البطرك اللحام وكفاية الديموقراطية السورية !
بقلم :نبيهة حنا
لا أفشي سرا عندما أقول على أن البطرك لحام أصبح بطركا بعد موافقة أمن بشار الأسد , ولا أفشي سرا ان قلت على أن البطرك لحام ملزم بتقديم التقارير الى الأمن وهو ملتزم بهذه المهنة , وانه البطرك الذي سلم شباب الطائفة الذين زاروه لتقديمهم شكوى بخصوص جنازة الى المخابرات , وهو البطرك الذي يتنقل بسيارة عسكرية وبمرافقة الشبيحة , وهو البطرك الذي قال مؤخرا “المسيحيين السوريين ضحايا الفوضى وليس الإسلام أو السلفية أو غيرهما، فبإمكاننا العيش مع كل انسان، في ظل الفوضى يضيع كل شيء ولا أحد يعلم من يُضرب ومن يُقتل، أو يعرف الضحية من القاتل أو يميّز بين الظالم والمظلوم، فضلا عن ان كل هذه التدخلات الأوروبية في منطقتنا ستُكتَب في تاريخ الإسلام والعروبة على أن حملات صليبية جديدة”. وهو البطرك الذي اتهم أوروبا ” بالسعي لتهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط، ثم انه البطرك الذي أكد على أن المسلم غير مسؤول عن تهجير المسيحي بل أن الأزمات المتتالية هي ما يتسبب بخلق موجات النزوح والهجرة والسأم والتشكك وقلة الإيمان” وهو البطرك الذي خاطب أوروبا قائلا “دعونا وشأننا لنعيش بسرور ما لدينا من ديمقراطية فهي تكفينا, وهو القائل على أنه يقف مع الدولة والقانون الذي يحمي المسيحيين ويحمي كل السوريين , ثم انه البطرك الذي قال ان ” ما جرى في سورية خلال الفترة الماضية يثبت أن هناك موءامرة ليست ضد فئة سورية بعينها بل ضد سورية كلها من قبل مصالح دول كبرى” ثم انه البطرك الذي قال على أن الرئيس بشار الأسد منتخب شرعيا من قبل الشعب السوري وهو بدأ بالإصلاح قبل الأزمة وسيستمر وهناك جزء كبير جدا من الشعب السوري يقف معه.. “وهو من قال على أن الحرب على سورية لم تنجح والعنف لم ينجح والسلاح لم ينجح وتزويد المسلحين بالسلاح على أنواعه لم ينجح كما أن نظرياتكم ونبوءاتكم بسقوط سورية منذ بداية الأزمة وفي أشهرها الأولى عام 2011 لم تنجح وكذلك الدعايات الإعلامية المزورة والمشاريع التآمرية عربيا وغربيا والعقوبات الاقتصادية والتهديدات بالحديد والنار والتحالفات لم تنجح ولذلك أمام كل هذه الإخفاقات أما آن الوقت لأن يقتنع العالم بأن الحرب لا رابح فيها وأن الحل السلمي هو سيد الأحكام وأن السوريين هم وحدهم الذين يقررون مصيرهم ومن يكون رئيسهم ومن تكون حكومتهم وما هو دستورهم”، متسائلاً “هل ما زالت بعض الدول مصممة على متابعة حرب الإبادة ضد الشعب السوري وتدمير مؤسساته وإزهاق أرواح مواطنيه وتدمير كنائسه وجوامعه وتراثه الحضاري وإفقار شعبه وتجويعه وتشريده وإزهاق أرواح مواطنيه وكسر معنوياتهم وصمودهم”
من الممكن سرد الكثير من أقوال غبطته , الا أنه من الملاحظ على أن غبطة البطرك يستخدم ممارسة النقل عن آخر في التعريف عن مواقفه السياسية , وهذا الآخر هو بشار الأسد .
هناك العديد من الأسئلة حول موقف البطرك , وأول هذه الأسئلة هو سؤال عام , فما هو دخل البطرك بالسياسة , ومن كلفه بتمثيل مسيحيي سوريا سياسيا ؟ , حيث أن أي مهمة سياسية تتنافى مع روحانيات غبطته , بشكل عام ليست السياسة من مهماته و بتدخله هذا يسيئ البطرك الى مكانته ورسالته , انه بهذا الانحياز للشر يتحول الى بوق وتقريبا الى شبيح , فهل يقبل المسيح أن يكون ممثله شبيحا ؟ .
البطرك قال ان مالدينا من ديموقراطية يكفينا , فهل هذا صحيح , وهل لدينا أصلا شيئ من الديموقراطية , وبناء عليه فلا حاجة لسؤال غبطته عن مضامين الديموقراطية , لقد برهن البطرك بحديثه عن الديموقراطية الكافية في سوريا على أنه لايعرف شرقه من غربه , ويعاني من الفقر المعرفي , هذا ناهيكم عن جفاف الثقافة في فكره , والمعذرة من هذا التقبيح لغبطته , الا أنه من غير الممكن أن تكون الصيغة أكثر تهذيبا , انه بالواقع جاهل تماما .
البطرك شدد على ضرورة الوقوف مع الدولة والقانون موجها كلامه للمعارضة , نعم كلنا مع الدولة وكلنا مع القانون , الا أن هناك فرق كبير بين السلطة والدولة , وهناك فرق كبير بين شرعية السلطة وشرعية الدولة وبين مصلحة السلطة ومصلحة الدولة ,فالدولة السورية بنظر البعث ناقصة الشرعية , لأن الدولة السورية بنظر البعث “قطر” أي جزء من كل ,والكل يتمثل بدولة عربية من المحيط الى الخليج , ثم ان هذا القطر هو من انتاج لاشرعية سايكس بيكو , الا أن شرعية الدولة المنتقصة ليست بذلك الأمر المهم جدا , شرعية السلطة التي تحكم هذه الدولة أو هذا القطر هي المهمة , وهي التي تستطيع اضفاء الشرعية على الدولة عند ازمان نقائص الدولة وعندما يصبح أمر القطر كدولة هو أمر واقع لايمكن التراجع عنه على الأقل آنيا , اننا مع الدولة السورية التي نعتبرها بالرغم من سايكس بيكو شرعية , الا اننا نعارض سلطة قوضت أركان هذه الدولة وخربتها وهدمتها ونشرت منظومة للفساد بها , من يهدم الدولة بالبراميل ليس المعارضة وانما السلطة , ومن يخرق القوانين ليست المعارضة وانما السلطة , لذا كان على بطرك الدولة وبطرك القانون أن يكون معارضا لمن يخرب الدولة ولمن لايحترم القانون , وفساد السلطة هو البرهان على عدم احترام هذه السلطة للقوانين , حتى للقوانين التي سنتها على مقاسها وبشكل يناسبها .
البطرك قال على أن الأسد منتخب شرعيا , وكيف يمكن لبطرك ان يقوم بمغالطة تاريخية من هذا النوع ,فكيف يمكن انتخاب الأسد دون انتخابات , فالاستفتاء هو أمر آخر , وقد كان على بطرك أن يعرف الفرق بين انتخاب واستفتاء , وما حدث مؤخرا هو بصيغته العامة “انتخاب” , الا أن انتخاب مزور وهزيل , ذلك لأن أكثر من نصف الشعب السوري يتواجد بين نازح ولاجئ , ثم ان التزوير كان السمة الأساسية لمهزلة الانتخاب , ولا أريد التوسع في بحث متطلبات الانتخاب لكي يصبح شرعي , هناك الى جانب التزوير عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين , هناك استخدام اعلام السلطة لترويج مرشح دون الآخر .., هناك حالة الخوف من الأمن والمخابرات , وهناك اضافة على ذلك عدم المنطقية بنتائج هذه المهزلة , لاتعرف أي دولة في العالم نتائج من نوع النتائج السورية , فالبلاد في حالة يرثى لها , والشعب يعطي صوته بنسبة ٨٨٪ لمرشح سبب هذه الحالة , أو على الأقل لم يكن بمقدوره تفادي هذه الحالة . في الاستفتاء السابق نال الأسد ٩٨٪ من الأصوات , ووالده نال ١٠٠٪ من الأصوات هل هذا معقول وها يوجد شبيه لذلك الا في كوريا الشمالية ؟.
أما عن المؤامرة فقد استحضر البطرك أقوال بشار الأسد وحتى أقاويل القذافي وأقاويل المالكي , واذا كان هدف المؤامرة التي يتخيلها غبطته تخريب سوريا , لذا يعتبر مخرب سوريا متآمر , , وهل أمرت المؤامرة الأسد بأن يكون فاسدا , ثم هل أمرته المؤامرة بأن يكون طائفي وأن يسلم البلاد الى قاسم سليماني وأن يأتي بالحرس الثوري الايراني وحزب الله لتقتيل الحلبية والحماصنة والدرعاوين والدمشقيين وغيرهم , من يبيدهم ويفقرهم هي السلطة .
لم يوفر البطرك الغرب متهما هذا الغرب بأنه يقوم الآن بحملة صليبية جديدة , ومن يتحدث عن “صليبية” الغرب هو بدون أي شك فاقد للعقل , فلولا الغرب “الصليبي” لحصد الجوع أرواح ملاين السوريين , ألف شكر للغرب الذي يؤمن بعض الغذاء لملايين اللاجئين خارج سوريا وملاين النازحين داخل سوريا , وألف شكر للغرب الذي يؤمن كل حاجات الحياة والاقامة للهاربين من ظلم وظلامم الأسد , فعائلةمؤلفة من خمسة أطفال ثم الأب والأم تنال في المانيا بيتا مؤلفا من ١٥٠ مترا مربعا على الأقل وتعويضا ماديا يصل الى حد ٤٠٠٠ يورو , اضافة البيت وأجوره والتدفئة والماء والكهرباء والعديد من المعلمين المتطوعين لمساعدة الأولاد في المدرسة , فمن بنى مدرسة في الزعتري كان الغرب , ومن يوزع صناديق المونة على السوريين هو الغرب , ليس فقط على النازحين وانما على كل مواطن سوري فقير , والغرب هو الذي أرغم الاسد بقرار من مجلس الأمن على السماح بادخال المساعدات الى الشعب السوري , لاحاجة هنا للاطالة فالأمر واضح , وأصلا لاحاجة للتعرض الى البطرك وثرثراته التي جلبت للمسيحيين أعظم الاشكاليات.
لقد راهن البطرك على مستقبل مسيحيي سوريا , ووضع المسيحيين في خانة السلطة , وذلك بالرغم من أنه لايوجد موقف “مسيحي” من السلطة أو من المعارضة , فأفراد الطائفة موزعين كل على هواه ورأيه على مختلف الفئات المتقاتلة في سوريا , وهناك أكثرية تلتزم الصمت , أما كان من الأفضل للطائفة لو أن غبطته التزم الصمت , ألا يستطيع غبطته تصور عواقب وضع المسيحية السورية في خانة الأسد بعد رحيل الأسد , وأي فائدة ينتظرها البطرك من الاسد لو بقي ؟ وكيف يتنكر البطرك للأسباب التي قادت الى هجرة المسيحيين وتناقص عددهم الى النصف في نصف القرن الماضي , هل ذهبوا للسياحة في اوروبا وأمريكا , أو أنهم هاجروا بحثا عن وطن , بعد أن سممت الأسدية الوطن وبالنهاية قضت عليه , ومن لايصدق عليه القاء نظرة على سوريا , نظرة عابرة تكفي للتأكد من أن سوريا الأسد هي سوريا الأنقاض !