ممدوح بيطار :
* لشعار الوطن للجميع والدين لله ,جذور عميقة في التاريخ العربي , جوهر الشعار كان البحث عن الأسس التي تمكن من قيام دولة تنتهج الديموقراطية وتستفيد من التعددية الخلاقة,الا أن التعددية , كجزء من جوهر الشعار , انتقلت الى الأساليب والأهداف , التي مارستها وطرحتها الأشكال المختلفة لتمردات الربيع العربي , المتميز بتنوع وتعدد الاتجاهات , من هذه الاتجاهات كان اتجاه فئة وضعت في مؤتمرها في دمشق أسسا دستورية تتضمن الاقرار بأن الدين لله والوطن للجميع , فئة أخرى , فئة “المجلس الوطني (اسطانبول )” , التي تمثلت بتكثف قوى للاخوان المسلمين , الذين يريدون أن يكون الدين لله والوطن لله , حركتهم كانت تطالب بدولة مدنية دون شروح وتوضيحات اضافية , الا أن الالحاح علي التوضيح أرغم الاخواني المصري محمد عمارة على البوح بحقيقة الأمر , حين أعلن بأنه يجب أن تكون لهذه الدولة المدنية مرجعية اسلامية , اي ان الدولة المدنية ليس مدنية بمعنى هوبز وانما بمعنى دولة المدينة , التي حدد الرسول معالمها , المصارحة بدولة المدينة قادت , بدون جهد يذكر , الى نهاية الفكرة , التي كانت مخاتلة تحايلية , الآن بدأ الحديث عن دولة المواطنة المبهمة ايضا وبدأ الترويج لدولة اردوغان , اردوغان قال كمسلم ورئيس دولة علمانية , ان دولته العلمانية تقف على مسافة واحدة ومتساوية من جميع الأديان , ناصحا بذلك المصريين خلال زيارته لمصر بأن يتضمن الدستور المصري بند المسافة المتساوية من كل الأديان , مما صدم الاخوان المسلمين في الصميم , روج الاخوان للنموزج التركي الاردوغاني , والآن يريد اردوغان المساواة بين الأديان …معاذ الله!!
هناك فروق كبيرة بين الدولة المدنية وبين دولة ” الدين لله والوطن للجميع ” , التي تمتد جذورها الى القرن التاسع عشر والى بطرس البستاني , الذي دعى أبناء الوطن الى نبذ التعصبات الدينية والتحزبات المذهبية , تلاه بنفس المعنى الملك فيصل عندما بويع عام ١٩١٨ , عقب أحداث طائفية مع الأرمن , بعد أن عرف , بأنه كانت هناك كتائب أرمنية حاربت الى جانب الحلفاء ضد الخلافة العثمانية , التي ارتكبت مجازر الأرمن . بعد سنة تقريبا رفع سعد زغلول وحزب الوفد المصري هذا الشعار , معتبرا ان الوطن لكل الناس باختلاف أديانهم وألوانهم وثقافتهم , بل ان هذا التعامل ضروري للنهضة في كل دولة, بعد سعد زغلول أتى سلطان باشا الأطرش ليرفع هذا الشعار عام ١٩٢٥ وذلك كمعارضة لتقسيم سوريا الى عدة دويلات تبعا للجغرافيا الطائفية .
تنوعت ردود فعل التيارات الاسلامية , الا أن معظمها أو حتى يمكن القول جميعها وقفت ضد هذا الشعار, فالشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني قال في كتابه ” كواشف زيوف المذاهب الفكرية المعاصرة “إن الديمقراطية باعتبارها تنادي : بأن الدين لله والوطن للجميع , وأن شأن الأقليات في هذه الدولة كشأن الأكثرية في الحقوق والواجبات -تمكن الأقليات من التكاتف والتناصر لاستغلال الوضع الديمقراطي ضد الأكثرية ومبادئها وعقائدها ودينها , وتمكنها أيضً من التسلل إلى مراكز القوة في البلاد , ثم إلى طرد عناصر الأكثرية رويدا رويدا من هذه المراكز , بوسائل الإغراء , وبالتساعد والتساند مع الدول الخارجية , المرتبطة بالأقليات ارتباطًا عقديا أو مذهبيا , أو سياسيا قوميا , أو غير ذلك…….تصحو الأكثرية من سباتها بعد حين , لتجد نفسها تحت براثن الأقلية , محكومة حكما ديكتاتوريا ثوريا مِن قِبَلها ,مع أنها لم تصل إلى السلطة إلا عن طريق الديمقراطية , لقد كانت الديمقراطية بغلة ذلولا أوصلت أعداء الأكثرية وحسادها والمتربصين الدوائر بها, إلى عربة ثيران ديكتاتورية الأقلية”.
