نبيهة حنا :
هناك من يتهم تيار العلمانية في سيريانو بالتقصير وعدم الالتفات الى الحاضر والمستقبل , وفراغ الجهود المبذولة من النافع , وقد وعدت بالرد بشيئ من التفصيل , والآن اريد التحدث عن البدوية وخصائصها وما ورثناه من هذه الخصائص , فبخصوص البدوية لاموقف سلبي لنا من البدوي , التي تثير حياة الشظف التي يعيشها مشاعر الأسى والحزن عليه , فمشكلتنا مع البدوية وليست مع البدوي , ومشكلة البدوية في بلادنا ذات علاقة مع التنافر بين طبيعة البلاد الصالحة لحالة الحضر ,وبين أحكام وقوانين الصحراء القاسية, قوانين وأحكام تلحق الضرر بالسوري , الذي عليه بقوانين وأحكام تنسجم مع البيئة السورية الخضراء ءومع حياة الحضرالسورية , كل ماسوف اذكره عن معالم وخصائص البدوية يجب تجنبه في سوريا , وذلك لتمكين سوريا من التقدم والترقي .
تتميز البدوية بالعديد من الخصائص والمظاهر منها ظاهرة الانكار وانعدام المقدرة على رؤية السلبيات التي يجب تصحيحها بصدق , وليس تلفيقا من خلال تمظهرات التفاخر والتكابر والغرور والانتفاخ , فالثقافة البدوية لاتسمح بممارسة الموضوعية …فلا اعلان عن وجود الضعف , ولا اعلان للاعتراف بالهزيمة , ولا اعلان الوقوع بالخطأ , تظن البدوية بأنها لاتخطئ وهي دوما على حق, فالبدوي وحتى في سلبه ونهبه على حق , لأنه يسلب ما يعود له أصلا وما يمكن لسيفه تحقيقه في هذا المجال , البدوي لاينتقد ذاتيا ولا يعتذر , لأن النقد الذاتي مذلة ,
تتمظهر البدوية حتى في سياق النقاشات والحوارات باستخدام كل الأسلحة المتوفرة من أجل سحق المحاور الآخر أو الخصم الفكري سحقا لانجاة منه , الحوار يتحول تحت الصيغة البدوية الى تعارك ومنازلة من أجل كرامة الفرد وكرامة عائلته وقبيلته وكرامة مليار ونصف من المسلمين ,لايعرف حوار البدوي الا مخرج النصر أو الهزيمة كالمنازلة بين فرسان القبائل …اما قاتل أو مقتول , وحتى لو كان للهزيمة أسباب موضوعية , فالهزيمة توازي فقدان الشرف والكرامة, فمن ضرورات الحوار سحق الخصم الفكري , والسحق ضروي لأنه لامجال لتغيير القيم المتجذرة في النفوس عند البدوي , وحتى بقاء الخصم حيا يمثل بالنسبة للبدوي مذلة وفضيحة , .
ثم ماذا عن التعامل مع شرف البنت ؟, اننا لانزال حتى هذه اللحظة سجناء المفاهيم البدوية ,حماية شرف البنت يتطلب تصفية من لوث شرفها , وعند عدم التمكن من ذلك تتم تصفيتها وازالتها من الوجود , ثم اعلان الانتصار والتفاخر بالفعلة , عملية جريمة الشرف تمثل ازالة ارهاب فقدان الشرف بوسائل لاتمت للشرف بصلة , حماية الشرف لاتتم بتكريس اللاشرف , لاتتم بالتوحش العابر حتى لحدوود الغابة , لاتتم بالنذالة والانتفاخ وتورم الأنا ثم ممارسة العنتريات والمزايدات والأنانيات .
يرفض العقل البدوي الرعوي ممارسة التحليل والتفكيك , لأن التحليل والتفكيك يسير باتجاه معاكس للقطعية البدوية , التي لاتعرف الا مصداقية حد السيف الذي يفصل بين الحياة والموت , السيف هو من مستلزمات الحياة البدوية الرعوية , انه مصدر الرزق …. بالسيف ينهبون ويدافعون عن كياناتهم ومسروقاتهم , وبحكم الاعتياد على ثقافة السيف يمارسون التحارب والصراعات الدامية احيانا كرياضة وهواية , تمظهرات القوة وشدة البأس والتفاخر بالعنف هو من خصائص البدوية المرتشحة في حياة الحضر في بلداننا الآن والمسيطرة على ثقافة الحضر , وبذلك بعكس تطور الأوضاع منطقيا , المنطق يرى هيمنة الحضر على الثقافة البدوية ,احترام البدوي لنفسه هو ترجمة لاحترام الآخر له ,واحترام الآخر له لايعني الا انصياع الآخر ودونيته أمام البدوية , التي ترتكز على معادلة اعلاء شأن الذات وخفض شأن الآخر , فمجرد وجود الآخر هو بمثابة تهديد لها , وحتىفلاسفة اليونان اعتقدوا ذلك , فالبدوية تمثل الحالة الفطرية الطبيعية … حيث الاقصاء و الخصام , وتتميز عن الحالة السياسية القانونية لهذا المخلوق , التي تتميز بالاندماج والتعاون , لذلك يجب بدويا اقصاء والغاء الآخر بأي وسيلة كانت .
لاينبع نظام الفضيلة عند البدوية من داخلها, انما من تصور الآخرين لها , من خلال ثنائية شموخها -انحدارهم , البدوية لاتنظر الى الى داخلها وانما الى صورتها في ذهن الآخر , فمنانه من الجهل أن تتخفى خلف ظن الناس بك , خاصة عندما تملي هيمنتك عليهم وخوفهم من سيفك واعتمادهم على فتات مكرماتك الصورة التي تتمناها لنفسك في أذهانهم .
لقد كان على العقلية البدوية أن تنحسر أمام الحضر ,وأمام الاسلام ايضا , الذي اراد الحد منها عن طريق تطبيق مفهوم ” الأمة ” لقد انصاع الاسلام حتى في السقيفة الى منطق البدوية , وتبنى منظمومة فضائلها المتمثلة بمنطق السيف والقهر والغلبة , البدوية انقلبت على الاسلام وهيمنت عليه وقولبته بقالبها والقولبة فعالة حتى هذه اللحظةا .
اننا نعيش في بيئة صنعتها العقلية البدوية المتمحورة حول العنف والسيف وذهنية الراعي والرعية , هذه العقلية حولت الانسان الى مجرد “اداة” تنتظر الحصول على حقوقها بشكل مكرمات من قبل الراعي , فحقوق المواطن مرتبطة بمكرمات الراعي وليس بواجبات الدولة تجاه المواطن , تؤسس هذه الحالة المؤطرة باطار أو هالة العطاء الى تغيير صيغة الحقوق , من صيغة الحقوق المكتسبة الى صيغة الحقوق الممنوحة , صيغ لاتخضع لمفهوم العدالة أو القانون , صيغة توهم الخادع والمخدوع , توهم الراعي الخادع بأنه متفاني في سبيل الآخر , وتوهم المخدوع من الرعية بأنه نال حقوقه ! , التي تتمثل بارضائه , ارضاء البعض من المتملقين! , فالارضاء شيئ والحقوق شيئ مختلف تماما.
فرضت العقلية البدوية منظومة حكم لاتمت الى فلسفة الدولة بأي صلة , وحتى تصنيف ما يحكمنا ويتحكم بنا الآن في مصنف ماقبل الدولة هو اجحاف بحق مفهوم ماقبل الدولة , اننا في مرحلة البدوية الفطرية وما قبل السياسية القانونية ,لايمكن للفطرية تأسيس دولة , بل في أحسن الحالات قبيلة الى جانب قبائل أخرى تتصارع مع بعضها البعض وتنهب بعضها البعض , لامناص بدويا من النهب الذي نسميه فساد , والفساد ليس من صنع الراعي فقط وانما من صنع الراعي والرعية ,
بالرغم من كون كل ماذكر عن البلاء البدوي مرئي ومحسوس وملموس لدينا جميعا , كل ماذكر هو فينا ويمثل جوهر حياتنا والعامل الأساسي لتأخرنا , نرى هناك من يدافع عن البدوية , لا أظن بأن هؤلاء مهتمون برقي البلاد وتقدمها وتخلص هذه الشعوب من العادات والمفاهيم وعوامل الاعاقة السيئة لهم أهدافهم , التي يحب تحديدها , لكي نعرف كيف للتعامل معهم أن يكون , لابد من دراسة ذلك في دراسة منفصلة !