مع الثورة ان تأسلمت أو لم تتأسلم !
بقلم :نبيهة حنا :
في لقاء صحفي قال أدونيس على أنه ليس ضد الثورة بحد ذاتها , وانما ضد الأساليب التي تستخدمها للوصول الى أهدافها , وبذلك خلق أدونيس لنفسه اشكالية صعبة الحل , اذ أنه يحمل الثورة مسؤولية ماهو غير مسؤولة عنه , وتاريخ الثورات في العالم من الثورة الفرنسية الى الثورة الصينية الى الروسية الى التونسية أو المصرية أو الليبية وغيرهم يرينا أساليب وممارسات لانرض عنها بشكل مجرد , ليست ماخيافيلية الممارسة هدفا , انما تتطور الأمور أحيانا بشكل يستلزم بعض أو الكثير من الماخيافيلية , والأمور تطورت في سوريا بشكل دفع مفكر كصادق جلال العظم للقول على أنه مع الثورة حتى ولو تأسلمت , والثورة تأسلمت حقيقة وتعنغت حقيقة واغتالت حقيقة , ومن الثوار من هو مجرم أو لص أوكاذب أو أناني أو خائن , وحتى هؤلاء الحثالة يستحقون “صفة” الثائر , ذلك لأنه لاعلاقة لتعريف الحراك بأنه ثورة مع خواص الثائر وصفاته وأخلاقيته وأساليبه , تعريف الحراك بأنه ثورة يعود الى الوضع الذي يريد الحراك معالجته , وعنما يستعصي الوضع على الاصلاح ويتعفن ويصبح في عداد الأموات سياسيا وأخلاقيا تصبح ازالته جذريا أمرا لامفر منه , والازالة الجذرية هي التي تعطي الحراك صفة الثورة وتعطي المعارض صفة الثائر.!.
نعم لقد أطلق ثوار الرصاص على قوى الأمن , وقد يكون شعار علوية ع التابوت ومسيحية ع بيروت حقيقة (في حمص) , نعم أيضا قد تكون هناك مؤامرة , وهناك من قال ” وليمسحوا درعا عن الخريطة , وهناك من قال لنحذف أوروبا أيضا من الخريطة , وهناك من عناصر الأمن والشرطة والشبيحة من قتل الأطفال وعذب وسرق واختطف وابتز , وهناك أيضا مقابر جماعية ومسلحون ودفاع وطني وفرق أبو الفضل العباس والنصرة وحزب الله وأموال تأتي من الخارج حيث تجد جيوبا مفتوحة من المؤيد والمعارض , كل ذلك موجود , ومسقتبلا سنكتشف ماهو أفدح وأعظم , لقد أصبحنا جميعا كفرة وخونة وعملاء وجواسيس , منا المندس ومنا الوحش الشرس وكلنا طائفيون سنة وشيعة , كلنا تقدميون وكلنا رجعيون , كلنا اما خمينيين على المنوال الوهابي أو وهابيين على المنوال الخميني , ولا تتسع الصفحات لتعداد المثالب واليسير من المناقب , الا انه يجب علينا بالنهاية أن نكون ثوريين دون التأكد من الوضع الذي ستؤول اليه الثورة , فالوضع الذي نحن به الآن هو وضع يتميز باستحالة الاستمرار به , ولمن يستطيع تحمل صدمة الواقع يجب القول على أن انهيار النظام الذي عمر نصف قرن سوف لن يقلب الأمور فورا رأسا على عقب, فهناك جروح يجب أن تلتئم وهناك تراث يجب أن يندثر وتربية يجب أن تستقيم ومحاسبات يجب أن تجري , وثمن للتقاعس يجب أن يدفع , لقد خلق الأسد في نصف قرن الظروف المثالية للتعصب والعنف , وبعد انهيار الأسدية يجب خلق الظروف المثالية للمواطنة والمسالمة ..انها ورشة عمل عملاقة لابديل لها , كما أنه لابديل لازالة الأسدية .
نريد أن يكون أدونيس لنا قدوة , فكلنا مع الثورة نظريا , وكل منا يرفض أساليب الثورة , أي بالنتيجة يبحث كل منا عن مهجر لايوائه في الخارج أو محجر في البلاد لاماتته تحت التعذيب , فكونك أيها الانسان السوري مع الثورة مبدئيا يحولك الى مجرم ويجعلك عرضة للسجن مدى الحياة , أي بالنتيجة يبقى الأسد أسدا مفترسا ويبقى النظام مافيوزيا ويبقى النحر مسلكية والقهر منهجية والاذلال سياسة ..و ..و ..أي تبقى الأمور على حالها أو تتطور الى الأسوء , فهل هذا مايريده أدونيس ؟ واذا كانت تلك هي ارادة الشاعر , فليسمح الشاعر المفكر لي بالقول على أنه ليس بالشاعر وليس بالمفكر , وليسمح لي , بعد الكثير من التردد, بالظن الخبيث على أن مايدفعه لذلك هو أمر غريزي بدائي مترسب في لاشعوره , وليسمح السيد أدونيس لي بسؤوال اغتصب عقلي وارادتي وتمرد علي , هل أنت يا ادونيس علوي ؟؟؟.
أدونيس ارتكب خطأ تاريخيا اذ قال” ان تغيير الانظمة لا يقود الى اي تغيير حقيقي في المجتمع,العرب ومنذ عام 1950 لم يفعلوا شيئا إلا تغيير الأنظمة، غيروا الأنظمة كما نعرف لكن لم يتغير شيء، المهم تغيير البنية الأساسية للأنظمة”, فهل يجهل أدونيس على ان المشكلة العربية تنحصر بشكل رئيسي بأمر واحد وهو ان العرب لم يغيروا الأنظمة قطعا , هاهو الأسد منذ ٥٠ عاما جالسا على الكرسي , والقذافي جلس ٤٢ عاما ومبارك ٣٢ عاما وعلي عبد الله صالح ٢٣ عاما والبشير السوداني لحق ال ٣٠ عاما ومثيله أبو تفليقة يلامس ال ٣٠ عاما والملوك والأمراء حتى الموت , أين هي الأنظمة التي لم يتوقف الأعراب عن تغييرها منذ عام ١٩٥٠ …المهم كما قال أدونيس هو تغيير البنية الأساسية للأنظمة , فكيف يمكن لذلك أن يحدث تحت اشراف الأسد أو القذافي أو بو تفليقة أو البشير أو زين العابدين أو علي عبد الله صالح ..الخ , وعندما يكون تغيير البنية الأساسية للأنظمة ممكن بمباركة هذه الأنظمة , فلا حاجة عندئذ للثورة والثورات , عندئذ تفقد الثورة ضرورتها حيث تتحول الى نوع من ممارسة الهواية , وتتحول الى شغب ونوع من الادمان ..هناك في أوروبا فئة من البشر تمارس “مهنيا ” التظاهر فقط , ينتقلون من مدينة لاخرى ويتظاهرون من أجل التظاهر بحد ذاته , فهل أصبح أدونيس أحدهم ؟؟
يدعونا أدونيس الى الصبر فحسب رأيه ” العرب مأخوذون بشهوة السلطة، حينما يتغير المجتمع حينها تتغير السلطة، إذا قمت بتغيير السلطة من فوق لا يتغير المجتمع، التشديد يجب أن يكون على تغيير المجتمع ومؤسساته ثم تكون السلطة متغيرة تلقائياً” يجب علينا ممارسة الصبر حتى تتغير السلطة تلقائيا , وفي هذه الأثناء علينا بتغيير المجتمع ومؤسساته وهل يسمح لنا الأسد بتغيير المجتمع ومؤسساته؟ , وما هو مصير من يصرح بعزمه على تغيير المجتمع ومؤسساته ؟ فهل انفصم أدونيس عن الواقع , أو أنه يخاتل كما قال عنه المفكر صادق جلال العظم , وأنا أقول بكل تواضع على انه يموه عن طرق ممارسته للتنظير , الوضع لايحتمل منهجية على ابن ابي طالب الذي قال : سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري , سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري, ..أعود لأسأل أدونيس , هل علي أحمد سعيد اسبر علوي وطائفي ؟
نجح الأسد في وضع ٩٥٪ من الطائفة العلوية خلفه.فالطائفة العلوية هي الفئة السورية الوحيدة التي تستطيع تأمين العمق الشعبي للأسد , فالأسدية عي واجهة العلوية السياسية .
بالمقابل لايمكن للمعارضة المسلحة الا أن تسعى لتكوين عمق شعبي لها , وهذا العمق الشعبي لايمكن أن يكون الا ضمن الطائفة السنية , أيضا نجحت السنية السياسية في تأمين العمق الشعبي للمعارضة المسلحة , والأمر بمجمله عبارة عن فعل ورد فعل , وهكذا تطورت الحالة الى حالة حرب طائفية علوية -سنية غير قابلة للحسم على المدى القريب وغير قابلة للحل أيضا
على المدى المتوسط والبعيد سيكون الفشل نصيب العلوية السياسية لأسباب نعرفها , الوضع الدولي العسكري والاقتصادي حيث يتفوق الغرب على روسيا وايران بدرجات
لقد اخطأ الجميع في لجوئهم الى الطائفية السياسية , والخطأ الأعظم ارتكبته الطائفة العلوية بحق نفسها فالثمن الذي دفعته الطائفة لحد الآن ولا تزال تدفع وستدفع مستقبلا ايضا لايتناسب مع الفوائد التي حصلت عليها , والفوائد المادية فقدت كل قيمتها في ظل فقدان الطائفة لمئة الف شاب , وكذلك فقد مئات الألوف من أفراد الطائفة مستقبلهم عن طريق عملهم بالأمن الذي لامستقبل له ..تركوا المدارس والتحقوا بالأمن والدفاع الوطني والشبيحة والجمارك أي بقوافل السرقة والسلب والنهب وبذلك حولوا نفسهم الى مجرمين . وهل لقاطع الطريق مستقبل خاصة قاطع الطريق بدون بكالوريا ؟