بشار الأسد يتقن لغة الغرب!

بقلم:سلمى ادلبي

***

“في واحد من مكاتبه، استقبلنا الرئيس السوري..لا شيء في المكان يوحي بأن حرباً أهلية تدور في الخارج، باستثناء رسومات أبناء قتلى الجيش السوري ورسومات أبناء الرئيس”، هكذا تختار “باري ماتش”، أن تبدأ مقابلتها مع الرئيس الأسد. “باري ماتش” إذ قرّرت إجراء لقاء مع الأسد بعد ما يقارب الأربع سنوات على عمر الثورة السورية الدامية والمكلفة والمنهكة، لا يصعب تلمّس أسبابها. إلا أن تلك الأسباب تبدو غير إنسانية إذ تفسح أمام الطاغية منبراً عالمياً للتعبير والتبرير والتصريح بما يستفزّ البشرية على الانتحار أمام هذا الكم من الادعاء والتنصّل والاستخفاف. لم يكن ينتظر أحد تصريحات مختلفة ربما، إلا أن قراءتها منشورة في منبر إعلامي فرنسي، يعني أن كرامة القتلى وأهلهم والمنكوبين والمهجّرين والمسجونين، لا تزال مسألة غير محسومة دولياً كما محلياً.

يبدو فعل “الوجود الفرنسي” في مدينة دمشق، وفي مكتب بشار الأسد تحديداً، كفعل مراسلة “قناة الدنيا” ميشلين عازر التي زارت مدينة “داريا” ومشت مختالة بين جثث الأمهات والأطفال. يكتسب لقاء الأسد في هذه المرحلة تحديداً، فعل الدعس على الجثث والكرامات. إنه تواطؤ مع المجرم ومنحه منصّة “أنيقة”  لعرض جرائمه واختزال سورية بشخصه وبزوجته “المتحضرة” وبأولاده “البريئين”.     

ثم يخطر في بال أحد أن يقرأ اللقاء بدافع الفضول، فتتعاظم الكراهية في روحه، والحقد لا مفرّ منه، ورغبة الانتقام كذلك ومن لايزال يحتفظ ببعض الأفكار السلمية، يروح الشرّ يعبث بمخيلته. ويكتشف دون أدنى عناء، أن العنف والإجرام اللذين يمارسهما النظام منذ أربع سنوات، لا يقتصرا على القتل والقصف والتدمير والسجن والتعذيب. ثمة عنف لفظي ينكأ الجراح وينبش قبور قتلى الشعب السوري، ويهدر كرامة عائلاتهم وأطفالهم، ويفقاً أعين المتفرجين من الطائفة العلوية التي فقدت حتى الآن مئة ألف من شبابها دفاعاً عنه وعن عائلته وأقربائه المتورطين بالدم السوري والطليقين حتى اليوم.

وأيضاً، تصبح عبارات مثل: “الأسد منفصل عن الواقع” أو “إنه غير مدرك لما يحصل”، تافهة وتبتغي التخفيف من حجم المأساة. والحل لا يكمن إلا في تعظيم المأساة التي لا تحتاج في الحقيقة إلى جهد عظيم لتعظيمها. الأسد مدرك تماماً لما يحصل خارج قصره. بل إن جدران غرفته ليست كتيمة على الأرجح. تصله الأصوات التي يسمعها سوريو دمشق. وتصله أنباء عن القصف الذي يتعرض له ريف دمشق والمناطق السورية الأخرى. يدرك تماماً معنى كل حرف يتفوه به منذ اليوم الأول للثورة وحتى هذه اللحظة. لا بل إنه منذ الخطاب الأول، ينبئنا بما سيكون عليه الوضع مستقبلاً في سورية. فهو المنفذ لخطط “أصدقائه” ولديه الخرائط كلها.

ويبدو جلياً بعد قراءة اللقاء، أن الأسد لايزال مصرّاً على إجابات تعبث بالمنطق البشري. عندما يقرأ المتابع السؤال ثم يقرأ الإجابة يصاب بدوار وارتباك وتهتزّ الأرض تحت قدميه. كما حدث عندما سأله وليد جنبلاط عن حمزة الخطيب فأجابه الأسد: “قتلناه لكن لم نعذّبه!”. المسألة في نظر “رئيس البلاد والعباد”، ليست في فعل القتل، بل في فعل التعذيب! وبما أن التقرير الطبي اعترف بآثار تعذيب وتقطيع أعضاء، فهذا لم يكن قبل قتله بل بعده. وثمة فرق كبير بالنسبة لـ”سيادة الرئيس”. فتلك العملية تجمع بين رغبات جميع الأطراف. من جهة، تشفي غليل شبيحته في ممارسة أمراضهم ومن جهة أخرى، الطفل لا يشعر بالوجع لأنه فارق الحياة! وعندما سألته مذيعة الـ”سي إن إن” عن القاشوش وكيف أن النظام اقتلع حنجرة مغن سوري شهير، أجابها الأسد ببساطة: “ليس مغنٍ مشهور على الإطلاق!”. وهنا أيضاً، يعتبر الأسد اقتلاع الحنجرة فعل شرعي كون المطرب غير محترف ولا شهير!

أي أنه لم يكلّف نفسه عناء التملّص من التهمة أو تبرئة شبيحته. وفي لقائه الأخير يسأله الصحافي الفرنسي عن كيفية التعامل مع المظاهرات السليمة بداية الثورة، فيجيب الأسد: “كان هناك مظاهرات، لكن عددها لم يكن كبيراً!”. أي أن العدد القليل يعطي الجيش “الوطني” حق إطلاق النار وقمع المتظاهرين السلميين.

ثم يعتبر الأسد نفسه ربّان السفينة. ويقول إن الربّان لا يفكر أثناء العاصفة بالحياة أو الموت، يفكر فقط بكيفية إنقاذ سفينته. سفينته هي سورية. بالضبط هذا ما يعتقده الأسد. هو وحده يمتلك سورية. ويضيف: الركّاب يتركون السفينة، كلّهم يتركون السفينة، والربّان هو آخر من يغادرها! أي أن الأسد يتأمل خروج السوريين من بلدهم نازحين وهاربين ولاجئين بعينين من الرضا. بل إنه يتمنى لو يستيقظ أحد الصباحات فلا يجد أحداً. بالضبط كما النكتة الشهيرة التي تحكى عن الطاغية فرانكو عندما كان على فراش الموت وسمع ضجيجاً يتداعى من شباك غرفته في المستشفى، فسأل عن مصدر الضجيج. قالوا له: هذا الشعب.. جاء يودّعك. فقال بدهشة: لماذا؟ إلى أين سيذهب شعبي؟

وعن التدخل الأميركي واحتمال ضربة أميركية ضد النظام، لا يجد الأسد حرجاً في اعتبار التدخل الأميركي “غير شرعي ويمثل اعتداء على السيادة الوطنية”. ثم بعد أسطر قليلة، ينفي أي تنسيق مباشر مع الولايات المتحدة بشأن ضربها لـ”داعش”. أي أن الطائرات الأميركية إذ تقصف “داعش” في الأراضي السورية لا تتعدّى على السيادة الوطنية. وحده بشار الأسد وعائلته ونظامه وشبيحته وجنوده يمثلون “السيادة الوطنية”.

 ثم يأتي من يلوم “المعارضة” و”المعارضين” لأنهم لم يحسنوا تصدير قضيتهم ولم ينجحوا في كسب التعاطف الدولي ولم يتقنوا لغة الغرب لمخاطبته. يبدو أن الغرب لا يتقن سوى لغة القصف والتدمير والتعذيب والكيماوي والخطف تحت غطاء “العلمانية” و”محاربة الإرهاب”. 

كاريكاتي الفنان السوري  أيوب أبو سنينة

=====================

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *