فيما يتعدّى القومية والدين: من مظلومية السنة إلى “الأمة السنية”؟

 حسن منيمنة:

من العراق إلى لبنان، مروراً بسوريا، مع أصداء واضحة تصل إلى الخليج واليمن ومصر، كلام جديد تشهده الساحة الثقافية في المشرق العربي عن «مظلومية سنية». وفي حين قد يُصنّف هذا الكلام على أنه تعبئة طائفية متعمدة تؤسس للمزيد من الانقسام، يمكن الاستماع إليه على أنه نتاج شروخ طائفية تزداد اتساعاً بفعل عوامل استفزاز سابقة لاستفحاله، وقد أدّت لتوّها إلى إبطال السرديات الجامعة، سواءاً منها التي تتركز على الأوطان، أو التي تسعى إلى سياق يتجاوزها.

وإلى أن تتضح آليات انتاج هذا الخطاب في الواقع والمجتمع، فإن الطرف الأول المستفيد من حضوره هو تنظيم “الدولة الإسلامية”، وذلك من خلال نجاحه، وإن آنياً، في تمويه المظلومية ذات الطابع السياسي والاجتماعي بقناع مذهبي. ولا عزاء في التوقع شبه المؤكد بأن قدرة “تنظيم الدولة” على هذا التوظيف لها سقف غير قابل للتجاوز، للتضارب الموضوعي بين مشروع التنظيم التدميري والمطالب الحسية للمتفاعلين مع مقولة المظلومية السنية. فإلى أن ينجلي هذا التضارب، يكون “تنظيم الدولة” قد أفسد وهدّم وقتل ما لا يمكن تعويضه.

تجد الثقافة العربية نفسها اليوم إذن أمام تحدٍ جدي في ضرورة فهم ظاهرة الشروق الملتبس لمضمون خطابي يقترب في تعاطيه مع السنة على أنهم جزء من كل يتجاوز المكان في السياق المحلي وأمة على مستوى المنطقة، لا طائفة أو مذهب، وتأطيره بما يقيه شر “تنظيم الدولة” وغيره من أشكال الاستغلال. والمعضلة هي أن هذه الثقافة، والتي تهيمن عليها سرديات متضاربة في قناعاتها إنما متوافقة في أبويتها، قد لا تمتلك الأدوات لمواجهة هذا التحدي، ولا سيما أن الطرح الضمني المتنامي لشبه الأمة السنية يطعن بجوهر كل من السرديتين الأكثر استتباباً، أي السردية الإسلامية القائمة على الدين، والسردية العروبية القائمة على القومية.

فالأمة السنية، إن اتضح خطابها، يتجلى قيامها على الانتماء لا العقيدة، فتنافس العروبة التي تتطابق معها في معظم امتدادها، وإن بقيت منفتحة على ما حاولت العروبة التمايز عنه من قوميات أخرى، ولا سيما التركية، فيما هي تعمد إلى تفعيل الفرز العامودي محلياً مع سائر المكونات الوطنية. وهي في الآن نفسه تشكل نقضاً للسردية الإسلامية التي قامت على أشلاء هزائم العروبة، إنما عجزت عن التعبئة لمشروعها الشمولي المبتعد عن المطالب الحسية لقاعدتها الجماهيرية.

وعلى الرغم من تعدد عوامل نشأة الطرح الذي يقترب بالجمهور السني في عموم المنطقة من صفة الأمة، فإن السير باتجاه الاتضاح جاء في أعقاب اندلاع انتفاضات «الربيع العربي». ولم تكن هذه الانتفاضات التي تتالت في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا والعراق عام ٢٠١١ ذات طابع فئوي ضمني أو علني (باستثناء العراق)، ولكن فشلها أو إفشالها دفعها باتجاه هذا الطابع، طوعاً وكراهية. يذكر هنا مجموع القراءات في أوساط الجهاديين، التكفيريين منهم وغير التكفيريين، إزاء هذه الانتفاضات. فالتكفيريون استهجنوها لمضمونها المطلبي غير الديني، رافضين تصنيف المنتفضين مسلمين إذ هم قاموا لمصالحهم ولم يقوموا من أجل الشريعة، فيما أقرّ غير التكفيريين بأن الانتفاضات تكشف عن عدم التوافق بين مطالب الجماهير السنية والطروحات العقائدية الجهادية، مستفيدين من التجربة للشروع بمنهج «أنصار الشريعة» لتوجيه المجتمع السني نحو العقدنة. وتأثير القراءة التكفيرية واضح اليوم في سلوك تنظيم الدولة، رغم محاولات التعمية، فيما المراجعة غير التكفيرية تطبع توجه تنظيم “القاعدة” والمنظمات التابعة له. وهذه وتلك تسعى إلى وضع الشريعة، لا المطالب الحسية، في صدر الاهتمام السني.

