الأسدية والفوضى الخلاقة !

بقلم  :مادلين بوزيوس

هناك من يروج   لحالة “الاستقرار”  وهناك من  يشك بمضامين   مفردة “الاستقرار”  , وهناك  من  يظن على أن هذه المفردة تمثل كلمة حق  يراد  بها باطل , وعلى  أي حال  فان  القصد من  هذه المفردة مشكوك به , وذلك لأن  من يروج له بشدة  هم  الاستبداديون والفاشلون   في أنظمة الديكتاتوريات ,  بينما  يظن  آخرون  على أن المقصد من  سياسة “الاستقرار” التي  تتبناها الديكتاتوريات ليس  الا  تدعيم   واستمرار وجود هذه الديكتاتوريات, هناك شرخ واسع بين المقصد اللغوي النبيل من هذه المفردة  وبين  المقصد السياسي  الكارثي من ذات المفردة.

دعونا نفكر  بخصوص  هذه المفردة سياسيا  , فالديكتاتوريات  المروجة   لصيغة الاستقرار , هي تلك النظم المتكلسة   , والغير قادرة على  تطوير المجتمع ومواجهة التحديات التنموية التي تواجه الشعوب ,نظم  غير قابلة للتصليح  , نظم فشلت  ,  ولجأت  الى  منهجية فرق تسد  وذلك  كمحاولة للبقاء والاستمرار  , وهذا  ما كرس الانتماءات الفئوية  على حساب الانتماء الوطني  , الديكتاتوريات تحاول  بواسطة منظومة “الاستقرار”  التمويه على انهيار مؤسسات المجتمع المدني  , ومن أجل “الاستقرارتمارس الديكتاتوريات الاضطهاد السياسي  , كما انها تبرر  مهادنة الطائفية اجتماعيا من أجل الاستقرار  وذلك لتحييد  هذه الطوائف.

يختلف مفهوم الاستقرار وعدم الاستقرار من مجتمع لآخر ومن  ديموقراطية الى ديكتاتورية  , ولما كانت الديكتاتورية في كامل أشكالها وصورها لاتعني أقل من  الاغتيال الجماعي للحريات  وانفلات الفساد  وممارسة الظام الاجتماعي  والعنصرية  والفئوية  , وبالتالي  الافقار  والذل  وامتهان كرامة المواطن  , لذا  فان   “الاستقرار” في الديكتاتوريات  يعني   الركود في الحضيض  اقتصاديا  وسياسيا  واجتماعيا , اما في الديموقراطيات  فيعني  الاستقرار   التوضع في مستوى عال   , الاستقرار في الديموقراطية   يمثل الجو المناسب  للتقدم  , بينما يمثل الاستقرار في الديكتاتورية  الجو المناسب  للتعفن  والتفسخ والانحلال.,

بما أنه  أنه لايمكن  قهر واذلال الشعوب  الى الأبد كما  يظن  البعض , لذا لم يكن من الصعب التنبؤ بحدوث حراك انقاذي , كان له أن ينقذ البلاد لو لم تتصدى له الديكتاتورية  محاولة اغتياله , كان للحراك أن يخلق  الحرية والديموقراطية  والعدالة الاجتماعية , والتصدي له  من قبل الديكتاتورية  خلق حالة يمكن  وصفها بالفوضى  , ومن هنا أتى  تعبير  الفوضى الخلاقة (رايتس ,ماخيافيلي) , فالفوضى الخلاقة  هي حالة  يسببها  عناد الديكتاتوريات , ولا علاقة  لرغبة الشعوب  بها أصلا , للشعوب مطالب محقة  والتنكر لهذه المطالب  هو  المسبب  لحالة  يمكن  وصفها مجازا بكلمة “فوضى” , وفي سياق هذه الحالة  يمكن خلق وضع يستقيم مع  مطالب الشعوب (الفوضى الخلاقة ) , والتاريخ  لايعرف في سياق الثورات , ان كانت الفرنسية أوالشيوعية  أو غيرهم !  الا  مرحلة  تتسم بنوع من الفوضى , حيث  يتم بعدها , في معظم الحالات ,ولادة حالة  تتصف  بالمزيد من  الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية .

الفوضى الخلاقة  هي وصف لحالة  وليست املاء لحالة  أو وضع , والفوضى الخلاقة  تمثل التنبؤ  بأوضاع مستقبلية وصيرورة موضوعية  كي  يتم  التعامل  المنتج مع هذه الصيرورات  , انها تصور لما يمكن أن يحدث , هي نوع من التخطيط   لتفادي التخبط  , ليست” تآمر ”  كما تتهمها الديكتاتوريات , التي لاتريد  أي حراك في مستنقعها, والأوضاع في  العديد من الدول العربية أو كل الدول العربية   برهنت  عن اخفاق الشعوب المستمر في أن  تحكم نفسها بنفسها (ديموقراطية) , واخفاق مستمر  للحكومات  في ادارة  عملية   الحداثة  والتقويم  والعصرنة , هناك احتقانات  انفجرت  بشكل ثورات , وهل يمكن في سياق  الصراع بين الثورة  والاستبداد  تفادي نوعا من الفوضى ؟.

الاضطرابات والتمردات والتظاهرات  والثورات هم انواع من عدم الاستقرار السياسي  , وعدم الاستقرار السياسي  هو أمر نسبي   لايخلو منه  مجتمع , وهو  أصلا دليل على وجود  نوع  من الحيوية في هذا المجتمع  , وكم عدم الاستقرار يتناسب طردا مع التناقضات  الموجودة في المجتمع  ,تناقضات تطفو على السطح , وقد يستمر الطفو على السطح عقودا , ففي الجمهورية الفرنسية الثالثة  دام ذلك سبعين عاما , وبالعودة الى الحالة السورية  لايمكن التنبؤ بأن التناقضات التي  تكونت  عن عمد وقصد خلال نصف قرن من الزمن  ستزول بعد نصف عقد من الزمن , ونحن الآن في السنة  الساخنة  العاشرة  بدون أي مؤشر  على قرب النهاية   ,وقبلها  كانت هناك حرب أهلية “باردة” لمدة أربعين سنة , عدم الاستقرار كمؤشر عن  التناقضات  متواجد ليس منذ عام ٢٠١١ وانما منذ عام ١٩٦٣  وبشكل  حاد  منذ عام ١٩٧٠  وبشكل لايطاق منذ عام ٢٠٠٠  .

الفوضى أو عدم الاستقرار  لم يولد  عام ٢٠١١ , وانما قبل ذلك  بالعديد من العقود ,الفوض أو عدم الاستقرار    هو مؤشر على عدم قدرة النظام على التعامل  مع الأزمات التي تواجهه  بنجاح , وعدم  قدرته على ادارة الصراعات , مما دفعه ومنذ البدء, الى استخدام العنف السياسي والعسكري   , والى العبث بالشرعية  واغتيال الفكر والحرية  , ولم تكن   ملابسات  توريث بشار الأسد الا عبثا بالشرعية  , ولم تكن ممارسات بشار الأسد بعد عام ٢٠٠٠ الا اغتيالا للحرية  , ولم  يكن نصف الفرن الماضي  الا مستنقعا نمى به التوحش  والفئوية والعنصرية والطائفية  واغتيال المواطنية  والفساد  وتحويل البلاد الى مزرعة والشعب الى قطيع , وبناء على ذلك فان الانفجار الذي حصل  حتمي , والفوضى بعد الانفجار  أكثر حتمية,  وولادةعهد جديد  في خلال هذه الفوضى ذو حتمية مطلقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *