المقابلة الصحفية الأخيرة مع الدكتور عمران الزعبي حَرَّكَت عندي تداعيات لها أول، وليس لها آخر.
قلتُ لنفسي إن عمراناً الزعبي هذا- وليس المتنبي- هو مالئ الدنيا وشاغل الناس. تصوروا، الرجل وزيرٌ في حكومة مستقيلة، ومكلفة بتسيير الأعمال، ومع ذلك فإن حالته النضالية لا تهدأ، وكأنه يعاني، بيولوجياً، من تأثير مادة كيماوية واخزة.
يأتيه الصحفي الرفيق المناضل إسماعيل مروة، مُنْتَدَبَاً عن صحيفة «الوطن»، ليجري معه مقابلة، فهل يعتذر هذا الزعبي أو يقول (لا)؟ بالعكس، يعطي لـ “مروة” مقابلة أطول من تمضية يوم كامل من دون خبز ولا إدام.
لعلمكم، إن صاحب جريدة الوطن هو الرجل «الوطني» الكبير رامي مخلوف.
السوريون، قبل قيام الثورة، ما كانوا يعرفون شيئاً عن رامي مخلوف غير كونه رجلاً «اشتراكياً» لا يسمح لأخي أخته أن يستثمر في سورية مبلغاً حتى ولو كان مئة دولار من دون أن «يشاركه» استثماره، لقاء حصة معلومة! وهو صاحب الاختراعين الأكثر طرافة في عالم الاستثمار الاقتصادي العالمي، أولهما يتلخص في كونه يحصل على نسبته من الأرباح دون أن تكون له مساهمة بالرأسمال! وثانيهما أنه غير مستعد للمشاركة في المشاريع الخاسرة، فالخاسر، على قولة الفنان الكوميدي المرحوم نهاد قلعي: خَرْجُه، الله لا يقيمه!
حينما كان صديق النظام السوري الحميم نزار نيوف يُمَثِّلُ على الشعب السوري دورَ الرجل المعادي للنظام السوري كتب مقالة بعنوان «رَمْرَمة الاقتصاد السوري»، أي جعله «راميَّاً مخلوفيَّاً»، وكانت تلك الرميةُ “النيوفية” صائبةً بالفعل، فالاقتصاد السوري قد بدأ “يَتَرَمْرَم”، منذ انتقال السلطة إلى الرئيس بشار في أواسط سنة 2000، وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات.
حينما شاهد السوريون رامي مخلوف يتحدث بالسياسة سرعان ما شبهوه بالعريس الغشيم الذي طلب منه أهلُه أن يبقى ساكتاً أثناء الزيارة الخاصة بخطوبته، ففعل، ورضيت به العروس وأهلها، لأنه، وهو ساكت، حلو، وجذاب إلى أبعد الحدود، فلما تفوه بجملة واحدة، وجدوه سخيفاً، ففسخوا الخطوبة، وطردوه وأهلَه جميعاً من البيت!
رامي مخلوف هو، للأسف، رجل من هذا الطراز الغشيم. فمع أنه طوال عمره ساكت، شق فمه في مطلع الثورة السورية، وقال:
يجب أن يحافظ الغربُ على أمن سورية، لأنه جزء لا يتجزأ من أمن إسرائيل!
الدكتور عمران الزعبي يمثل الحالة النقيضة لحالة رامي مخلوف، فهو رجلٌ شهم، وإعلامي ناجح، ونبيه، ولهذا اختاره السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد ليقود المعركة الإعلامية الشرسة التي تشنها قنواتُ الفتنة الممولة من الاستعمار والإمبريالية على الدولة السورية والشعب السوري الصامد، وهو، كما يقول النحاة، ذرب اللسان، مفوَّه، ولديه سليقة لا تُجَارى، ولا تُقَلَّدُ، إذ بمجرد من يقترب منه صحفي، سواء أكان إسماعيل مروة أو غيره، يبدأ بسرد أفكاره المتعلقة بكون النظام السوري قومياً عربياً في المقام الأول، ممانعاً ينتهج الصمود والتصدي في المقام الثاني، وطنياً في المقام الثالث لا يقبل بأن تسيطر أية دولة (غير إيران وروسيا والصين) على الأراضي السورية والقرار الوطني السوري، معادٍ للإرهاب في المقام الرابع، بل هو متطرف في معاداة الإرهاب بدليل أنه قَتَلَ مئتي ألف مواطن سوري لا يوجد بينهم أكثر من خمسمئة إرهابي مسلح، والباقي كلهم مواطنون عاديون ولكن النظام يعرف أن لديهم استعداداً كبيراً لأن يكونوا إرهابيين في المستقبل فيما لو بقوا على قيد الحياة، فقتلهم!
وبالفعل، لقد حكى الزعبي لـ “مروة” مطولاً عن هذه (الثوابت) القومية والوطنية التي يتمسك بها النظام السوري، ولا يحيد عنها، ولكنه، فجأة قال:
كان هناك دائماً مقولة «إن الإعلام السوري هو إعلام الحكومة والسلطة». ولكن، في البيان الوزاري لحكومة تسيير الأعمال، استبدلنا هذه المقولة وقلنا إن هذا الإعلام إعلام «دولة» وليس إعلام «سلطة».
برأيي أن السيد الدكتور عمران قد ارتكب هنا خطأ قاتلاً.. وأرجو من السيد الرئيس بشار الأسد أن يقف عنده، ويؤاخذه عليه، ويأمر رئيس الحكومة القادم بأن يستبعده من التشكيلة الحكومية، أو (يُطَوِّط له)- كما كانوا يقولون في مسلسل “يوميات مدير عام” الذي كان يقول للشعب إن الفساد في سورية أيام حكم الأسدين الهصورين كان محصوراً في فئة الموظفين الصغار- والسبب هو أن «تغيير» صفة الإعلام من إعلام «سلطة» إلى إعلام «دولة».. يتناقض تناقضاً مع فكرة «الثوابت»!… يعني، بصراحة، غداً يأتيك واحد مغرض ويقول لك:
– تضرب في شكلك عمران، كيف تكون هناك «ثوابت»، وكيف يكون «تغيير»؟