عام ٢٠٠٦ كتب ميشيل كيلو مقالا تحت عنوان نعوات سورية , وبسبب هذا المقال جلس كيلو في الزنزانة سنين , الا ان هناك من قال على أن سبب اعتقال كيلو وسجنه كان الحرص على حياته , اذ أن آصف شوكت كان مصمما على قتله , ولانقاذه من القتل أودعه الأسد الابن في السجن لسنين , وهناك من قال على ان سبب السجن كان لقاء كيلو مع البيانوني في مدينة مراكش وتناول طعام العشاء معه , اختلفت الأسباب والزنزانة واحدة , على كل حال فان كيلو الآن خارج السجن الصغير وخارج السجن الكبير , انه سجين غربته وهجرته وهروبه .
لقد تحدث كيلو في مقالته عن الماضي , وكيف كانت تطبع النعوات , مقارنة في الحاضر الذي لايعرف نموزجا محددا لطباعة هذه النعوات , فحتى ورق النعوات الجديدة له لون يغلب عليه الصفار , والخط تغلب عليه خشونة الأحرف , ثم أن معظم النعوات الخاصة بأيناء الريف تتعلق بعسكريين وتخلو من نعوات خاصة بالمدنيين الا المعمرين منهم , ثم اورد كيلو الآية المكريمة التي تبدأ النعوة بها … يا أيها النفس الكريمة ..الخ وبعد الآية تفترق طرق صياغة النعوة بين الريف والمدينة , اذ من الملاحظ على أن فقيد الريف عسكري يعيش من ريع السلطة وخاصة من نظم الفساد التي تنتهجها السلطة , بينما فقيد المدينة غالبا مايكون مهني أو تاجر أو موظف صغير أو مهندس أو طبيب .. , وهذا يدل على أن السلطة تستقطب أبناء الريف في الجيش والأمن , والسلطة تمنح هؤلاء مراكز قيادية ريعية بالدرجة الأولى , ومن يشك بأمر الريعيه عليه القاء نظرة عابرة على قصور ومزارع الساحل وعليه بالبحث عن مصادر الأموال الخاصة بتجارة السيارات والتبييض ….الخ, أما المهنيين وغيرهم فهم خارج الدارة الاقتصادية الريعية , والكل يعرف ذلك تمام المعرفة .
لقد ادعى كيلو على أن أوراق النعوات تلقي الضوء عل حقيقة التوزيع الطبقي الطائفي المادي الاقتصادي والعسكري أيضا , وأوراق النعوات فشت سابقا وتفشي لاحقا أسرار هذا التوزيع الطائفي , لقد قلنا مرارا وتكرارا على أن الجيش هو جيش طائفة وليس جيش سوري , فما كان من السلطة الا أن اعتبرت ذلك جريمة عظمى تستحق الموت على حبل المشنقة , وفعلا تم شنق العديد من أبناء الوطن لتفوههم بهذه الخاصة الطائفية , التي لاتستقيم مع ادعاء السلطة بكونها سلطة وحدة وطنية صهرت الشعب في بوتقة ألغت جميع الفروق العقائدية والاثنية وجعلت أي حديث عن الطوائف خيانةعظمى , يقولون , هاهو رئيس الوزراء سني وهاهو وزير الدفاع مسيحي , ونقول انهم ديكورات للزينة والتمويه فقط , فعندما انشق رئيس مجلس الوزراء قيل على أن انشقاقه لايؤثر على السلطة اطلاقا وبالفعل لم يكن له أي تأثير لأن وجوده كان بالأصل شكلي , انه موظف تنفيذي لا أكثر , وعن وزير الدفاع السوري المسيحي , فقد قالت زوجته على أنه طوال مدة وزارته كان سجينا ولا علاقة له بالدفاع أو ألوزارة ..انه وزير شكلي , قالوا انكم تكذبون !! .
توجد هذه الأيام أوراق نعي من طبيعة أخرى , ولو أخذنا ماتم نشره في يوم ٨-٩-٢٠١٤ بخصوص قوائم القتلى من الضباط , لوجدنا بمزيد من الحزن والأسف على أن أكثر من ٩٩٪ من هؤلاء ينتمي الى القرداحة وجوارها ومنطقة طرطوس وجبلة واللاذقية , وانتماء أكثر من ٩٩٪ منهم علوي , ومن لايصدق عليه بمراجعة قائمة هذا اليوم التي تتضمن أسماء أكثر من ٢٣٠ ضابطا , منهم ألوية وعمداء وغيرهم من الر تب العالية , فلماذا ياترى يهاجم الموت حصرا ابناء الطائفة العلوية في الجيش ؟؟ هل هذه هي المؤامرة ؟ أو أن الجيش فعلا علوي ويمثل طائفة واحدة تحارب طائفة أخرى هي السنية , وأين هو الصهر في البوتقة الوطنية التي لاتفرق بين علوي وسني ومسيحي واسماعيلي ودرزي , أين هو العدد المماثل من القتلى الضباط من الأكراد؟ , مع العلم بأن الأكراد أكثر عددا من العلويين , هل هناك ضباط أكراد في الجيش ؟ وما هو السر في كون كامل ضباط الجيش علويون ؟ هل لأنهم يحبون الوطن أكثر من حب غيرهم لهذا الوطن ؟.
أوراق النعوات التي تحدث عنها كيلو سابقا , وقوائم القتلى من كتائب الأسدهذه الأيام والشهور والسنين هم دليل واضح على وجود وضع اجتماعي يتصف بالتخصص , فهناك الفئة الريعية , التي احتكرت مثلا ريع البترول لعشرات السنوات , وهناك الفئة الكادحة , التي عليها أن تعمل لتكسب , انه شعب مؤلف من حاكم محتكر للفضاء الاقتصادي , ومن محكوم يحتكر الفقر , من سارق ومسروق ..من ظالم ومظلوم , وبهذا لايمكن الا ألقول ان هذا الوضع لايمثل وطنا ولايمثل دولة , وانما به تتمثل خصائص العصابة التي تهيمن بقوة الرصاص , انه ليس عالم دولة ينمثل به أدنى حد من المساواة , هذا ناهيكم عن استلاب الحريات , حيث لامناص للعصابة من ممارسة هذا الاستلاب , قمع الحريات هو لازمة لأي وضع ديكتاتوري مافيوزي .
ساذج من يطلب من المافيا المتسلطة اجراء الاصلاحات , وكأن الساذج يطلب من المافيا أن ترحل طوعا , ولا أعرف مافيا رحلت طوعا , وانما قسرا الى السجون , لذلك يجب اعتبار “القسر” هو الطريقة الوحيدة والطريق الوحيد الذي يخلص البلاد من مفسديها ,