عودة الى النعوات السورية

بقلم :نبيهة حنا

عام ٢٠٠٦ كتب ميشيل كيلو  مقالا تحت عنوان نعوات سورية  , وبسبب هذا المقال   جلس كيلو في الزنزانة سنين ,  الا ان هناك من قال على أن سبب اعتقال كيلو وسجنه  كان الحرص على حياته  , اذ أن  آصف شوكت كان مصمما على قتله , ولانقاذه من القتل  أودعه الأسد الابن في السجن لسنين , وهناك من قال على ان سبب السجن  كان لقاء  كيلو مع البيانوني في مدينة مراكش  وتناول طعام العشاء معه  , اختلفت الأسباب  والزنزانة واحدة  , على كل حال فان كيلو الآن  خارج السجن الصغير وخارج السجن الكبير  , انه سجين غربته وهجرته  وهروبه .

لقد تحدث كيلو في مقالته   عن الماضي  , وكيف كانت تطبع  النعوات  , مقارنة في الحاضر  الذي لايعرف نموزجا محددا لطباعة هذه النعوات  , فحتى ورق النعوات  الجديدة  له لون يغلب عليه الصفار  , والخط  تغلب عليه خشونة الأحرف  , ثم أن  معظم  النعوات الخاصة بأيناء الريف  تتعلق  بعسكريين  وتخلو من  نعوات خاصة بالمدنيين  الا  المعمرين منهم , ثم  اورد كيلو   الآية المكريمة التي تبدأ النعوة بها … يا أيها النفس الكريمة ..الخ  وبعد الآية  تفترق طرق صياغة النعوة بين الريف والمدينة  , اذ من الملاحظ  على أن فقيد الريف عسكري يعيش من ريع  السلطة   وخاصة  من نظم الفساد  التي  تنتهجها السلطة , بينما   فقيد المدينة  غالبا مايكون مهني أو تاجر  أو موظف صغير أو مهندس أو طبيب .. , وهذا يدل على أن  السلطة تستقطب أبناء الريف  في الجيش والأمن  , والسلطة تمنح هؤلاء  مراكز قيادية  ريعية بالدرجة الأولى , ومن يشك  بأمر  الريعيه عليه  القاء نظرة عابرة   على قصور ومزارع الساحل  وعليه بالبحث عن مصادر الأموال الخاصة بتجارة السيارات والتبييض ….الخ, أما المهنيين  وغيرهم فهم خارج الدارة الاقتصادية الريعية , والكل يعرف ذلك تمام المعرفة .

لقد  ادعى كيلو على أن أوراق النعوات  تلقي الضوء  عل حقيقة  التوزيع الطبقي الطائفي  المادي الاقتصادي  والعسكري أيضا ,  وأوراق النعوات  فشت سابقا  وتفشي لاحقا  أسرار هذا التوزيع الطائفي , لقد قلنا مرارا وتكرارا  على أن  الجيش هو جيش طائفة  وليس جيش سوري  ,  فما كان من السلطة الا أن اعتبرت ذلك  جريمة عظمى  تستحق الموت على حبل المشنقة  , وفعلا تم شنق العديد من أبناء الوطن لتفوههم  بهذه الخاصة الطائفية  , التي لاتستقيم مع ادعاء السلطة بكونها  سلطة وحدة وطنية  صهرت الشعب في بوتقة  ألغت جميع الفروق  العقائدية  والاثنية   وجعلت أي حديث عن الطوائف   خيانةعظمى , يقولون  , هاهو رئيس الوزراء سني   وهاهو وزير الدفاع مسيحي  , ونقول انهم ديكورات  للزينة والتمويه فقط  , فعندما انشق  رئيس مجلس الوزراء  قيل   على أن انشقاقه   لايؤثر على السلطة  اطلاقا  وبالفعل  لم يكن له أي تأثير  لأن وجوده كان بالأصل شكلي  , انه موظف تنفيذي  لا أكثر  , وعن وزير الدفاع السوري   المسيحي , فقد قالت زوجته على أنه طوال   مدة وزارته كان  سجينا  ولا علاقة له   بالدفاع  أو ألوزارة  ..انه وزير شكلي , قالوا انكم تكذبون  !! .

توجد هذه الأيام أوراق نعي من طبيعة أخرى  ,  ولو أخذنا ماتم نشره  في يوم ٨-٩-٢٠١٤  بخصوص قوائم  القتلى من الضباط  , لوجدنا  بمزيد  من الحزن والأسف  على أن أكثر من ٩٩٪ من هؤلاء  ينتمي الى  القرداحة وجوارها ومنطقة طرطوس  وجبلة  واللاذقية  ,  وانتماء أكثر من ٩٩٪ منهم  علوي , ومن لايصدق عليه بمراجعة  قائمة هذا اليوم  التي تتضمن  أسماء أكثر من ٢٣٠ ضابطا , منهم ألوية  وعمداء  وغيرهم من الر تب العالية , فلماذا ياترى  يهاجم الموت حصرا  ابناء الطائفة العلوية  في الجيش ؟؟  هل هذه هي المؤامرة  ؟ أو أن الجيش فعلا علوي   ويمثل طائفة واحدة  تحارب طائفة أخرى هي السنية  , وأين هو الصهر في البوتقة الوطنية  التي لاتفرق بين علوي  وسني ومسيحي واسماعيلي  ودرزي , أين هو  العدد المماثل من القتلى الضباط من  الأكراد؟   , مع العلم بأن الأكراد  أكثر عددا من العلويين ,  هل هناك  ضباط  أكراد في الجيش ؟  وما هو السر في كون  كامل ضباط الجيش علويون ؟  هل لأنهم  يحبون الوطن أكثر من حب غيرهم لهذا الوطن ؟.

أوراق النعوات التي تحدث عنها كيلو  سابقا  , وقوائم القتلى من  كتائب الأسدهذه الأيام والشهور والسنين  هم دليل واضح  على وجود   وضع اجتماعي  يتصف بالتخصص , فهناك الفئة الريعية  , التي  احتكرت مثلا ريع البترول  لعشرات السنوات , وهناك  الفئة  الكادحة  , التي عليها أن تعمل لتكسب , انه   شعب  مؤلف من حاكم   محتكر  للفضاء الاقتصادي  , ومن محكوم  يحتكر الفقر , من  سارق ومسروق  ..من ظالم ومظلوم , وبهذا  لايمكن الا ألقول  ان هذا الوضع  لايمثل  وطنا ولايمثل دولة , وانما  به تتمثل  خصائص العصابة  التي تهيمن بقوة الرصاص ,  انه ليس  عالم دولة  ينمثل به  أدنى حد من المساواة  , هذا ناهيكم عن  استلاب الحريات ,  حيث لامناص للعصابة  من ممارسة هذا الاستلاب  , قمع الحريات  هو لازمة  لأي وضع ديكتاتوري  مافيوزي .  

ساذج من يطلب من  المافيا المتسلطة  اجراء الاصلاحات , وكأن الساذج  يطلب من المافيا  أن ترحل طوعا  , ولا أعرف مافيا رحلت  طوعا , وانما قسرا  الى السجون , لذلك  يجب اعتبار “القسر”  هو  الطريقة  الوحيدة  والطريق الوحيد  الذي  يخلص البلاد من مفسديها ,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *