أين هو الوطن ؟

:نبيهة حنا

عمليا  يجب أن تكون “الوطنية” حالة معاشة مصلحيا , أي  أنه على  ممارسة المواطنية والوطنية  أن  تقدم لمن لهم علاقة معها … الأرض  والانسان , ايجابيات  تؤمن لهم  تحقيق “مصلحتهم ” التي تتمثل بالتقدم والازدهار والحياة الحرة الكريمة , تحول المواطنية الى  حالة احتفالية  اعلامية  هو بمثابة تفريغها من مضامينها  التي هي تحقيق ماذكر وأكثر,مانراه اليوم في بلادنا لايتصف بتقدم الايجابيات  وانما بالسلبيات الصرفة  , لقد أصبحنا معيارا   وسجلنا  رقما قياسيا  في  ممارسة افناء الذات , في بلادنا  لاتتكاثر الا القبور  ولا يعلو صوت على صوت  التحطيم  والتخريب والتكسير  , جوعنا يزداد فتكا  وهجرتنا  تزداد تغريبا , بكلمة مختصرة  لا يحسدنا  أحد على مانحن به  . كيف حدث ذلك ؟

جانب  الحقيقة من ادعى   بأن البلاء سقط من السماء , خان المنطق  من ظن  على  أن جحود الآخرين  دمرنا ,ولا جدوى من التعمق في  البحث  عن  أسباب لشقائنا خارج  ذاتنا  , توجد مقولات   عديدة وفرضيات  تافهة  وتكهنات مريبة  ..كل ذلك هو  نوع من  ممارسة الاتكالية  والقاء المسؤولية على  ظرف أو منظومة خارجية ,فليكن عندنا مايكفي من الشجاعة الأدبية والموضوعية   التي  تسمح لنا بالمصارحة والاعتراف بالخطأ  , ليس بقصد جلد الذات , وانما  بقصد  التعرف على نقطة الانطلاق ..من أي مستوى  ومن أي وضع  علينا أن ننطلق  ,  دون أن نقفز على المراحل  بعيون مغلقة  وعقل حالم ..يجب  أن نسير المراحل   بجد وثبات ونشاط ,لكن بسرعة لكي نلحق يوما ما  بالركب الذي  سبقنا

لكي  نتعرف على الصحيح يجب  تشخيص الخاطئ , ومن  الأخطاء  التي  اعتبرها كبيرة هو  عدم اعترافنا  الوجداني والعقلي والعملي  بسوريا وطننا  نهائيا للسوريين ,  احتقرنا الوطن من حيث لاندري ..   البعثي سماه “قطر”, وبالتالي ليس دولة , وانما حالة مرحلية حتى الوصول الى الدولة العربية من المحيط الى الخليج , السوري القومي  ايضا لم يتعامل مع سوريا والسوريين كدولة  وانما  صرف جهوده  كلها على  احياء ما مات  من دولته الافتراضية    , انها الشام  ونجمتها قبرص,  وجهودنا يجب  أن تتوجه الى تحقيق ماقاله سعادة من ان سوريا للسوريين  والسوريون امة تامة كاملة  ,وعن الكمال تحدث  البعث  أيضا  ..امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة , أما الاخوان  فقد كانت دائرة بحثهم  عن  نهاية المطاف  أوسع ..فسوريا ليست الا جزءا من  الدولة الاسلامية  التي لا أعرف لها حدودا , وشعب هذه الدولة هو الأمة الاسلامية  , ولا يعرف مخلوق في هذه البلاد ماهو القصد  بالأمة  الاسلامية ..ان كانت تشمل الصين وأمريكا وروسيا  !, مختصر الكلام   لم  يكن عند الانسان السوري ذلك الوعي  بأن  وطنه  النهائي سوريا , وقد ساهم كثيرون في تعميق مرحلية الحالة السورية .

هذا الوضع النفسي  كان ضارا جدا , اذ  استهلكت الجهود لتحقيق مالايمكن تحقيقة  ,وبالتالي لم يبق  لما يمكن تحقيقه مايكفي  من الطاقة ..اهملنا الداخل  ولم نحقق شيئا  في الخارج ,فنجمة قبرص  لم تتألق هلاليا  , وفلسطين لم تعود سوريا ,  والامة العربية الخالدة  لاتعرف  الا  الانقراض  والتآكل  , واسلام  الاخوان الضبابي  لم  يتطور الا همجيا , ؟؟ ازدياد قتال  واقتتال الاسلاميين تناسب طردا مع تشقق وتبعثر الامة الاسلامية الافتراضية وازداد بعد  مروجوها  عن تحقيق  أحلامهم   …, الأمثلة عن  “اضطراب” الوعي الوطني   السوري  وانشغاله  بالعبثية  وفقدان الجدوى  كثيرة جدا  وما اوردته كان على سبيل الذكر وليس الحصر  , نتيجة لذلك لاعجب من أن  نتحول الى ماتحولنا اليه

أخفقت الوطنية  في تعريف نفسها كركيزة للدولة  , الوطن تمدد  عروبيا  واسلاميا , وكان على الوطنية  أن تتمدد أيضا الى حدود افتراضية   وكان  لها   أن  تفشل  وفشلت  عمليا   ,  ..فالوطن  لم  يعد   ضمن الحدود السورية ,  لقد وصل الى  اريتيريا بعثيا والى  قبرص سوريا قوميا والى  اندونيسيا والتيبت  اخونجيا ,النتيجة  كانت فشل كل هذه التصورات , ومن يفشل عمليا  يعاوض  شكليا ونظريا  بشكل يوهمه  بأنه حقق  أهدافه , وهكذا  ولدت ممارسة  التزوير, يرقصون  الدبكة   ابتهاجا بنصر  لاوجود  له .. المصفق  يصفق  لحركة الفم  دون النطق بشيئ  ,   ..ممارسة المواطنة تحولت الى  احتفالية فولوكلورية ,  المواطن الجيد  هو الدبيك  وليس العامل النشيط  والموظف الأمين والتاجر الصادق  ,وكلما ازداد البعد عن  تحقيق الحلم  ازداد التطرف في تصور  تحقيق  هذا  الحلم  …التمني   أصبح  وكـأنه  واقع  , لم ندرك حتى البسيط من الأمور  منها مثلا  موضوع العلاقة بين الفكرة والانسان , الفكرة هي لخدمة الانسان  وليس العكس ,  تحولنا  الى  خدام  للنصوص   وقد  كان  على  النصوص  خدمتنا , وما  هي قيمة جودة الفكرة  اذا  كان تحقيقها  مستحيل , من الواجب  على الانسان وضع امكانياته في المكان المنتج  ولا تجوز بعزقة الجهود في أمر عبثي  ولا يجوز  الاصرار  العدمي  على  تحقيق تطبيق  فكرة  لايمكن  تطبيقها,  جودة  الهدف  تتعلق  بامكانية  التوصل  اليه,  لذا   لايجوز  للهدف  أن  يكون طوباويا  بل  واقعيا,  هل  هدف   ازالة  اسرائيل    قابل  للتحقيق ؟ واذا   كان  الجواب  بالنفي   فلماذا   نهدر  امكانيات  عدميا  ولماذا   لانفكر   ببديل   عن  العدمية  ؟

نريد  الوصول  الى   أهداف  معينة  لايمكن   الوصول  اليها,  هل  تعررفون  بماذا ؟؟؟  بالتصميم   والارادة  والفقر والتأخر  والديكتاتورية  وحالة  الطوارئ  والمادة  الثامنة  والجهاد  والعمل  من   أجل  الجنة  والحوريات  ,  أما موضوع  التقدم    والقوة   والمناعة  والثراء  الفكري    والديموقراطية   التي  تضمن  المواطنية  فهذه     أمور   لاعلاقة  لنا  بها  ….  لقد  زورنا  حتى  التصميم  والارادة ,  هل    أردنا  حقيقة   الهزيمة  والفقر؟؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *