نصبت إسرائيل لأعدائها فخاً كبيراً من خلال العدوان على الجولان واغتيال مجموعة من «حزب الله» بينها ضابط إيراني رفيع المستوى. إيران الآن ليست في وارد التورط بجبهة عسكرية تؤثر على مفاوضاتها النووية وعلاقتها بالغرب. ستردّ بصورة استخباراتية أمنية كما بواسطة «حزب الله». «حزب الله» سيردّ حتماً لاعتبارات عدة لكن ضمن حسابات معقدة إن من لبنان وإن من الجولان. سوريا «استمرت في موقف تعداد عمليات العدوان» وليست في وارد فتح مواجهة لا مقوّمات لها، كما ليست في وارد تفويض جبهتها الجنوبية لأي طرف لا تستطيع السيطرة على مشروعه. إسرائيل نفسها لا تريد حرباً بل تريد ضمان حدود جبهتها الشمالية بأشكال مختلفة، وتريد بالتالي الحضور داخل «المسألة السورية» إذا كان هناك من ترتيبات لذلك. لا نعرف كيف سيردّ «حزب الله»، ولا نعرف ما تخبئ إسرائيل من ردّ أيضاً. لدى إسرائيل طموح أو ربما فرصة لأن تخلط الأوراق في علاقة إيران بالغرب، ولديها الآن قدرة على اجتياح جزء من جنوب سوريا تقترب بذلك من دمشق وتلتف على «حزب الله» مما تعتبره الخاصرة الرخوة. ليس بالضرورة أن يكون ذلك بواسطة جيشها النظامي بل ربما بواسطة الجماعات المسلحة التي صار لها وزن وانتشار في الجولان وعلى حدود لبنان. النظام في سوريا فقد المبادرة منذ زمن بعيد وعلى جميع المستويات، في الأمن كما في السياسة، ولديه الآن حلفاء وأصدقاء يتولّون القيام مقامه في اختيار ما هو مناسب. فالمعارضة الوطنية السلمية المدافعة عن السيادة والرافضة لأيّ تدخل خارجي وللعنف وللقوى التكفيرية كان قد طردها منذ بدء الأزمة وهو لا يملك الآن دعمها في معركته مع الإرهاب الفعلي. تتولى موسكو ولو متأخرة محاولة ترميم صورة النظام من هذا الجانب. لكنّ هناك انطباعاً واسعاً أن مثل هذه المهمة قد لا تنجز طالما أن النظام ما زال يتشدّد في نظرته إلى الحل السياسي، وطالما أن المنطقة لا زالت في حال من الصراع والغليان والمفاجآت كالذي حصل في اليمن والجولان. وما يقلق اللبنانيين اليوم احتمالات اندلاع حرب واسعة على بلد لم يعرف الاستقرار منذ نصف قرن ويعاني من مشكلات ضخمة في اقتصاده وحياته الاجتماعية. فالحرب هي حدث كارثي بذاتها إنسانياً ومادياً، وهي الآن قد تقع على بلد لا يلقى اهتماماً عربياً ودولياً، كما كان يحصل في السابق. والأهم من ذلك كله أن حروبنا كانت من قبل تتم تحت عنوان الصراع من أجل الوحدة والتضامن أما الآن فهي حروب التفتيت التي تنبش الطبقات الدنيا الماضوية من الوعي العربي. ونكاد نتصرّف في لبنان كشعوب مختلفة تجاه الخارج وقضايا الداخل. قد يكون لدى فئة واسعة من اللبنانيين ثقة بإمكانات المواجهة وردّ العدوان، لكن التداعيات السياسية لا أحد يضمن صورتها إذا كان، وهو كذلك، مشروع الحرب في إطار إقليمي ولأهداف تربط مادياً بين المصير اللبناني والسوري والإيراني. لن يبدّل أيّ تحليل في خيارات القوى بل إن وظيفة هذا الكلام دعوة جديدة للبنانيين لأن يعالجوا مشكلاتهم الداخلية ولا يتركوها تغذّي الانقسام الوطني أو تضعف من ثقة الناس ببلادها. إن حروب التفتيت العربية لا تستحق كل هذه المحرقة الإنسانية، وليس هناك من سلطة أو نظام أو صيغة أهم من تأمين الاستقرار والكرامة للشعوب.