حكم مقولة “الدين لله, والوطن للجميع”,التي اخترعها أعداء الأمة, هي وغيرها من المقولات الكثيرة الرنانة الباطلة, والتي لا يلتزمها من وضعها ودندن بها , وإنما يشوشون بها على المسلمين , وقد راجت هذه المقولة على أبناء الإسلام , البعيدين عن تعاليم دينهم , أو المغيبين عن واقعهم , وعن مؤامرات الكفار ووسائلهم في إضلال المسلمين , حيث اعتروا بالشعارات الجذابة والبراقة , ببراءة وغفلة وحسن نية , ولم ينتبهوا للسم الزعاف الطافح منها,وبالمفهوم المعاصر للوطنيّة الذي روجه الطامعون بسلخ المسلمين من حقوقهم في السيادة على الأوطان الإسلاميّة, اتسع شعار الوطنية حتى صار في المفهوم الشائع يضم كل سكان الوطن الواحد, ولو كانوا في الأصل نزلاءه أو ضيوفه أو مقيمين فيه بعهد أو أمانٍ أو ذمة, يسترجع اليوم معظم أنصار التيار الإسلامي مقولات الشيخ حبنكة , مطالبين بفرض قاعدة الأغلبية على الدساتير والنهج السياسية الجديدة, ولا يفترق الحبنكي عن ابن باز وعن العريفي والبوطي وكفتارو و أبو بكر البغدادي ثم القرضاوي وغيرهم , يقولون :
واقعيا , ان أعداء الاسلام لما عجزوا عن محاربته بالسيف , لجؤوا الى غزو عقوله ثقافيا , غزو بذلوا في سبيله الغالي والرخيص , لإخراج أبناء الإسلام عن الدين القويم, وإعادتهم إلى ضروب الوثنية , وكل ذلك تحت مسميات شتى , من أخطرها الدعوة لتقديس الوطن, واستبدال حدود الوطن بحدود الله, فتتلاشى عقيدة الحب في الله ورسوله, بدعوى الوحدة الوطنية بين نسيج الأمة الواحدة , التي تجمع الفرق تحت اسم القومية بدلاً من الدين , واستبدال عقيدة الولاء والبراء بشعار المواطنة,حتى خرج من عباءتهم المقولة الآثم : “إن الكلام في العقيدة يُفَرِّق ولا يُجَمِّع ، وقد صاغوا عباراتٍ رنانة , ترهف السمع وتخطف القلب, وينخدع بها الغر مثل, إحلال الوئام محل الشقاق ,والتعاون والتحاب محل الأنانية والانتهازية , وهكذا دواليك , فوقع في شركهم كل غرير غافل عن الكتاب والسنة, وصدق الله العظيم “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ , وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ”
لا أود التعليق على مضامين الفكر الذي قدمت عينة منه , ولكني أفهم جيدا اعتبار الصديق قندلفت للشعار بأنه ميت , وموته كان حسب قناعتي , عن طريق اغتياله من القوى الاسلامية السياسية المعقدة والمريضة بعشرات الأمراض منها الدونية ومنها النرجسية ومنها العدائية والانسداد , يبقى الجهل المرض العضال الرئيسي , الذي اعيا من يداويه !
*مجد مكارم
 |
مجد مكارم: لن نخرج من أزمتنا حتى نصل إلى قناعة بأن الدين لله والوطن للجميع |
|
Post Views: 186