الوطن المحروق والمسروق

  لنأخذ على سبيل المثال وليس الحصر   مدينة حمص   , فهل هناك شك  بأنها  محروقة  , وهل هناك شك بأنها مسروقة ؟  فالحريقة كانت  في اطار شعار  معلن  ..الأسد أو نحرق البلد , ولما  تزعزع الأسد في حمص ,  كانت الحريقة  النتيجة   المتوقعة , لقد أحرقوها ودمروها عن بكرة أبيها  , ولو يعد بها حجر على حجر  , وبعد حريقة برسم “التحرير”  أتت السرقة  , حيث لم يترك  المحررون   برادا أو غسالة أو  لوح رخام أو جرة غاز الا  وتملكوها  برسم  غنائم حرب . 

كل ذلك    عمره سنتين أو أكثر بقليل ,  فبعد  سنتين من الحصار  والتجويع    دخلت كتائب الأسد  ومعها  الشبيحة وجيش الدفاع الوطني والسوري القومي وأبو فضل العباس  ومرتزقة العراق الشيعية  وحماصنة  حي عكرمة والنزهة  في اطار اتفاق  تحت اشراف الأمم المتحدة   و بمشاركة ايران وروسيا  وأكملوا  سرقة  مالم تسرقه الجماعات المسلحة ,  والكثير من الحماصنة   قال  على أن ماتمت سرقته بعد التحرير  أكبر بكثير  مما تمت سرقته قبل التحرير,  حيث ان هؤلاء هرعوا الى مابقي من بيوتهم  مباشرة بعد رحيل الجماعات المسلحة وفي ذات اليوم , وقد  وجد   العديد منهم  اغراضهم وعفشهم   في  بيوتهم ,  اطمأنوا  وعادوا الى  امكان  نزوحهم   ليعودوا بعد يوم أو يومين  ليجدوا بيوتهم فارغة . 

على هذه العملية  تم اطلاق  اسم “التعفيش” ,  وهذه الكلمة  بهذا الاستعمال جديدة على اللغة العربية  , شأنها شأن  العديد من المفردات  التي ولدت في سياق  الحكم الأسدي  والثورة على هذا  الحكم , مثلا  كلمة  “شبيحة” ثم كلمة مندس , وكلمة منحبكجي   ومفردات أخرى مثا داعش وحالش ومالش ..الخ 

لقد تم توثيق عمليات التعفيش   بالصوت والصورة ,  ومن  يريد انكارها  يجب أن يكون من المعفشين  , لاسبيل  لانكار ذلك   في ظل  كميات هائلة من التسجيلات  والوثائق  , الا أنه من الضروري التنويه الى حقيقة   الا وهي  ,  وقوف رأس النظام ضد  عملية التعفيش , حيث   روجت  أجهزة السلطة  اشاعة مفادها  ان  كل الأدوات المنزلية  في البيوت مفخخة   وحذار من لمسها  أو محاولة نقلها  , للأسف لم تثمر   هذه الخطوة التخويفية  ايجابيا , وبدون أي  حرج أو خوف استمر التعفيش , ويقال على أنه مستمر  لحد الآن .

يقال الكثير حول التعفيش  ومبرراته , ومن  أكثر المقولات منطقية   اعتبار  العفش  غنيمةحرب   تباع في سوق الحرمية  ومن ريعها  ينال الشبيح  راتبه الشهري أو اليومي   , وذلك طمن اتفاق غير مكتوب بين الشبيح  ومعلمه  ,  هناك أيضا  عامل تعفن القيم في سوريا , حيث أصبحت السرقة شطارة  والسرقة نوع من ضمان مستقبل الأولاد , اذ لايقال  عن السارق على أنه سرق  ,وانما يقال على أنه استفاد  , وكيف  لاتنال الاستفادة (السرقة )   تأهيلها الاجتماعي الأخلاقي ؟  , عندما تكون السرقة هي  القاسم المشترك  لممارسات  الجهاز الحكومي  , وهل يوجد  موظف لايسرق  , ومن لايسرق  يسمى  أبله  .

لقد علمت السلطة المواطن   كيف يسرق  ووضعته بحالة  لاتستقيم الا مع السرقة , فالسرقة أم قسري  تحول الى طوعي , والانسان السوري تحول بالتطبع الى سارق , حيث أصبحت اللصوصية جزءا من طبيعته ,  والشبيحة ليسوا   أول  اللصوص ولا آخرهم  , الجهاز من  ادنى  الى أعلى موظف ومستخدم هو جهاز لصوص  , بحيث يمكن القول  على ان  الكارثة التي  قضت على المجتمع السوري  ليست الديكتاتورية  وانعدام الحرية  والعدالة الاجتماعية فقط  وليست  انحطاط الأخلاق , وانما  مقتل  أخلاق  وولادة أخلاق أخرى , وهذه الأخلاق الاخرى لاتستقيم مع  نمو وازدهار  مجتمع  تضامني تعاضدي  , فبين اللصوص لاوجود لعقد اجتماعي   يحرسه القانون  والقضاء  , هل هناك  قانون  في البلاد ؟؟ وهل هناك قضاء يحرس القانون في  هذه البلاد المندثرة ,  الاندثار هو استحقاق  تفرضه  بنية الفرد  ,  والفرد المبني بشكل  اجتماعي  لايسمح  لمجتمعه بالاندثار , وعلى مايبدو فان تربية نصف قرن من الزمن كانت كافية   لاغتيال  “اجتماعية ” الفرد  ومواطنيته أيضا  .  و لاوجود لوطن  بدون مواطن,  ومقتل المواطنية  يعني  بالنتيجة مقتل الوطن  .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *