يريد أن يناظر الأسد لكنه «لم يبلّغ» بذلك بعد… مرشّح شيوعي لاتحاد الجمهوريات السورية

بقلم: سليم البيك

 نحن الآن في موسم الأعراس الديمقراطية الممتدة من سوريا حتى مصر، وكي لا تكون أسطري هذه مجرد تكرار لمقالات عديدة كُتبت في انتقاد هذه الانتخابات في كلا البلدين، وتحديداً سوريا، وفي نقضها والسخرية منها كونها تحمل كافة الأسباب لذلك، ومعظمها أسباب ملحّة سيتعذّر المرور عنها، سأتناول هنا جزئيّة بسيطة تخص «يسارية» مرشّحين عن المعارضة.

نعم، أقول أن هنالك مرشّحين يساريين، وغاية حديثي هي المرشّح السوري ماهر حجّار العضو في «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» التي يقودها المعارض السوري الوزير في الحكومة قدري جميل، وهذه ميزة غرائبية لدى معارضات نظام الأسد، كأن تكون معارضاً ووزيراً في الوقت ذاته، أو أن تكون مرشّحاً للرئاسة ومنتخِباً للسيّد الرئيس بشار الأسد، وأن تترشّح لرئاسة سوريا ويخاطب برنامجك الانتخابي شعوب العالم المضطهدة، بالأخص منها شعوب أمريكا اللاتينية.

منذ اندلاع الثورة السورية، بل مجمل الثورات العربية، انكفأ اليساري «مشدوهاً» مما يحصل، فاتخذ موقف المتوجّس من مؤامرات إمبريالية (تكون حتماً أمريكية صهيونية رجعية عربية)، ومع الثورة السورية وسير تطوّرها خرج عن «انشداهه» داعماً النظام السوري منذ الأشهر الأولى من الثورة. اليوم مع كل التعقيدات بما فيها دخول الجماعات المتطرّفة (السنّية فقط لأن الشيعية منها علمانية ظاهراً وباطناً، ولعلّها ملحدة) ومع ارتماء المعارضات الرسمية في حضن أمريكا، صار لليسار الصدئ «مبرّرات» أكثر للوقوف مع النظام في حربه، فصار الأسد من حيث لا ندري الجامع الأكبر ليسار عربي وعالمي بائس. اليوم «إجاك الدور يا دكتور» كما كان يُقال، اليوم ماهر حجّار سيسحب كل هذه الجموع اليسارية من أحضان الأسد لأنّه المرشّح الشيوعي المنتظر للرئاسة، وهذا يبعث لديهم على أمل أن تصير سوريا جمهورية أشبه بالاتحاد السوفياتي، أي اتحادية (فدرالية) لمناطق كل من السنة والعلويين والأكراد والدروز… علماً أن الأسد هو الأحقّ بهذه الصنعة التي اشتغل عليها طويلاً وقد أثبت جدارته (مكمّلاً مسيرة والده) فيها.

الدعاية الانتخابية المعروضة لحجار على «الإخبارية السورية» لم تأت على ذكر السوري، أو أي من هموم السوري (ما قبل الثورة، فكيف الحال فيما بعدها!) وكان متقصّداً ألا يلعب في «حارة» الأسد، فحوَت الدعاية على مفردات كهذه: إرادة الشعوب، إرادة القطب الواحد، استفراد الولايات المتحدة، التحكّم بمصائر الشعوب، لم تجلب لشعوب العالم غير الحروب، قطب الشعوب، مواجهة الاستفراد الأمريكي، الأنظمة الثورية، أمريكا اللاتينية، دول البريكس، روسيا والصين، مواجهة القطب الأوحد، القيم الخالدة للبشرية.

السؤال هو: هل في ذلك ما يحمل اليسار العربي، السوري منه تحديداً كونه المنتخِب (دعنا لا نتوقّف عند هذه)، لترك الأحضان الخامنئيّة (وعبرها الأسديّة) والتوجّه لمرشّح يحكي ما يطيب لهم سماعه؟ خاصة وأن الخلفية الغنائية للدعاية كانت نشيد الأممية (ما غيره)!

حجّار نفسه ظهر على قناة «روسيا اليوم» قبل أيام في مقابلة لبرنامج «قصارى القول»، وفيه نعرف من بعض أجوبته طبيعة العلاقة بين المرشّحين، كأن يُسأل عن إمكانية إجراء مناظرة مع الأسد كأي مرشّحَين في العالم، فيجيب: «لم أُخبَّر بذلك». فوراً تلعثم الرجل وتلفّظ بكلمة غريبة أراد (غالباً) القول من خلالها أنه لم يتم الإيعاز له من قبل أجهزة الأمن بذلك، من غيرها سيفعل! على كل حال، أعاد مقدّم البرنامج طرح السؤال، ليجيب: «أنا مستعد لعرض خطي السياسي وبرنامجي الانتخابي أمام كل الشعب السوري، ربما والسيد الرئيس بشار الأسد هو من الشعب السوري». لم يجرؤ حتى على التلفّظ بكلمة «المناظرة» التي تشير إلى النديّة، بل سيعرض برنامجه بكل تهذيب وخنوع.

نحن هنا أمام رعب يعتري أحد المترشّحين متلعثماً في كلامه متجنّباً أي إشارة لأي مناظرة مع الأسد لسبب بسيط هو أن الجميع يعرف أن المرشّح الرئاسي هذا وعضو مجلس الشعب (المعارض) لن يستطيع أن يعترض بكلمة إن «أكلَ كفاً» من عنصر أمن أمّي يتمتّع بميزة الانتماء لطائفة الأسد حامي العلمانية والصديق الأوّل لليسار!

كيف يريد الأسد للمعارضة أن تكون؟

 «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، لنبتعد عن اليسار قليلاً كوننا نحكي عن حزب أقرب للفاشية، استلهم من الحركة النازية المبادئ والتحية وحتى اللوغو. هذا الحزب ممثل بالحكومة السورية، وهو أعلن دعمه لبشار في «المعركة الانتخابية»، والأهم أن لهذا الحزب مليشيات مقاتلة في صفّ جيش الأسد وبشكل معلن، لكن ورغم كل ذلك، لا تذكره قناة «سما» السورية إلا مرفقاً بصفة «المعارض».

أخيراً، رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» علي حيدر هو ذاته وزير المصالحة الوطنية في نظام الأسد.

هذه هي المعارضة التي يسمح بها نظام الأسد في سوريا، ولا يهم إن اتجهت يساراً أم يميناً طالما أنها تسير كيفما وأينما أراد النظام لها أن تسير.

شتيمة «اليساري» لحمدين

في مصر، هنالك مرشح قومي ناصري وغير يساري هو حمدين صباحي، لكن قناة «العربية» المحبّة للسيسي تصف صباحي في تقاريرها باليساري، وذلك من قبيل الدعاية الانتخابية التي تقدّمها للسيسي، لأن «يساري» أشبه بشتيمة في مجتمعاتنا المريضة، ولأن «البركة» في كثير من اليسار الذي جعل من هذه الصفة شتيمة.

مرشد المقاومة أحمد جبريل

إلى فلسطين. إلى تنظيم كان يوماً ضمن اليسار الفلسطيني وكان نشيد الأممية يُتلى عندها كلّ صباح قبل ثلاثة وأربعة عقود، وذلك قبل أن تشتري إيران جميع أسهمه ليكون الأمين العام «للجبهة الشعبية-القيادة العامة» أحمد جبريل الذراع الغدّارة التي يضرب بها نظام الأسد الفلسطينيين.

لذلك فهو الزعيم الفلسطيني الأكثر حضوراً على قناة «الميادين»، وآخرها كان في حوار خاص ضمن برنامج «حديث دمشق».

يبدأ الحوار بسؤال من المُحاوِر عن بيان للجبهة تقول فيه أن «الربيع العربي يشكل امتداداً للنكبة الأولى قبل ستة وستين عاما» ليجيب جبريل «بأننا لم نكن مرتاحين لأننا لم نكن نرى الشعارات السياسية بل كل ما هنالك الظلم والفساد والخ، شعارات داخلية».

يحكي عن الثورتين التونسية والمصرية، وصحيح كانت الشعارات مطلبية وهذا أصل كل ثورة بالمناسبة. ولا يمكن أن يطالب السيّد جبريل التونسيين والمصريين الفقراء الجائعين والعاطلين عن العمل والمهانين من أنظمتهم أن يتركوا كل ذلك ويشعلوا ثورة يطالبون فيها أن تفتح أنظمتهم النار على إسرائيل، وهو جالس في دمشق حيث لا هو ولا الأسد قادر أو راغب بفتح النار على إسرائيل، بل ويحرسها من أي معكّر للأمن المسيطر على الحدود. ثم هل كان لتنظيمه أي دور في الانتفاضة الثانية في الضفة وغزة؟ وهل له أي وجود داخل الأرض المحتلة أصلاً؟

في سياق المقابلة ينتقد جبريل المواقف الأولى لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» بخصوص «المشاكل في سوريا» ليستدرك المُحاوِر ويرد: «جاؤوا إلى هنا وقالوا أن مشكلة اليرموك كانت بسبب المسلحين». يقولها وكأنها غاية حضور الوفد الفلسطيني شاهد الزور، وكأنها خدمة أرادوا إسداءها للنظام السوري وبالتالي استحقّوا هذا الدفاع من القناة عبر موظّفها، وأهالي «اليرموك» يعرفون تماماً من جوّعهم وحاصرهم وقاتلهم وقصفهم.

يعرّجون على «حماس»، ولا بدّ من ذلك على هذه القناة، يسأل المُحاوِر: كلفتَ بعض رفاقكم بالتواصل مع حماس، ما الهدف من هذا التواصل؟» ليجيب جبريل وبكل جدّية: «لكي نبحث في كيفية أن يعودوا إلى المقاومة».

ليست مزحة، أحمد جبريل يريد أن يدلّ «حماس» على طريق المقاومة، كأن تقتل الفلسطينيين في «اليرموك» بالرصاص وتحاصرهم فيموتون جوعاً، هذه مقاومة أحمد جبريل و «معلمه» بشار الأسد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *