استراتيجية الأسد للإلتحاق بحلف محاربة الإرهاب

لا يملك نظام بشار الأسد الكثير من أوراق القوة، المادية والسياسية، تؤهله للإنضمام إلى التحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم “داعش”، كما ليس من المتوقع ان تلاقي الدعاوى الروسية التقليدية المتلطّية خلف القانون الدولي والمطالبة بالتنسيق مع حكومات المنطقة، وليست مضمونة أيضاً جهود ايران في هذا المضمار، الناعمة حيناً، والتي تتخذ طابع التهديد باجتياح عواصم عربية أحياناً اخرى.يدرك نظام الأسد جيداً ان الخلطة التي يقاتل بها في الميدان لا تشكل هيكلية عسكرية حقيقية يمكن على اساسها الفوز بعطاء المشاركة في الجهود الدولية الهادفة لبناء تحالف اقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب، فبنيته الميدانية ليست سوى مزيج من ميليشيات متعددة الجنسية، سورية وعراقية ولبنانية وإيرانية وأفغانية، وهي لا تشكل بنية منسجمة الا لناحية اشتراكها بجرائم الحرب التي ارتكتبتها بحق السوريين، وهو ما يفند الزعم الروسي بأن تلك البنية تشكل حالة منسجمة مع القانون الدولي والشرعية في الوقت الذي تنتظر جرائم الحرب التي ترتكبها تلك البنية موافقة مجلس الامن إحالة ملفها الجرمي الى محكمة الجنايات الدولية، اما إيران فهي تعرف أن العالم يرفض التفاوض معها في شأن سورية، عكس موقفه منها في العراق، وبالتالي فهي لا تحتاج لإرتكاب الكثير من الاخطاء التي من شأنها التأثير على بعض الإختراقات التي أنجزتها حتى اللحظة في تفاوضها مع الغرب

هذا الواقع، يبدو انه شكّل محفّزاً لنظام الاسد للبحث عن مخارج جديدة، إذ تشير المعطيات الى تبلور ملامح استراتيجية جديدة سيعمل على تصديرها في المرحلة القادمة واعتمادها بوليصة تأمين مستقبلية ضد أي إمكانية لإشتماله في مندرجات الحرب على الإرهاب في المنطقة، وكذلك بهدف دمجه كعضو مشارك فيها في المرحلة الراهنة، وتقوم تلك الإستراتيجية على ثلاثة ركائز:

– الركيزة الأولى: تكثيف القوة النارية في الحرب السورية، بما يسمح للنظام بفرض نفسه بقوة الأمر الواقع، طرف يحقق انتصارات ميدانية ذات قيمة عملانية مهمة، بغض النظر عن مواقف بعض القوى منه، وقد حاول نظام الأسد، في الفترة الماضية، وعبر شركات العلاقات العامة التي يديرها بعض اصدقائه في الدول الغربية، الى ترويج هذا الأمر، على قاعدة تحالف الضرورة، على أن يجرى تأجيل طرح تنحية النظام الى مرحلة لاحقة وإعطاء الاولوية لمحاربة الإرهاب في هذه المرحلة، والمعلوم أن هذه المسألة شكلت انقساماً في الغرب، حاول نظام الأسد اللعب على وترها، وفي محاولة لترسيخ هذا الخيار وتحويله خياراً واقعياً واجبارياً يكثف نظام الأسد نيرانه على المناطق الخارجة عن سيطرته في شكل جنوني لدرجة تصل الى حد إزالة مناطق كاملة حول دمشق من الخريطة مثل جوبر والمليحة.

– الركيزة الثانية: تعريض الأقليات لخطر الإبادة، حيث يدرك نظام الأسد مدى حساسية هذه المسألة في الغرب ومدى خطورتها في الوضع الراهن للمنطقة، وبخاصة أن شرعية الحرب على داعش تقوم على حماية الأقليات التي استهدفتها الاخيرة في العراق، فلماذا لا يصار الى إدراج الحالة السورية ضمن هذا الجهد طالما تمتلك نفس المعطيات، وفي سبيل ذلك قام نظام الأسد بجملة من التكتيكات وضع من خلالها مصير بعض الاقليات في سورية على صفيح ساخن، إذ إن انسحابه من المناطق الشرقية جعل الطرق سالكة باتجاه مدينة السلمية التي تقطنها الطائفة الإسماعلية، والى ريف حماة الغربي حيث محردة وسقيلبية المسيحيتين، كما قام النظام بسحب جزء من قواته من منطقة محردة وطلب من أهلها المدنيين والعزل العمل على حماية منطقتهم، وفي السويداء جنوباً، موطن الطائفة الدرزية، يحاول النظام الى إحداث فتنة مع أهل درعا المجاورة، وقد استطاع أبناء المنطقة تفكيك الكثير من الألغام التي تزرعها أجهزة استخبارات النظام على جبهة التعايش والسلم بين الطرفين، الا أن نظام الاسد لا يكل ولديه دائماً تكتيكات بديلة وجاهزة.

– الركيزة الثالثة: اقحام لبنان عنوة في أتون الحرب السورية، إذ يعمل على فتح ثغرات عديدة في مناطق القلمون أمام تقدم بعض المتطرفين وغض الطرف عن اعادة تجميع قواهم في مناطق محددة، بما يضمن له ادراج لبنان ضمن حالة الخطر وإشراك الجيش اللبناني في الحرب، وذلك لعلمه أن القوى الإقليمية والدولية تعمل على تحييد لبنان والحفاظ على مؤسسة الجيش، ويعمل نظام الاسد جاهداً في هذه المرحلة، وبمساعدة حلفائه، على تسريع انخراط لبنان الدولة في الحرب السورية، وذلك بهدف إعادة صياغة الوضع الأمني في المنطقة عبر تشبيك لبنان ضمن الحالة السورية وتصديرها للعالم كمشكلة تفرض التنسيق مع نظام الاسد الامني والعسكري.

ويستند نظام الاسد في استراتيجيته تلك على حالة الإرتباك وعدم الوضوح في الرؤية لدى الإدارة الاميركية والصعوبات التي تواجهها في بناء تحالفها ضد الارهاب، إضافة الى تعدد حساباتها، وتضاربها أحياناً، ما ينعكس على حركتها البطيئة وفعلها الرخو حتى اللحظة، كما يحاول استثمار التطورات الحاصلة على الحدود مع اسرائيل والتي تمثلت بسيطرة كتائب المعارضة على معبر القنيطرة، لعل كل ذلك يشكل عوامل مساعدة في الضغط على الغرب من أجل ضمه لحلف الحرب على الإرهاب بما يتضمن ذلك من اعادة تأهيل وعودة للمجتمع الدولي.

وعلى رغم خطورة حصول تحولات معينة في توجهات الغرب تجاه نظام الاسد، وإمكانية اختراق الترتيبات الجارية في المنطقة وإمكانية تعديل الاولويات، الا أن الأخطر هي الالعاب التي يمارسها هذا النظام على الصعيدين الداخلي واللبناني، ذلك ان نجاحها يعني اشعال النيران في حقول لن يستطيع بعدها اي حلف دولي إخمادها بسهول

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *