سايكس -بيكو الذي أخافنا , نخاف عليه !
جورج بنا :
لاتعرف الهوية جوهرا ثابتا خاصة بالنسبة لسوريا , التي تعرضت خلال تاريخها الطويل الى العديد من المؤثرات التي صبغتها بصبغات اضافية مختلفة , كان آخرها الصبغة العربية الاسلامية , الجغرافيا السورية تعرضت ايضا لمؤثرات مشابهة , الا أن هذه الجغرافيا ثبتت بعد سايكس -بيكو واعترف العالم بحدود الجغرافيا السورية , هذه هي سوريا بالرغم من الكثير من المآخذ التي لم يعد لها قيمة عملية , مآخذ مفيدة للتباكي والتغني لا أكثر ,
الجغرافيا ثبتت ولا مناص من الاعتراف بها ولا جدوى من التنكر لها , أما الهوية فتتواجد سوريا في حالة بحث مجددة عن الهوية , لقد كانت الهوية العربية الاسلامية مقبولة من معظم الشعب السوري بعد الحرب العالمية الأولى , ولكن بعد الفشل الذريع للاسلام العروبي في القرن المنصرم اصبح البحث عن هوية جديدة ضروريا كما كان الأمر في أوائل القرن العشرين .
التجربة مع العروبة القومية ومع الاسلام السياسي انتهت بفاجعة لامثيل لها , لذلك لامجال للتعامل مع التيار القومي العربي أو الاسلامي بشأن الهوية ولا وجود الا للرفض القطعي لأي محاولة ترمي الى السير بالبلاد تحت مظلة العروبة الاسلامية , ومن يطالب من التيار العروبي أو التيار الاسلامي السياسي بالسير بسوريا معهم انما هو جاهل لايخجل , أخلاقيا على الفاشل أن يستقيل , الا أن الوقاحة والمنفخة لاتسمح له بذلك ,لقد توفرت لسوريا فرصا عديدة لتتطور وتتقدم , الا أن العروبيون الاسلاميون ضيعوا هذه الفرص , ولمن لايخجل منهم أدعوده لمقارنة سوريا وتاريخها وامكانياتها مع اسرائيل …أين وصلت اسرائيل وأين وصلت سوريا ؟
موضوع الهوية ليس أمر شكلي وليس أمر معنوي خاص بالاحتفالات والدبكة والفولوكلورات , انه موضوع عملي جدا , اذ على سوريا , ان قدر لها التعافي من الموت المحدق , أن تعتني بنفسها وتعمل من أجل نفسها , وأن تتوجه أهدافها على نفسها , فزمن الاغتراب عن سوريا ولى ولم يعد هناك أي امكانية لتحمل زنى البعض مع العروبة الاسلامية , عليهم بالاتعاظ وتغيير اتجاههم الى الداخل ,أخشى أن يقود التعنت العربي الاسلامي الى نشوء حالة من التشدد السوري بملامح شوفينية ! ومن يشك بذلك عليه التعرف على تجارب الدول الأخرى ..بولونيا ..تركيا … وغيرهم , …سوريا فوق الجميع !!! , انه المبدأ والفرصة الأخيرة لسوريا أن تكون والا سوف لن تكون.
اتسم القرن الماضي بخاصة اضاعة الفرص , وعدم الاكتراث بالمهم في الحياة ومن أجل الحياة , ضاعت فرصة استقلال سوريا نسيا في عشرينات القرن الماضي ولم يتم التمكن من تمتين الرابطة السورية الجامعة , وضاعت فرصة استقلال سوريا التام بعد عام ١٩٤٦ ولم يتم التمكن من خلق هوية سورية جامعة تنهي حالة اغتراب السوريين عن الوطن السوري , الذي تحول الى وطن مرفوض من قبل العروبيين والاسلاميين , لقد تم تدمير ماقدمه لنا سايكسـى- بيكو الذي ارعبنا وأخافنا واليوم نخاف عليه , سايكس-بيكو تحول من مجرم الى ملاك , من مشرذم الى موحد …كل ذلك يمثل خبرات جديدة لم يكن من الممكن تصورها سابقا.