , هل من شك بذلك ؟