وفي حين سرت توقعات بأن يكون “الإخوان المسلمون” الأوفر حظاً لتعبير وسطي يوافق بين الحسية والعقائدية في مصر ويحضن المطلبية السنية خارجها، فإن قصور هذا التنظيم في الفكر التنظيري السياسي والاقتصادي والاجتماعي والدولي، قد جعل من صدارته فرصة للارتباك والسقوط وإتاحة المجال، إلى حد يشابه الدعوة المفتوحة، للثورة المضادة.

وإذا كان فشل “الإخوان المسلمين” أقرب ما يكون إلى الإفشال الذاتي، فإن ذلك على خلاف ما جرى في العراق تحديداً. فـ «الثورة العراقية الكبرى» كانت انتفاضة أدرجت نفسها في سياق «الربيع العربي»، إنما بعد أن أعادة تسميته جهاراً «ربيعاً سنياً». وكانت هذه التسمية متداولة لتوّها في سوريا وغيرها، إنما بتحفظ. وقد أرادت أوساط عراقية سنية واسعة التعبير المطلبي الموضوعي من خلالها عن مظلومية صريحة. إلا أن تفاعل الحكومة العراقية معها كان قمعياً. فالعراق اليوم يرى بدلاً من الفعل المطلبي خلافة إسلامية مزعومة تعلن رغبتها بذبح الشيعة «بعوامهم ومعمميهم». والانتقال من ذاك إلى هذا لم يكن تلقائياً بفعل الطائفية الراسخة في الوسط السني كما يزعم من أيّد القمع الحكومي للانتفاضة، بل أن فرصة استقطاب العراقيين السنة قد أسقطت بما يقارب العمد، فأتيح المجال أمام مشروع قاتل للتحكم بمصائر عديدهم.

المنطقة إذن أمام حالة ابتدأت انتفاضات أكثر المشاركين بها من السنة، إنما دون تجانس في سنيتهم، أي منهم الإسلامي ومنهم المتدين ومنهم العلماني، ثم انحدرت لتصبح حراكاً فئويا طائفياً للسنة، قبل أن تتهاوى باتجاه ترسخها أمة سنية ملتبسة في مظلوميتها وعرضة للتوظيف.

والمظلومية السنية إذ تتجلى بالدرجة الأولى في وجه ظالمية شيعية مفترضة في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحديداً، فهي في عموم المنطقة العربية من خلال الخوف من التشييع والتغلغل الإيراني. وإن شطح بعض الساعين إلى قراءة أبعادها التاريخية، فإنها لا تعود إلى عداوة بين بني هاشم وبني أمية أو غير ذلك من التصورات المتكلفة، ولا إلى خلاف حول البداء والإمامة وغيرها من المسائل العقدية التي تغيب عن المتداول. ورغم دخول السلفية أولاً ثم الجهادية على خط هذه المظلومية، وتقريرها أن سبب التراجع هو تغييب الشريعة والتهاون مع الرافضة، فإنها تبقى لدى معظم جمهورها عائدة إلى استهداف الفرد والجماعة بالقمع والإذلال، وليس استعداء الشرع والدين. فما يتيح زعم التطابق بين هذا وذاك هو غياب الطرح السياسي القادر على الاستقطاب باتجاه التوافق بين المصلحة والخطاب من جهة، وتجنب استفحال التعليب الطائفي الذي يلجأ إلى تفسيرات فئوية لانعدام تحقق المصلحة من جهة أخرى.

ولتبيان دقائق هذا التعليب الدافع لمقولة «الأمة السنية» باتجاه التحقق والوضوح، لا بد من النظر إلى مسألتين في عمق الموضوع الطائفي، والذي يبقى من المحظورات على أكثر من صعيد في الخطاب السياسي والثقافة في العالم العربي: المسألة الأولى هي التمييز بين الطائفية والمذهبية، والمسألة الثانية هي المقارنة والمعارضة بين الطروحات الأكثروية والأقلوية.

فإذا كانت المجتمعات العربية، شأنها كشأن غيرها، مبنية على التجاذب بين إشهار الهوية الجامعة وتعزيزها، وإدارة الهويات الفئوية واحتوائها، فإن فشل الدولة والثقافة في العالم العربي في تعزيز الجامع قد جعل من هذا الجامع غشاءاً هشاً يكاد أن يعجز عن التستير عن الفئوي المتناثر. والفئوية الأولى التي يعاني منها العالم العربي، ولا سيما في شقّه المشرقي، هي الطائفية. غير أن طائفية هذا المشرق العربي قد طرأ عليها تبدل هام إذ بدأت تجنح نحو المذهبية.

والطائفية هي العصبية القائمة على الهوية الدينية، دون أن تشترط التديّن، كما أن التديّن قد لا يقتضي العصبية (إلا في القراءات السلفية للولاء والبراء طبعاً). فالطائفي هو من يتمسك بجماعته ويطعن بغيرها لاعتبارات متفاوتة تبدو في معظمها عرضية وطارئة، وإن شملت إسقاط المعتقد لدى الطوائف الأخرى. أما المذهبية، فهي العصبية المبنية على العقيدة الدينية، أي عصبية القناعة لا عصبية الدم، فحدود الجماعة ليست الطائفة إذ يُخرج منها من لم يلتزم المذهب، والطعن بالآخر يقوم أساساً على اختلاف المعتقد. فالتنافر السني الشيعي في المنطقة العربية كان بالأمس طائفياً ومنخفض الوتيرة، وأصبح اليوم في الكثير من ظهوره الخطابي مذهبياً ومرتفع النبرة.

وفي حين يمكن استشفاف أصول المذهبية في السردية الإسلامية، والتي تفرز الطوائف غير الإسلامية تلقائياً خارج إطار الهوية الجامعة وتحضّر بالتالي شاءت أم أبت للتقطيع المذهبي، فإن هذه السردية، وفق تعبير معظم منظرّيها في الدور الأول، أشهرت رفضها للطائفية والمذهبية على حد سواء، داعية إلى وحدة إسلامية. ولكن هذه الدعوة، وإن صفت النوايا، غير متجانسة مع الطبيعة القطعية للتأصيل الديني للمجتمع والسياسة. أي أن السردية الإسلامية، حتى حين استصرخت الوحدة بين المذاهب، عجزت أن تنتج صيغة متآلفة لمذهب أهل السنة والجماعة ومذهب شيعة أهل البيت، بل مع الجنوح إلى التطابق بين الإسلامية والسلفية يتضح عجزها في انتاج صيغة جامعة لمذاهب أهل السنة، فيجري اعتماد السلفية تحت شعار السنة وتطلق صفات المبتدعة والقبورية والمرجئة والجامية والجهمية والمعتزلة على المخالفين.

ولكن افتراض حسن النوايا ليس مستقراً لدى الأطراف المختلفة. فتنتشر في الأوساط السنية، الإسلامية منها وغير المسيسة إسلامياً، القناعة أن الطرح الإسلامي الشيعي الإيراني الجامع غير صادق، يدعو إلى الوحدة الإسلامية في العلن، فيما يسعى إلى تأجيج العصبية الشيعية في السر لأغراض التعبئة. ففيما الكلام كان مستمراً عن التقريب بين المذاهب، إذ بالتشكيلات المسلحة الشيعية تفرض نفسها في أكثر من موقع، وإذ بمراكز الدعوة الشيعية والاستبصار تنتشر في الأوساط السنية. ولهذا التصوير مقابل مكافئ من الجانب الشيعي، مع انتشار التعبئة السلفية في بعض الأوساط السنية، والطعن الممنهج بطرق التعبد والمقدسات الشيعية.

وفي التوازي مع هذا الاحتدام المذهبي في الوسطين الطائفيين السني والشيعي، يتشكل، وإن بقدر أعلى من الدقة والتعمية، تجاذب آخر بين طروحات أكثروية وأخرى أقلوية تجد تعبيرات مختلفة لها في أكثر من مجتمع عربي.

والطرح الأكثروي هو القائل أن الأكثرية، وهي هنا الجماعة الغالبة لا أكثرية الرأي السياسي، هي صاحبة الحق في السيادة على الدولة والموارد، وهذا الحق إما يجري تجاوزه وإنكاره تحت مسميات كاذبة، كالوطنية والقومية، أو هو عرضة للمكائد بهدف تبديده، والجاني في الحالتين هو الأقلية في الداخل المتآمرة مع العدو في الخارج.

ونماذج الطروحات الأكثروية تكاد أن تتواجد في كل مجتمع عربي. فلا يعكّر صفو الطرح الأكثروي لدى العديد من المعارضين السوريين مثلاً ألا يتطابق النظام مع الطائفة العلوية، فلا هو نجح بتوظيفها بأكملها ولا هو حتماً اقتصر عليها، فيصرّون على وسم النظام بالنصيري وعلى التأكيد على مظلومية السنة دون غيرهم. ولا تنحصر الأكثروية بالخطابيات السنية، كما يظهر في العراق مثلاً، إذ امتلأت بغداد في أعقاب سقوط نظام البعث عام ٢٠٠٣ بشعارات «نحن الأكثرية ولن نرضى بحكم الأقلية بعد اليوم»، والأكثرية هنا هي طبعاً الشيعة كجماعة مؤحّدة. وحتى في مصر، حيث التضييق على الأقلية القبطية يقصيها عن أي موقع سلطة، فإن الطرح الأكثروي يرى في هيمنة مفترضة للمصريين الأقباط على الاقتصاد ما يستدعي الكلام عن مظلومية للمسلمين.

وفي مقابل الأكثروية، فإن الطرح الأقلوي يرى أن الأقلية في المجتمعات العربية هي صاحبة الإنجاز والرقي، فيما الأكثرية غارقة في التخلف والتوحش، فالتمايز بين الأكثرية والأقلية ينتقل من الكمية إلى النوعية. «لنا الحكم ولهم اللطم» شعار أقلوي رُفع باسم العراقيين السنة فوق مواطنيهم الشيعة في زمن فائت، فيما لا يجد مؤيدو التيار الوطني الحر، أحد الفصائل المسيحية في لبنان، حرجاً في وسم خصومهم من تيار مدني يغلب عليه السنة بـ «الدواعش»،، لترسيخ معادلة الحضارة والتوحش ضمن طرح أقلوي صريح.

وطبيعة الثقافة السياسية في العالم العربي قبل الانفتاح الإعلامي الذي صاحب انتشار تقنيات المعلومات في تسعينات القرن الماضي، كانت في محافظة متشددة على الفصل بين العام، حيث المجال متاح للطروحات الجامعة، والخاص، المحصور والمستتر، حيث يجوز التعبير عن الفئويات. إلا أن هذا الانضباط قد زال اليوم تماماً مع تفشي الفضائيات المناصرة علناً للسجال المذهبي، ومع تعميم استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيجها للتناحر والتفاخر الطائفيين.

