ثلاثية التقسيمية والطائفية والثأرية!

بقلم:طيب تيزيني

في مواجهة الأحداث الإجرامية الظلامية، التي أخذت طابعاً مأساوياً في سوريا، يطرح المرء تساؤلاً يعادل ما يواجهه العالم من مآسي وتدمير على عقود ومراحل زمنية مديدة قد لانستطيع الآن حسابها وضبطها. أما السبب وراء ذلك فلعله قائم على غياب النموذج، الذي نقيس ذلك عليه في تاريخ البشر المعروف حتى الآن. الأمر يتطلب القيام بجهود بحثية علمية، كي ننجز دراسات تستجيب لهذا المطلب، وسنلاحظ أن السنوات ، التي انقضت على وجود الحدث السوري، قد قدمت أمثلة هائلة فاقعة دلّلت على فساد الأطروحة التي قدمها فوكوياما حول نهاية التاريخ.ونشدد الآن على حدثين اثنين ضخمين جعلا الحدث المذكور (السوري) يشغل حيزاً عملاقاً بمقياس العالم، أما الحدث الأول، فتمثل في القول بأن سوريا مشكلة كونية مركّبة تشغل الدول والمجموعات، كما تتحرش بها بالمدافع والبراميل المتفجرة والطائرات والقنابل الكيميائية والسموم، وكذلك بالتجويع والموت جوعاً، هذا إذا لم نتحدث عن البشر الذين ماتوا في السجون تحت التعذيب.

أما الحدث الثاني، فيقدم نفسه بصيغة البرنامج أو البرامج التي يعمل على تنفيذها، فتبدو أن هذه البرامج تتكاثر وتتسع وتغطي حاجات جديدة للنظام، بعد أن دخل مدينة حمص وخرج منها، وعلى من يرغب في معرفة ذلك، عليه أن يعرف لماذا أخذ موظفون منه في المدينة إياها (حمص) وثائق ممتلكات المساكن والمحال والعقارات الأخرى التي هي ملك الدولة والمؤسسات التابعة لها! لقد علم السكان في حمص أن ما كان في حوزة هؤلاء، يُراد له أن يتحول إلى السكان الموالين. كيف ذلك ولماذا؟

كيف كنّا وكيف كان أصحاب المؤسسات كلها هناك ينظرون إلى مثل هذه الخطوة؟ القانون والعرف والمنظومة الأخلاقية، إن هذا جميعاً يحظر أية خطوة تتجه إلى الاعتداء على ما يملكه البشر، ويرون فيه جريمة يعاقب عليها. ولعل سؤالاً مهماً يرى فيه بعض آخر أنه بسيط، وأنه ذو سذاجة مفرطة، ويبرز في سؤاله التالي: هل تعتقد أيها السائل أن سرقة أموالك من قبل جارك أمر وارد ومناسب، خصوصاً حين يُعلمك إنه فعل ذلك لأنه قرر توسعة بيته، وإن لم يبق لك أنت شيئاً من ممتلكاتك؟ حين يعمل ذلك الجار على تجريدك من منزلك، ويعلن – على الصعيد النظري – إنه من دعاة المبشرين بالوحدة العربية، أي بوحدة البلدان العربية، فهل هناك وحدة عبر التمزيق، أم يتم ذلك عن طريق استباحة الطرف السوري لصالح الجميع!

لم يفهم السوريون الحماصنة أن توحيدهم مع الأقطار العربية يتم عن طريق سلب ممتلكاتهم في مدينتهم لصالح آخرين من بلدهم السوري، وربما كذلك من بلدان عربية أخرى. هذا ذلك كله يؤدي إلى نوع من العبث في الاستراتيجية الديموغرافية، يعني أنك لا تحمل نية طيبة لصالح الجميع. بتعبير آخر، إن وحدة الأرض السورية مبدأ كلي قاطع، يمكن تعميقه وتطويره وتوسيعه، ولكن لا يجري العبث فيه ومن موقع الجميع.

وإذا كنا قد وصلنا إلى أن السوريين شعب واحد، فإن الأصناف التي يتألف منها هذا الشعب كلما اتسعت أطيافه، انفتحت نوافذه بعضها على بعض، ومن ثم فإننا إذ رأينا الأطياف والنوافذ مفتوحة مُشرعة بعضها على بعض، فإن ذلك يعني أن الشعب الذي يحافظ على بنيته، سيحتفظ بحيويته البيولوجية والنفسية ليظهر ذلك في حقول العمل والإنتاج والثقافة والإبداع، وضمن حقلي الحضارة والتاريخ، إن تعددية الطوائف في الشعب الواحد وظهور النوافذ هنا وهناك، مع حضور شامل وعميق للجميع في أجواء مفعمة بالديموقراطية للجميع نعم، بقدر ما تكون المحاسبة الدقيقة والعادلة، إن ذلك كله من شأنه أن يصنع عالماً للجميع وبالجميع وعبْر الجميع.ولن تكون هنالك على أرض الواقع مصالحة، إن لم تتحقق العدالة لكل الذين ظُلموا بواحدة من الطرق التي تركت موتاً أو تشريداً أو ثأراً قاتلاً أو جروحاً وندوباً في النفس والجسد، إن اكتمال «ثلاثية العار» قد يكون عملاً معقداً طويلاً مؤلماً، ويتطلب إعادة للبناء يداً بيد مع كل من يصبو للعدالة والكرامة والحرية، أي مع الطامحين إلى استكمال الثورة في حقلها الذي يحميها ويعمقها – مع غيرها – في حياة الشعب السوري والشعوب العربية، إن استباحة الحرية والكرامة والعدالة تعني بالنسبة إلى الشعب السوري والشعوب العربية أن يتحقق ما افتقده هؤلاء جميعاً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *