السخرية وموجباتها

بقلم: الياس متري

لمن يريد السخرية من   الحال السوري- العراقي لهو مايريد من مواد تستحق السخرية ,ولا أظن  على  أن محاولة المقاربة, ولو مجازا  ومن باب السخرية, بين   الدولة الاسلامية بقيادة داعش والدولة  الأسدية بقيادة آل الأسد   أمر ناب  وتهريجي وخال من المنطق   , فالبعث يقترب من الداعشية في العديد من النقاط,وحتى  اسم “البعث” هو اسم  استنبطه البعثيون الاوائل من  حرصهم على  بعث أمجاد الامة العربية -الاسلامية الافتراضية  من جديد  , أي نقل   أمجاد الماضي الى الحاضر , وما هو الماضي ؟  انه  الخلافة  وأمراء المؤمنين  وبيت المال  والغلمان   وشعراء  السلطان ..الخ , وهاهو البغدادي  يعلنها خلافة اسلامية  وينصب نفسه خليفة  , ثم تأتيه المبايعات  من الولايات , انه الحاكم بأمر الله ,  والديموقراطية عنده زندقة  تستحق اقامة الحد كذلك أمر الحرية  , وعن الاشتراكية لالزوم   للحديث اطلاقا , كل ذلك من أمجاد الماضي  التي  عمل البعث على بعثها من جديد في الحاضر والمستقبل ,ولو  جزئيا  فقد حقق البغدادي  بعض احلام البعث  في  انعاش الماضي الخلافي من جديد  ,  وحتى في موضوع  توحيد  الشتات العربي -الاسلامي  فقد أنجز  البغدادي   أكثر مما أنجز البعث, وعن التطابق التام بين  نظرة البغدادي للحريات  وبين   تعامل البعث مع الحريات  فحدث ولا حرج , كلاهما  رافض للحريات  ولكل تبريره الخاص , أما الاشتراكية فهي كفر بنظر البغدادي  , وبفعل البعث تحقق العكس منها  ,  لايريدها البغدادي قطعا  , وهل ارادها البعث  يوما ما ؟

 اجترار الماضي  عند الداعشية والأسدية هو قول وفعل   , ولو بدأنا  بالأسدية  وما يرد في ادبياتها  من  مفردات وتعابير جديدة على اللغة  العربية  فاننا نجد اضافة الى مفردات  كالشبيحة  والمندس  مفردات أخرى ذات   أصل  خلافي  , مثلا يقال على أن الشعب “بايع ” الأسد  والمبايعة  أصلا  هي عملية  منشأها  الخلافة الاسلامية , والآن تتم مبايعة  البغدادي   بعد أن بايع ٨٨٪ من الشعب السوري بشار الأسد  لولاية جديدة  من سبع سنوات , وحتى مفردة “الولاية”  ذات أصل  خلافي  ,  لقد كان هناك أيام الخلفاء  “والي”  والأسد الآن في ولايته الثالثة  وأتباعه يريدونه الى الأبد  تماما كما  أراد  اتباع عمر وعلي   لأمير المؤمنين …الى الأبد ..الأسد أو لا أحد !!

وبالنسبة  لله  , فقد دوبل الأسد البغدادي من اليسار  ,فالبغدادي   خليفة بأمر الله  , أما الأسد فهو الله عز وجل   ..مطرح  مابتدوس بنصلي ونبوس , وعن الماديات  فهناك  تطابق بين  بيت المال أيام زمان  وبين  خزينة  الدولة  السورية  , الخليفة يأمر   ويأخذ مايريد  والخليفة العلوي بشار   الأسد  يأمر ويأخذ مايريد, وعن التوريث  فقد دوبل الأسد يزيد ابن معاوية   وأصبح العلوي بشار  أكثر سنية من يزيد , حيث كان من المنتظر والمنطقي   أن  يكون الحسين قدوة للأسد  وليس يزيد  , ولتفسير هذه المفارقة استنجدت بالشيخ الشيعي العراقي   أحمد  القبانجي  , الذي حاول تفسير هذه الظواهر    , الشيخ القبانجي قال على أن أصل العنف  عند السنة المتمثل اليوم بداعش  يعود   الى أنه طوال ١٤٠٠ سنة  كان أهل السنة بشكل عام أهل حكم  , لذلك ترسخ في عقيدتهم  مبدأ العنف  في التعامل مع الخصوم  , ذلك لأن منطق  الدولة  وبقاء الحاكم السني يتطلب ذلك  , والفقه السني يجد تبريرا لذلك , أما الشيعة فقد كانوا طوال هذه الفترة  “حزب معارضة”, ولم يتمكنوا  من الامساك بمقاليد  لفترة كافية تمنحهم  ثقافة عنف الدولة  , لذلك يصفهم الشيخ القبانجي  بأن لديهم ثقافة “قطاع الطرق”, أي أنهم يستخدمون العنف  بشكل محدود  لجني مكتسبات  آنية  تمنكهم من الاستمرار في البقاء  , السني برأي القبانجي يمارس العنف  بطريقة منهجية  ولا محدودة  , القبانجي يصف العنف السني  بالعنف” الاجرامي”  مقابل العنف الشيعي الذي يصفه القبانجي  بالعنف “القرصني” , والقبانجي يقول  ان من يحكم سيان ان كان  شيعي أو سني  فانه يحكم بعقلية السنة  والمنهجية الاجرامية  , ومن يعارض سيان ان كان شيعي أو سني  فانه يعارض بمنهجية القرصنة ! ..فرضيات جريئة   لا أعرف تماما مدى صحتها, وعلى أي حال  لايمكن تشخيص فلرق  أساسي بين  العنف الشيعي والعنف السني  , انه  بشكل عام عنف اسلامي  ولا يمكن أن يكون الانقاذ  بتبني الشيعية  أو تبني السنية   , والسعودية الوهابية ليست  غير ايران الخمينية .

البعث قائد الدولة والمجتمع , والاسلام ان كان سنيا أو شيعيا  هو قائد الدولة والمجتمع  , لامعارضة  عند الدواعش ولا معارضة عند الأسود ,  منظومة الدواعش ابدية   ومنظومة قيادة  الدولة والمجتمع في سوريا  كانت ولا تزال أبدية  أبدية وعمليا  بقيت المادة الثامنة سارية المفعول ,   لذا فانه من الصعب  اكتشاف فروق اساسية بين الداعشية و الأسدية ,مخزن واحتياطي  داعش البشري هم السنة  , مخزن  واحتياطي الأسدية البشري هم الشيعة  وروافدهم , وعن  الهلوسات  لافرق  فداعش  تستميت من أجل  عائشة   والأسدية وملحقاتها تستميت من أجل زينب , فأين هي الفروق الجوهرية بين  منظومة  داعش ومنظومة الأسود ؟؟.

 داعش شمولية  ومحتكرة للسلطة  بلغةالشريعة الدينية   , والأسدية شمولية ومحتكرة للسلطة  بلغة  شريعة الغاب  ,أهم  أهداف داعش  هي  حماية سلطة الخلافة , وأهم  أهداف الأسدية هو الدفاع عن سلطتها , ثم  النظرة العدمية  اللامسؤولة  متشابهة  ,  هل يعكر مزاج داعش  مقتل الناس   وتهديم البلاد ؟  وهل تعكر مزاج الأسدية من جراء مقتل الناس  وتهديم البلاد  … الأسد أو نحرق البلد  !

 ليس من المهم الآن  من يقف  وراء داعش ومن يمولها ويزودها بالمال والعقيدة  ويوفر لها السلاح  والذخيرة , كما أنه ليس من المهم من  يقف وراء الأسدية ويمولها ويزودها  بالذخيرة,  المهم   هي   النتيجة , والنتيجة كما نراها  بائسة جدا  ,  المسؤولية  الأعظم  في  هذه الكارثة  هي  مسؤولية البعث   المتأسلم   والاسلام   السياسي   المتبعثن ,  , ولو استمرت الأمور في سوريا  , كما كان الحال  ايام   الانتداب   الفرنسي   وكما   اراد   الانتداب    لسوريا   ان   تكون ,  لأصبحت سوريا  في مرتبة كوريا الجنوبية  ,   وكأنه مكتوب على هذه البلاد الشقاء   والابتلاء  بداء  الأسدية -الداعشية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *