عباس بيضون:
نابالم وبراميل ..الفنان نذير نبعة !,
مَنْ هو الوطني، لعل الجواب يقتضي السؤال المعاكس مَن هو غير الوطني. ثم إن المسألة ليست هي عند الشعوب كلها وفي اللغات كلها والتواريخ كلها. في ألمانيا التي لا تزال مثقلة الضمير بالتاريخ النازي، لا تستطيع أن تمتدح شخصاً بوطنيته، على الأغلب سيحملها محمل التهمة. إن كان مثقفاً فلن يعتبرها غير ذلك، لن تكون بالنسبة له سوى شبهة نازية، فالحزب الوطني الاشتراكي وصليبه المعقوف هما اللذان يتراءيان للألماني إذا ذكرت الوطنية، ليست بالنسبة له سوى وصمة. ليس الغازي الأميركي عدواً. يتحدثون في ألمانيا بفخر عما فعلته أميركا لفرنكفورت وعما فعلته لألمانيا، الأدب الأميركي هو المفضَّل عندهم وهو طبعاً مفضَّل على الأدب الألماني المعاصر. في فرنسا ليست الوطنية وصمة وهي متضمنة في خطابات بعض الرؤساء، على الأرجح كانت وطنية ديغول ميزته، إلا اننا اليوم لا نجد الوطنية الفرنسية جهراً إلا عند لوبان ولا نجد الوطنية تلحق إلا باليمين المتطرف ولا يمكن بسهولة فصلها عن العنصرية، فالأغلب أنها موصومة بها وليست فوبيا الإسلام وفوبيا العرب بعيدة عنها، وليس تقدم الحزب اللوباني إلا دليلاً على قوة هذه الفوبيا وازدهارها.
لا نستطيع أن نضع الوطنيات العربية في المقام نفسه، فالأرجح أن هذه الوطنيات نشأت في ظل الصراع مع الاستعمار. وعندما يُسمّى الشخص وطنياً كوسام على نضاله ضد المستعمر، وعندما يطلق عليه الوطني الكبير فلأن الوطنية صفة لها مقياس ومعيار وتعريف بالتالي. الوطني الكبير في هذه الحال هو الذي أمضى جزءاً من حياته في التحريض والتعبئة ضد الاستعمار وربما في القتال الحقيقي، فأشخاص كإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش هم الذين واجهوا الاستعمار حتى بالسلاح. كانت صفة الوطنية في يوم مديحاً له معناه ودلالته ويشير فوراً إلى مقابل موصوف، وسقوط فلسطين جعل من الوطنية علماً على السياسة، فلا تقاس السياسة ولا تُقيّم إلا بإزاء هذه النكبة. كانت الوطنية لذلك هي الوقوف ضد الحكومات ما بعد الكولونيالية والتي تمخّضت من الكولونيالية نفسها، وكانت الوطنية هي الصراع ضد الغرب لمسؤوليته عن ضياع فلسطين، وضد الحكومات والجماعات المرتبطة به. هكذا صارت الوطنية هي المسألة، وهكذا صارت الوطنية، وما تستتبعه من استقلال وطني ودولة وجيش للاستقلال، هي المحور، ولم تعُد السياسة تدور حول شيء كما تدور حول الوطنية. أصبحت صفة الوطني والوطنية علماً على أشخاص وحركات وأحزاب متعددة المصادر والايديولوجيات، وأصبحت هكذا مقياساً للفرز والتصنيف، فالوطنية مأثرة وليس الناس وطنيين إلا باكتسابهم لها. إنها رديف النضال ورديف التصدي، ورديف المواجهة، وهذه صفات لا تجري على الجميع ولا يتساوى فيها الناس ولا تصح عليهم جميعاً. لذا يتمايز فيها الناس ويتفاضلون، ويصح لذلك أن نسمّي أشخاصاً وطنيين ووطنيين كباراً كميزة تلحق بأشخاص ولا تلحق بغيرهم، بدون أن يكون ذلك وصمة أو تهمة.
هكذا يكون للوطنية مقياس هو النضال ضد الغرب وبالطبع ضد إسرائيل، لكن ماذا يكون غير المناضلين، هل نعتبرهم غير وطنيين وهل نصمهم باللاوطنية، رغم أننا لم نفتّش عما وراء قلوبهم ولم نسألهم عن آرائهم. كل ما في الأمر أنهم لم يتفرّغوا للقضية الكبرى ولم يجعلوا منها محور حياتهم ولم يخرجوا إلى النضال العملي. لن نعتبرها بالطبع وصمة، فالوطنية ليست شيئاً يتساوى فيه الجميع، إنها امتياز ومَن لم يحُزْه فليس موصوماً ولا متهماً، لا شيء سوى أنه لم يحز وسام الوطنية ولم يدع الوطني.
لكن مع ذلك تستمر الوطنية على هذا النحو هي جوهر خطابنا السياسي، تتغيّر الظروف وتطرأ مع الوقت قضايا محلية لا تتصل مباشرة بالخارج، قضايا مطلبية وقضايا اقتصادية وقضايا سياسية تتعلّق بنظام الحكم، كما تطرأ حروب أهلية تقسم البلاد وتتواجه فيها أعراق وطوائف وجماعات، فأين تكون الوطنية في كل ذلك، ومن هو الوطني ومَن هو غير الوطني، عندئذ تغدو الوطنية سلاحاً ترفعه جماعة على جماعة وطائفة على طائفة ومنطقة على منطقة، عند ذلك تتولد وطنيات بغير المعنى الأول، إنها وطنيات محلية وبلدية وطوائفية وشعوبية. إنها عصبيات فحسب وهذه يتساوى فيها الجميع بل إن المساواة شرطها، بل إن الكتلة المتراصة بجامعها السلبي الذي هو في الغالب العصبية المواجهة هي الأساس، والتعاضد والاجتماع على الخير والشر هما بوابة هذه النعرة القبلية التي تتلبّس الوطنية.
السؤال يبقى مَن هو الوطني. هل الوطنية امتياز أم مكافأة أم وسام على صدر المناضل. هل الوطنية مسايرة النظام والنعرات، هل هي التغني بجمال الوطن وجيشه ورئيسه، هل هي دعم الفريق الرياضي المحلي، هل هي التوجس من الأجانب وكراهية الغرباء، هل هي العقيدة المتسلسلة التي تعيِّن الغرض والهدف والاستراتيجيا والأعداء والأصدقاء، هل هي مجرد كلمة، صنم لفظي له مكانه في التوتولوجيا والببغاوية. هل هي العصيبة التي تقوم مقام القرابة والرحمية والنسب.
مَن هو الوطني. أليست الوطنية من أكثر مفرداتنا تواتراً، وهي ربما لتكرارها صارت ضبابية وغَلُب جرسها على غرضها. هل هي لغة أو طبقة أو طائفة أو جماعة، هل هي اختصاص بحيث تشمل نخبة وسواها غير وطنيين. هل يحتاج المرء ليكون وطنياً إلى أكثر من الانتساب إلى وطن، ألا يكفي هذا الفعل البسيط ليكون وطنياً وإلا فماذا يكون. هل الوطني بفكره وعقيدته وجماعته، هل للوطنية على هذا النحو مقياس ومعيار. وإلا فمن هو غير الوطني، هل هو غير العميل والجاسوس والمبيع والمرتهَن لبلد آخر. هنا تتضح المسائل ولا تتضح. فثمة حلفاء وثمة أعداء وهذه يتفق عليها الناس ويختلفون وثمة بلدان هي مُثُل في نظر البعض، وفيها صلاح الإنسانية وخيرها، ونماذج للحق والعدل، وهذه أيضاً يتفق عليها الناس ويختلفون، المسألة إذاً ليست هيّنة ولا بديهية وما أسهل الرجوع فيها إلى نقطة الصفر، ورغم ما استهلكناه من ألفاظ الوطني والوطنية. يبقى السؤال معلقاً: ما هي الوطنية ومَن هو الوطني؟
لاتحتاج الوطنية الى أكثر من مواطن , ولا يحتاج المواطن الى أكثر وثائق تثبت انتمائه الى الوطن السوري , حتى ولو كان مولودا في مكان آخر , ولا أعرف ضرورة اضافية لكي يكون هذا الانسان وطني مهما كانت مواقفه السياسية او الاجتماعية ومهما كانت مسلكيته على شرط ان لاتكون مخالفة للقانون . ابتدع البعض عمدا ضرورة اضافة خصائص اخرى للمواطن والمواطنية بقصد استخدام هذه الخصائص في عمليات المفاضلة لتبرير ممارسة عدم المساواة ثم لابتزاز الناس طورا وترهيبهم تارة , سوريا لمن يدافع عنها !!! والمقصود هنا سوريا لمن يدافع عن الأسد وبهذه الطريقة تم مسخ سوريا وتضخيم الأسد وبذلك حول الانسان الذي يدعي ذلك نفسه الى لامواطن ولا يمكن لللامواطن أن يكون وطني , اللامواطن هو الذي يدعي على أنه ينتمي الى شيئ آخر أولا فالذي يؤمن بشعار الأسد أو نحرق البلد هو لامواطن لأنه اعتبر الأسد أهم من سوريا , انه أسدي والمواطن في سوريا هو سوري , وأظن على أنه يوجد فرق كبير بين الانتماء الى شخص وبين الانتماء الى أرض +شعب+ قانون أي دولة , هناك الجيش السوري , وهناك كتائب الأسد وليس من الضروري والحتمي وجود علاقة ايجابية بين كتائب الأسد والجيش السوري , وحتى أنه يمكن لهذه العلاقة أن تكون عدائية , كل من يضع أي شيئ ان كان مبدأ أو شخص أو حالة أمام سوريا هو شخص ليس سوري المواطنة , قد يكون كربلائي أو حسيني أو زينبي أو سني , على فكرة من يقول على أنه شيعي أولا كما قال رئيس وزراء العراق السابق المالكي هو شخص فقد الانتماء الوطني (العراق) ومن فقد الانتماء الوطني فقد تباعا لذلك المواطنة , انه مواطن شيعي أرضه وبلاده وشعبه هي الشيعية وحدود بلاده ليست جغرافية وانما عقائدية كما هو الحال عند داعش , فليس لداعش حدود جغرافية وانما حدود اسلامية عقيدية والأمر كذلك بما يخص ولاية الفقيه .
قد يكون في هذه النظرة بعض المبالغة , اذ أنه في المجتمع القبلي أو الطائفي لاتوجد أصلا دولة وانما في أحسن الأحوال مشروع دولة , والتحول الى دولة ينفي بقاء المجتمع عشائري أو طائفي , الدولة السورية هي دولة المجتمع السوري وليست دولة طائفة أو عائلة , مجتمع الطوائف والعشائر والعائلات هو مجتمع ماقبل الدولة , الذي قد يتطور الى دولة وقد يندثر في النهاية عندما يتطور تأخريا , من مشروع الدولة أي ماقبل الدولة الى تحقيق الدولة أو الى مجموعات العائلات والعشائر والطوائف التي لاتعيش مع بعضها البعض ضمن عقد اجتماعي وانما الى جانب بعضها البعض عادة في حروب وخلافات لانهاية لها