لاحل انما انحلال مع القومية والمذهبية !

سمير  صادق:

كيف يصعد التيار الأسلامي ؟, وكيف ينحسر التيار القومي ؟, مع العلم انه لافكر في عقل التيار الاسلامي , ولا فكر في عقل التيار القومي …..أقول هذا مستغفرا ارباب السموات والقوميات , مؤكدا   على  أن قصدي بكلمة انعدام الفكر هو انعدام الفكر “الايديولوجي” عند الاثنين , فالايديولوجيا   هي  علم  الأفكار   الذي  يدرس  مدى  صحة     أو  خطأ   الفكر  الذي  يحمله   الانسان   وعليه  يبني  نظريات  وفرضيات       تتناسق  مع   تطوير  حياته  الى  الأفضل ,  لذلك   لاتستقيم   الثوابت  القومية     أو  المذهبية   مع    العلم   الايديولوجي ,  فالثوابت   ليست  ايديولوجية   لأنها   لاتخضع  نفسها   للشك  بكونها   خاطئة   أو  صحيحة   ,  انها صحيحة  دائما بنظر    من  يحملها  من     العنصريات   القومية  والمذهبية .

الاستخدام  المألوف  والدارج لمفردة  “الفكر ” الاسلامي , ولمفردة  “الفكر”  القومي ,  هو استخدام  مجازي ,  يعتمد  الأول  على  الأساطير الغيبية التي نقلها جبريل , والثاني  على  الأساطير   الساكنة الغير متبدلة أو القابلة  للتطوير .. كالخاصة  الديموغرافية الثابتة    الساكنة والتي ترتكز  على  المعالم  التراثية  الماضية مثل  وحدة  اللغة  والتاريخ  وتشابه  العادات ..الى آخر المعالم القومية , فلا  الغيبي  يحتاج الى  أي  تفكير انساني , لأن الله  فكر  وأرسل  أفكاره  مع جبريل الى الرسول , ثم ان الساكن الغير  متحرك  لايحتاج  الى  أي  تفكير , فماذا  أفكر  بخصوص  اللغة المشتركة والتاريخ المشترك وغير  ذلك من الخصائص الجاهزة , وفي كلا  يتجاوز  الانسان  بكلمة  “فكر”  اسلامي  أو  قومي  الواقع   , ويستدل  الكلمة  على  ما  لاتدل عليه .

ليس من المستغرب صعود التيار الديني على أنقاض التيار القومي, الذي لم ينجح بدوره الا بالصعود على انقاض التيارالديني , الذي فشل في تسويق عملية التحرر من الاستعمار, في حين نجح التيار القومي بذلك , ومن المتظر ان يصعد تيار جديد ومن جديد , لربما القومي مجددا على أنقاض التيار الديني المتصاعد الآن , وذلك بعد الفشل المؤكد لهذا التيار الديني في التعامل مع اشكاليات  ومشاكل  الشعوب  العربية -الاسلامية ,   ..نجاح مؤقت ونسبي لتيار على انقاض فشل الآخر !. …وهكذا يحدث التناوب في الحلقة المعيبة..
كلهم فشلوا في تقديم مراجعة نقدية لأوضاع العالم العربي , كلهم فشلوا في ابتكار فكر جديد منتج , ولم ينجحوا الا في أمر واحد , الا وهو تفشيل التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذا العالم ,وكل بدوره ,والأدوار تدوم عادة عقودا من الزمن ..

واليكم بعض   الأمثلة التوضيحية  :
لقد اشترك صدام حسين مع حافظ الأسد في تصفية الأجواء السورية والعراقية من كل ثقافة سياسية ,تملكوا الأوطان وما عليها من أهل وماشية , وشرعوا بتوريثها  الى الأبناء حلالا زلالا لأولادهم وأولاد أولادهم , ضربوا القوى الديموقراطية ومحقوها عن بكرة أبيها , والآن يتباكى مؤيدوهم من السلفية السياسية القومجية   لعدم عدم وجود خلف سياسي فهيم وذو خبرة عندهم  ..يتباكى    أخرون على عدم وجود معارضة تستطيع انقاذ البلاد , واين يمكن لهذه المعارضة أن تنبت وتنمو في دول جرت صحرنتها سياسيا ؟ , ومن أين تأتي المعارضة ذات الخبرة   الكافية   لقيادة  البلاد  ؟., بعد أن قضى كل معارض حياته في السجن , منهم من قضى نحبه , ومنهم من تشوه جسديا ونفسيا .
كلهم قتلوا وسحلوا من خالفهم بالرأي , ونصبوا لذاتهم التماشيل على الهضاب والجبال , ماعدا عبد الناصر , وكلهم سطوا على مقدرات البلاد المادية , وسطروا المليارات في البنوك الأجنبية , أيضا ماعدا ناصر ..لربما لأن موته لم يكن بالحسبان.كلهم طبلوا وزمروا للوحدة , وما قاموا به لم يكن الا   تكريس الشرذمة والانفصال , العسكرية السورية انجزت الوحدة   الاندماجية مع مصر , وحزب الوحدة والحرية والاشتراكية فصم الوحدة مع مصر ..ثم انقلب عام 1970 على الانفصاليين ليمارس سياسة أكثر انفصالية , ثم جاء دور الانفصال العراقي السوري …قامت الحروب بين رواد الوحدة والحرية والاشتراكية , وأرسل كل طرف للآخر الارهاب والمتفجرات , وأما الحديث عن الحرية والاشتراكية , فلا لزوم له قطعا , وحتى المصاب بالعمى , يستطيع التأكد  من   أنه  لاحرية ولا اشتراكية قي بلدان   الاشتراكيين  الوحدويين .
مارسوا   جميعا الطنطنة بالشعارات القومية والخطب التهريجية التي تدوم ساعات , حاربوا التيارات الدينية ظاهريا , ليس بسبب بعدهم عن االنهج الديني , وانما بسبب خوفهم من لعق التيار الديني لمكاسب السلطة , ففي العام الذي أعدم به عبد الناصر سيد قطب , ادخل ناصر في الدستور المصري كل رغبات الجماعة الاخوانية , ولم يفعل الأسد غير ذلك , حين  تزامن الهجوم على بعض مكونات التيار الديني (الاخوان), مع تلبية رغبات مكونات دينية أخرى ..مدارس تحفيظ القرآن..فضائية دينية ..قانون أحوال شخصية مقصوص ومفصل على قد النهج الديني , كل ذلك في ظل دستور يعاقب العضوية في حزب الاخوان المسلمين بالشنق حتى الموت .
لم يشعر المواطن في أي لحظة  بوجود تباين بين السلطة التي تسمي نفسها علمانية مدنية وبين التيار الاسلامي في الشؤون الداخلية والخارجية , خارجيا لايوجد مثل أقبح من المثل السوري , حيث لم يبق للسلطة من صديق الا الملا الايراني -العراقي والامام اللبناني والحوثي  اليمني  ..كلهم أصدقاء للسوري العلماني , الذي لايفترق عنهم الا بربطة العنق …طائفية وممارسات وأحلاف مذهبية ..سوريا ..العراق وايران  واليمن ,     أما   الصديقة   السابقة  حماس  فقد  كان  عليها    أن  ترحل  ورحلت , لأنه   ليس   من  منطق   المذهبية وجود السني  في العرين الشيعي .
من  انكى صور التوافق القومجي – الديني , الذي يتناوب على تخريب البلاد , كانت الصورة التي تبرر  بها السلطات “العلمانية ” تواطئها مع المكون الديني …فالسلطة تدعم البرامج التلفيزيونية الدينية والبرامج الاذاعية الدينية وكامل التسهيلات الدعائية الأخرى لبعض رجال الدين , قائلة انها تريد بذلك شرح الاسلام الصحيح تفاديا للاسلام   الغير صحيح , وهل يوجد اسلام صحيح واسلام غير صحيح ؟ ,فالصحيح وغير الصحيح نسبي , ومنذ 14 قرنا تعتبر السنة الشيعة غير صحيحة , والشيعة تعتبر السنة غير صحيحة ,
السلطة القمعية القومجية تتناغم مبدئيا مع التيارات الدينية , التي تؤمن بالقطعية , ولما كان للتيار الديني الهه , وجب على التيار القومجي خلق اله له ,وابتكار الآلهة كان أمرا سهلا , اننا  نجده بأوضح صوره في شعار “الله ..سورية ..بشار ..وبس ”   ففي  الشعار  تناظر موقع بشار مع  سوريا ومع موقع الله ,  وبالتالي   هو   أيضا   اله .

لم  يتمكن التخاصم الظاهري   بين  التيار  القومي  والتيار   الديني من التمويه على البنية الدينية الالهية للنهج القومجي , فالعداء للعرعور الذي يريد سرقة السلطة , قابله التوافق مع البوطي والحسون , الذي   قبل بتقاسم السلطة ..يدا بيد من أجل تخريب البلاد بالتناوب  ..الآن القومجي وغدا الأصولي , وهكذا تدور الدائرة ويضيق الخناق على الوطن , الذي أصيب بالاغماء قبل أن يموت نهائيا ويعطيكم عمره .

معظم فئات الشعب , خاصة الفئات الصامتة , ملت من هذه المناوبات ونوبات التخريب , الا انه لاحول ولا قوة لها , انها  لاتملك البندقية الوهابية ولا تملك بندقية الملالي ..لاتملك المال الوهابي , ولا المال الملالي , ولا يعرف الا من يجلس  في السماء  كيف ستتطور أمور الأرض , التي   تواجدت     وتتواجد   عليها المعارك  , وقد يكون من حظ الأكثرية الصامتة أن تصاب الديوك المتقاتلة بنوع من الاعياء  قبل أن ينزف الوطن كامل دمه… للأسف ..كل الديوك تعتقد انها تستطيع التهام كامل الكعكة لوحدها , وهذا ما يجعلنا بعيدون عن كل حل   وقريبون  جدا  من  الانحلال   .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *