الصورة التي لايمكن تصورها !!
ممدوح بيطار:
الصورة المعبرة والمؤثرة كانت لسيدات ارمنيات عاريات كل منهن تحمل طفلا في طريقهم الى الصلب حتى الموت , صورة أخرى تظهر المصلوبات ,وكل ذلك كان ممارسة راح ضحيتها ملايين من أرمن دولة الخلافة الاسلامية العثمانية , منهم لم يبق على قيد الحياة في تركيا تقريبا الا صحفي(هرانت دينك) وقد قاموا باغتياله قبل ٤سنوات …هنا لابد من التأكيد على أنه لاعلاقة لدولة أتاتورك التي فصلت الدين عن الدولة بدولة الخلافة الاسلامية التي حكمت دينيا , كما أنه لابد من التنويه الى مفارقة بربرية الحكم مع طول حياة هذا الحكم … حياة الخلافة طالت الى أربعة قرون تقريبا , ليس لكونها جيدة وانما على الأرجح لتغطيتها اسلاميا !.
مئة عام بعد مقتلة الأرمن , التي اخترعت دولة الخلافة لتنفيذها العديد من الاختراعات ..من الخازوق الى الصلب الى الذبح الى السير على الأقدام في الصحراء حيث لاتتوقف المسيرة الا بتوقف قلب آخر من سار قسرا,نجد أنفسنا في حالة لها مع حالة ١٩١٥ العديد من أوجه الشبه والقواسم المشتركة , أهم تلك القواسم المشتركة هي فاعلية الخلفية المذهبية , التي دفعت فئات عديدة من هذه الشعوب ومن حكام هذه الشعوب الى ممارسة العنف المؤسس على عنصرية دينية تكفر وتخون وتمارس الاقصاء والفوقية والهيمنة والاستعلاء والماضوية السلفية .
لايشك عاقل بأن نموزج ابادة الأرمن قبل مئة عام كان نموزجا جماعيا , لاتبرير له الا من وجهة نظر بربرية , وكل عاقل يشك بموضوع تلفيقة الخيانة الجماعية والعمل لصالح الأمبراطورية الروسية, هذا لاينفي خيانة البعض كما هو حال كل مجتمعات الكرة الأرضية , والخائن يحاكم ويحكم , الا أن ابادة الجميع بمختلف طرق الابادة البدائية هو بحد ذاته جرم قبيح لاتعليل ولا تبرير له حتى بين الحيوانات.
يطالب الأرمن بحق بالاعتراف بجريمة الابادة الجماعية استنادا على قانون منع الابادة الجماعية الذي أقرته الأمم المتحدة عام ١٩٥١, ويطالبون أيضا بحق بحقوقهم التاريخية ضمن الدولة التركية مثلا أرمينيا الغربية وجبل أرارات , والتزاما بالحقيقة يجب القول على أن الرئيس اردوغان كان من أكثر الرؤساء الأتراك فهما للاشكالية , فهو الذي عرض على الرئيس الأرميني السابق روبرت كوتشاريان عام ٢٠٠٥ فتح الأرشيف العثماني خدمة لمساعي التوصل الى الحقيقة , وهو الذي اسهم بعقد اتفاقية زوريخ عام ٢٠٠٩ , والتي كادت تنهي الخلاف , والتي قدم اردوغان في سياقها مايشبه الاعتذار عن المقتلة , الا أن نتائج كل ذلك لم تكن بالشكل المطلوب , فتركيا ترفض الحقوق التاريخية للأرمن بأرمينيا الغربية وأرارات , وتركيا ملزمة بالدفاع عن حليف تاريخي هو ازربيجان الذي يتواجد في حالة حرب مع دولة أرمينيا.
من الملاحظ بأن اردوغان غير قادر على حل المشاكل التي سببتها الخلافة الاسلامية العثمانية , اذ أن اجرام هذه الدولة لم يقتصر على الأرمن , والمطالبة بالحقوق التاريخية لاتقتصر على الأرمن وقضيتهم السياسية والانسانية لاغبار عليها , هناك العديد من المتضررين من الخلافة مثل الآشوريين والسريان والكلدان واليونان والأكراد وغيرهم , وللجميع حقوق تاريخية اغتصبتها الخلافة الاسلامية العثمانية , فشل الخلافة في ادارة الدولة أمر متوقع , الا أن حجم الاشكاليات الموروثة عن الخلافة والتي على دولة أتاتورك حلها فقد فاق كل توقع .
الأمر بالنسبة لتركيا شديد الأهمية خاصة مستقبلا , اعطاء الحقوق لأصحابها يعني زلزلة الدولة التركية بشكل قد يعني القضاء عليها , ثم انه هناك من يجتهد ويقول بأنه لاعلاقة لدولة أتاتورك بدولة الخلفاء السلاطين ولا يمكن لدولة أتاتورك اصلاح كل ما أفسده الخلفاء ,لذلك يجب وضع حل أكثر انصافا للجميع وأقل اجحافا بالجميع , حل ينصف ولا يجحف !!!, ومن هو ذلك المقتدر على صياغة حلول من هدا النوع ؟؟.
الوصول الى حل ولو كان جزئي وبه بعض الاجحاف هو بالدرجة الأولى من مصلحة الطرف الأرمني , اللاحل المترافق مع التزامن لقرن آخر على الأقل سيخضع الى عامل الاعتياد وبالتالي الى استيلاء الأمر الواقع على مجمل القضية , ولنا في القضية الفلسطينية خير مثال على ذلك !
لامثيل للخراب الذي الحقته الخلافة الاسلامية بالشعب التركي وبقية الشعوب خاصة الشعب السوري …أربعة قرون من الاستعمار المتوحش والتجهيل المتعمد , امبراطورية مجرمة وضعت الشعوب في حالة سبات , وعندما استيقظت الشعوب وجدت نفسها متأخرة عن المستوى العالمي على الأقل أربعة قرون, واجب كل منا أن يسأل لماذا طالت فترة الاستعمار بهذا الشكل المريع ؟؟ هنا يمكن القول باختصار شديد على أن تغطية الحالة الاستعمارية وشرعنتها تمت على يد الاسلام الذي خدر الشعوب , ولحد الآن هناك من يعتبر نهاية الخلافة العثمانية نكسة , وهناك من يريد اعادة انتاج هذه الخلافة …سبحانه !!! ان له في خلقه الكثير من الشجون !!!!
Post Views: 328