النصر سياسيا في اللانصر واللاهزيمة عسكريا

بقلم :نبيهة حنا

لم يولد العنف في سوريا  , , العنف  ولد  مع التاريخ البشري , فالانسان الى جانب كونه ذو عقل  وفكر ورقي  وعاطفة  , الا انه عنيف  ويمارس العنف  وللعنف أحقيته  في  الكثير من الحالات , للعنف ضرورته في حالات عديدة  , ومن يقرأ كتاب المفكر والفيلسوف الجزائري  فرانز فانون ” معذبو الأرض”    يستطيع الاستئناس  بالعديد من الأفكار  التي ركزها فانون على العلاقة بين الاستعمار وشعوب المستعمرات  , لقد مات فانون قبل حوالي  ٥٠ عاما   ولم يكن  بوسعه  مواكبة تطور العلاقة بين  الشعوب المقهورة   وبين  السلطات الداخلية  في هذه الدول   , لقد ولد  في  تلك السنين  وخاصة بعد  الحرب العالمية الثانية  وبعد  حروب الاستقلال,   نوع جديد من الامبريالية يسمى الامبريالية الداخلية أو الاستعمار الداخلي  , الذي  يتسم  بكم من  الشرور  تفوق كم شرور الاستعمار الخارجي  , ونظرة  الى فلسطين   ومقارنتها بسوريا  توضح هذه النقطة المؤلمة .

اتسمت  الحالة الفلسطينية  بالمجازر فهناك دير  ياسين  وكفر قاسم عام ١٩٤٨ , وهناك  صبرا وشاتيلا  ١٩٨٢ , وهناك  جينين ٢٠٠١ ,  وقد كان شعورنا  على أن هذه المجازر  تمثل قمة التوحش الاسرائيلي , الذي لم يسبقه توحش مماثل  ,  وخيالنا لم يكن قادرا  على تصور توحش  أفدح من التوحش الاسرائيلي  , الى أن  برهن السوري  بشار الأسد   عن قصور تصوراتنا , لقد  برهن عن تفوق  هائل في مجال التوحش  ,  ففي  مجزرة دير ياسين   قتلت العصابات الصهيونية  أقل من ١٣٠ فلسطيني , اما بشار الأسد  فيقتل  منذ أكثر من ثلاثة سنوات يوميا أكثر من ١٣٠  سوري , وحتى صبرا وشاتيلا  لايصمدان توحشا  أمام  توحش السلطة السورية , والأمر لايعود فقط الى  امكانية رؤية   كل حدث   بواسطة وسائل الاعلام  التي لم تكن موجودة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي , أي أن الأمر ليس خدعة بصرية  , وانما  الأمر  يمثل واقع توحش   يفوق  توحش الماضي كما وكيفا .

في العديد  من الدول  والمجتمعات  تطورت  وحشية  الحكام المحليين  مثل القذافي والاسد وصدام وغيرهم   الى حد يسمح  بالقول  على أن هؤلاء الحكام يمثلون  مايسمى  “امبريالية داخلية ” ,  ولو تثنى لفرانز فانون  مواكبة تطورات الربيع العربي  , لشجع على  ممارسة العنف  ضد  الاستعمار الداخلي  ولشجع  على  ممارسة التدخل الخارجي لنصرة الشعوب , ولما تردد  لحظة في المطالبة بتدخل  أمريكي أو أوروبي عسكري في سوريا    في اطار المادة السابعة أو  خارج اطار هذه المادة , الحرب ضد المستبد هي حرب تحريرية .

الاستعمار الداخلي  طور نفسه خارجيا , أي أن  سلطة داخلية   مارقة  وفاقدة للشرعية ومغتصبة وقاتلة  ومارسة للعنف  العاري والمفتوح والهمجي  والشامل   تحولت الى استعمار  يجب مقارنته  بالاستعمار الخارجي  لابل أسوء من الاستعمار الخارجي , ومن النادر  أن ينجح مشروع التحرر من الاستبداد دون القوة والعنف  , فالشعب الأعزل نسبيا  لايملك  من الوسائل  مايمكنه من  قهر  هذا الاستعمار  , الشعب الأعزل  سيتأرجح في أحسن الأحوال  مابين اللانصر  واللاهزيمة عسكربا ,  وانتصاره الأخلاقي  والسياسي   قليل الفائدة  , لأن الاستعمار الداخلي المتوحش  لا يتوان عن  استخدام أي وسيلة  لقهر الشعب  والحاق الهزيمة به ..الأسد أو نحرق البلد , أي أن احراق البلد من أجل الأسد  هو عبارة عن معادلة  لاغبار عليها ,  وعنده من القابلية النفسية والسياسية والأخلاقية مايكفي لتطبيقها .

  اسقاط انظمة الاستبداد ضروري لمن يريد  الحياة بحرية , وقد تفوق ضرورته ضرورة  التحرر من الاستعمار , واذا تطلب التحرر من الاستعمار ممارسة العنف , وهذا العنف مشروع  , فان  شرعية  استخدام  العنف  لاسقاط انظمة  الاستبداد  أعلى من شرعية ممارسة  العنف ضد الاستعمار الخارجي , والسلطة فاقدة الشرعية حولت نفسها الى  عامل خارجي  , حيث تجوز  مقاومتها بعامل خارجي آخر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *