بالطبع سوف يكتب مؤرخو المستقبل تاريخ اندثار العرب , خاصة تاريخ اندثار سوريا الذي سيكتمل باذن وعون الأسد , فبعد كل الدمار الذي حصل يأتي الآن تدخل دولي مرحب به حتى من قبل من سيأتي دوره بعد داعش , وهل تصور أحد على أن الأسد سيرحب “بعربدة” طائرات التحالف في السماء السورية , واذا كان الهدف الذي سيتحقق شئنا أو أبينا هو تدمير داعش , وداعش ستدمر حتما , فماذا سيحدث بعد تدمير داعش ؟ ومن سيجتاح المناطق التي ستخليها داعش قسرا ؟ وهل تسمح أي سذاجة , مهما عظمت, بالظن على أنه سيسمح لبرابرة الأسد بالحل مكان برابرة داعش ؟.
ليس اكتشاف انفصام الأسد عن الواقع بأهمية اكتشاف البارود أو اكتشاف أمريكا ,فالأسد لم يدرك في سياق انفصاميته على أنه سقط أو أنه سيسقط , ولم يدرك على أن سوريا سقطت أو ستسقط , ولم يدرك أبعاد الاستباحة المعولمة لنظامه ولسوريا أيضا , لم يدرك مغبة ارغام أمم ودول في العالم لاستباحة سوريا عن طريق خلق الظروف التي تجعل من احترام سوريا وسيادتها أمرا مستحيلا , ولم يقتدر الأسد على تقييم السقوط الأخلاقي ولا على تقييم فقدان الشرعية , اذ انهما مقدمة لكل سقوط , كما أن الأسد لم يشعر قطعا وبالتالي لم يدرك استيفاء السقوط الأخلاقي لكامل شروطه, وبالتالي لم يدرك على أن السلطة تحولت الى عصابة مافيوزية وسوريا تحولت الى غابة يديرها ناموس الغاب .
اذا لم يكن باستطاعة الأسد رؤيةنفسه , ورؤية النفس صعبة أحيانا , فانه أيضا لم يتمكن من رؤية الغير بعين ترى وعقل يفهم ,فزملاء الأسد ودولهم المنسوبة الى العرب هي أصلا عصابات تنهب وتغتصب , وهي أصلا كيانات دول فاشلة , والأسد لن يتمكن من ادراك التشابه بينه وبين زملائه ..القذافي ..بن علي..صدام ..مبارك , ولم يدرك على أن دولا أكثر تقدما من سوريته الأسدية كتونس ومصر مصنفة بحق في مصنف الدول الفاشلة , فكيف الحال مع تصنيف سوريا الأسد , ولكي تصل سوريا الأسد الى مرتبة تونس بن علي أو مرتبة مصر المباركة فيلزمها على الأقل أكثر من نصف قرن , هكذا قال فيصل القاسم ومعه ألف حق !.
سقوط الأسد هو تعبير عن سقوط أنظمة الدويلات الطائفية العنصرية في المنطقة العربية …كلهم سقطوا أو في طريقهم الى السقوط , اليمن الذي سيتقسم , والعراق مقسم , وسوريا التي تترنح مغمي عليها تحتضر , لبنان لايختلف عن سوريا , هذا ناهيكم عن الممالك والامارات المتعفنة والتي وضعت نفسها تحت الوصاية المأجورة والانتداب , ولا فرق هنا بين امارة خليجية وبين سوريا الأسد التي رحبت بالانتداب المتعدد , فهي محافظة ايرانية وفي نفس الوقت محمية أمريكية وخلافة اسلامية وولاية فقيه ومستعمرة لحزب الله , ناهيكم عن سلطة رجال محمد بن عبد الوهاب وغيرهم , وما الفرق بين استنجاد العرب ببريطانيا عام ١٩١٦ حيث لم يكن هناك من الأعراب ماهو غير داعشي , وبين استنجاد السلطات والشعوب بالغرباء هذه الأيام , كما أنه لافرق جوهري بين مذابح داعش على الهواء وبين مذابح الأسدية على الهواء وفي المواخير , كلهم يقطعون الرؤوس ولكل منهم طريقته, الا أن قطع الرأس واحد , فداعش تحكم منذ قرون , سيان ان كان اسم الحاكم بحضارة داعش أبو بكر أو بشار أو صدام أو معمر !.
عودة الى التاريخ وسجلاته وكتاباته , وماذا سيقول التاريخ بخصوص سوريا , التي تسلمها البعث والأسد كدولة , وبعد نصف قرن من البعث والأسد تحولت الى مزبلة اسمها سوريا الأسد , وعودة الى اختلال ادراك الأسد حيث أنه لاير المزبلة , وهو عاقد العزم على السير في مسيرة الاصلاح والتطوير والى الأبد …حدث لايعرف التاريخ مثيلا له !