وقد تزامن هذا التمكين الخطابي مع تآكل الأسس الموضوعية للصيغ الخطابية الجامعة على المستوى الوطني، وذلك مع انتقال النخب الحاكمة في العديد من الدول العربية، ولا سيما الجمهوريات، من التمويه في استغلالها للموارد إلى استدعاء سلوكيات ملكية فظّة، ولا سيما من خلال السعي إلى توريث الحكم للأبناء (وهو ما حصل فعلاً في سوريا، وكاد أن يحصل في العراق ومصر واليمن وليبيا). وتلاشي الخطاب الوطني الجامع في هذه الدول جاء ليترك فراغاً هاماً، ولا سيما أنه كان في أعقاب أفول الخطاب الجامع للسردية الكبرى التي شغلت الحيز الزمني الأطول في القرن العشرين، أي القومية العربية. وكان احتلال النظام العراقي للكويت عام ١٩٩٠ بمثابة الضربة القاضية لهذه السردية، دون أن تتمكن السردية الإسلامية التي خلفتها من الارتقاء إلى ما يتجاوز خطاب الرفض.

فعلى الرغم من النفوذ الخطابي للسردية الإسلامية، فإن قدرتها على الأداء والانتاج كانت محدودة. وأعوامها الطويلة في محاولات الاستجداء الشعبوي لم تنتج حراكاً يقترب من ذاك الذي صدر عفوياً يوم أضرم محمد البوعزيزي النار بنفسه احتجاجاً في أواخر ٢٠١٠. ولم تحقق محاولات التجيير والتوظيف الفوقيين، والتي أقدمت عليها التوجهات الإسلامية المختلفة لاستقطاب القاعدة الجماهيرية السنية إلا قدراً مبهماً من النجاح، ولكنها أضرّت بالخطاب السياسي السني وضعضعته باتجاه الأكثروية الصريحة، بعد أن كان التعبير الأكثروي محصوراً بالفضاء الخاص، وألبسته ثوباً مذهبياً، وإن كان هذا الثوب عرضياً في أصوله، قابل للتبديل.

وقد غذّى الجنوح نحو الأكثروية الصريحة بروز صيغة جديدة من الأقلوية الجامعة، أي التي لا تقتصر على تعظيم موقع طائفة محددة، بل تضع جميع الأقليات على مستوى المنطقة في كفة لتفاضلهم على الأكثرية، أي السنة. وهذه الصيغة السجالية قد طرحت بالتباس، كتحالف للأقليات، في إطار المسعى التعبوي لجهات منضوية في إطار الجهد الإيراني إلى النفوذ في المنطقة، رغم إضرارها بجوانب من هذا السعي.

والسمات الأكثروية والمذهبية للخطاب المتشكل باتجاه أمة سنية سابقة لمشروع النفوذ الإيراني في المنطقة. بل يمكن العودة بها في صيغتها المعماة إلى ما قبل قرن السرديات الكبرى، أي القرن العشرين. إلا أن تعاظمها وبروزها ضمن الخطاب السني اليوم مرتبط بوضوح بردود الفعل على المشروع الإيراني، وإن كان هذا التعاظم بدوره يؤدي إلى الإضرار بالخطاب المتشكل وبعثرته في اتجاهات يفقد فيها قدرته على التعبير عن مصالح قاعدته.

وثمة إيجابية في هذا الالتباس إذ يشير إلى أن المجال أمام بروز صيغة للارتقاء بالخطاب السياسي في المنطقة العربية إلى ما يتجاوز الطروحات الطائفية لم ينعدم، وذلك لاستمرار الحاجة الموضوعية له، وإن ازداد صعوبة بعد اكتواء الأوساط السنية بخيبات أمل استنزافية.

فالأمة السنية بصيغتها العصبية الإقصائية ليست حتمية تاريخية، ولا هي ثابتة المعالم، وإمكانية معالجة الجموح المستهلك لمصالح جمهورها من خلال إخماد الأكثروية التي تعتريها ومعالجة مرض المذهبية الذي يسعى البعض إلى تأصيله فيها قائمة بحكم واقع هذا الجمهور.

وإذ كان تحقيق هذه الإمكانية الإيجابية يتطلب بروز الخطاب القادر على التأطير البناء الذي يقرّ بمواقع جمهور هذه الأمة الملتبسة اليوم، فإنه كذلك يقتضي معالجة موطن الاستفزاز الأول الذي ساهم إلى حد كبير في الدفع باتجاه المذهبية والأكثروية، أي الدور الإيراني في المنطقة العربية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *