لمحات من التاريخ السوري

نقولا  الزهر :

اغتيال رياض الصلح والملك عبدالله
هنالك مرحلة رمادية نسبياً من التاريخ السوري الحديث وما يحيط به في جواره وعلاقاته بالإقليم، وهي تبتدئ بمرحلة حسني الزعيم وتنتهي في 8 شباط عام 1958 حينما قامت الوحدة بين سورية ومصر وفي اعتقادي من الضروري الإضاءة على هذه المرحلة التي لها دور بارز فيما نحن عليه الآن.
اغتيل رئيس الوزراء الأسبق رياض الصلح في الساعة الخامسة من مساء 16 تموز 1952 وجرى الاغتيال في الأردن بينما كان يستقل السيارة إلى المطار، بمواكبة الحراغتيال س الملكي الأردني. فهاجمت سيارة مجهولة موكبه وأطلق ركابها الرصاص عليه، فاصيب برصاصتين قاتلتين.هنا اطلق الحرس الملكي الرصاص وتمكن من احتجاز السيارة واحيلت القضية إلى التحقيق. وتبين من نتائج التحقيق التي اذاعتها إذاعة عمان آنذاك أن الشاب محمد أمين صلاح الدين وهو رقيب في الجيش الأردني أصله فلسطيني من حيفا، واللبناني من طرابس يدعى ميشيل الديك كان يقيم في درعا، هما اللذان أطلقا الرصاص على رياض الصلح وقتلا في الحادث. وقيل أن المهاجمين كانوا من الحزب السوري القومي الاجتماعي وكان يسوق السيارة سبيرو وديع الذي تمكن من الهرب. وساد الاعتقاد في تلك الفترة أن العملية تمت انتقاماً سعادة الذي أعدم بعد أن سلمه حسني الزعيم للسلطات اللبنانية وكان رياض الصلح رئيساً للوزراء. وتمَّت المحاكمة الصورية خلال 24 ساعة وبدون أي محامٍ للدفاع.
وبعد أربعة أيام على اغتيال رياض الصلح تم اغتيال الملك عبدالله ابن الحسين الأول في القدس في 20/7/1951، وقد نفذ اغتياله بينما كان يدخل إلى المسجد الأقصى ليصلي الجمعة هناك وقد فاجأه شاب مقدسي يدعى مصطفى شكري عشو فاطلق عليه النار وارداه قتيلاً . ولقد قيل أن حفيده الملك حسين ابن طلال كان بصحبته وشاهد اغتيال جده بأم عينه. ولكن المهاجم سقط برصاص الحرس الملكي الأردني. وبعد التحقيقات تبين ان القاتل كان مرسلاً من موسى الحسيني وجماعته وقد ساد اعتقاد كبير آنذاك أن موسى الحسيني كان مدفوعاً من الشيخ أمين الحسيني الذي كان يتزعم إدارة المسالة الفلسطينية آنذاك والذي كان على خلاف مع الملك عبدالله حول القضية الفلسطينية.
ساد اعتقاد في تلك الفترة أيضاً أن القوميين السوريين أيضاً كانوا وراء اغتيال الملك عبدالله بسبب تلك العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه برياض الصلح والتوافق السياسي بينهما. ويرى أكرم الحوراني في مذكراته حول هذا السياق أن من كان وراء اغتيال الملك عبدالله المخابرات البريطانية. ويعتمد في ذلك على مذكرات علي أبو نوار التي صدرت في عام 1990، يقول فيها علي أبو نوار أن موسى الحسيني طلب من قائد الحامية المعتقل فيها إخبار القاضي الذي حكم في القضية عليه وعلى أعوانه بالإعدام أنه قد قرر أن يعترف بكل شيء. فاخبر قائد الحامية الضابط البريطاني غلوب باشا بالأمر وكانت النتيجة أن أعطى الأخير أوامره بتنفيذ الحكم فوراً ونفذ الأمر في تلك الليلة.
يرى أكرم الحوراني أن الملك عبدالله أصبح في الفترة الأخيرة من حياته عبئاً على بريطانيا، وذلك حينما صار يطالب بتحقيق مشروع سورية الكبرى وهذا ما لا تريده أبداً وأن هذا المشروع الذي يطالب به الملك عبدالله يتناقض مع المصلحة البريطانية ومع الهدف الذي شكلت من أجله الكيان الأردني عام 1922. وهذا يبدو واضحاً في الحديث الذي دار في بيت أكرم الحوراني بينه وبين العقيد أديب الشيشكلي بعد زيارته للسعودية في آب عام 1951(مذكرات ج2/ ض )1387. حيث أن الشيشكلي كان مسروراً من زيارته للمملكة وقد حمل معه شيك بنصف القرض السعودي الذي كان متوقفاً بسبب سياسة حكومة خالد العظم التي كانت غالباً لا تصغي كثيراً للسياسة السعودية. وقال الشيشكلي للحوراني أنه توافق مع الأمير فيصل الذي كان وزيراً للخارجية على منع ضم الأردن للعراق بعد مقتل الملك عبدالله واتفقاً على تسهيل تنصيب الأمير طلال ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية. وهنا احتدم نقاش حاد بين الشيشكلي وأكرم الحوراني. وكانت وجهة نظر أكرم أن عدم ضم الأردن للعراق هذا ما كانت تريده بريطانيا وتدفع مقابل ذلك 25 مليون جنيه استرليني سنوياً كمساعدة للكيان الأردني. وهنا يرد الشيشكلي فيقول أن ضم الأردن للعراق يؤدي إلى أن يحيط العراق بشكل كبير على معظم الحدود السورية. وبطبيعة الحال لاتريد السعودية مثل هذه الوحدة حتى لا تنعزل السعودية عن بلاد الشام. ولم يصل النقاش بينهما إلى توافق. وفي تلك الفترة كانت هنالك مصلحة مصرية أيضاً في عدم إقامة مثل هذا الضم. وكان هنالك توافق بين الشيشكلي والملك فاروق والسعودية على هذه المسألة.
نقولا الزهر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *