لا فرق بين سيارات الموت المفخخة والبراميل المتفجرة. كل منهما يرمي إلى قتل أكبر عدد ممكن من “الأعداء”. الأعداء ليسوا مقاتلين فقط. هم أيضاً غير مقاتلين، وأطفال ونساء ومسنون. في كل سيارات الموت وبراميله الهدف هو القتل من دون مواجهة قتالية، مثل الطائرات الأميركية من دون طيار التي تُوجَّه من فلوريدا أو نيفادا، مع فارق التكنولوجيا. في كل من هذه “الأسلحة” المبتكرة تظل الإبادة هي السمة البارزة والأضرار الجانبية هي الأساس. الفرق في المصدر، هذا تكفيري وهذا نظام. هذا إرهابي وهذا يجد في الحرب العالمية ضد الإرهاب ملاذاً. يتقاتل النظام مع الثورة المضادة، بينما الثورة الحقيقية، وهي الناس في اعتراضاتهم واحتجاجاتهم، موضوعة كمّ مهمل. يخاف الناس في أكثريتهم من هذا وذاك؛ ربما عادوا إلى تفضيل الاستبداد، مع الإجرام، على الإجرام مع عدم الاستقرار. ربما كان الأخضر الإبراهيمي في جنيف هو الممثل الوحيد للناس، وهم في أكثريتهم يريدون الخلاص من الحرب الأهلية بأي ثمن. في الحرب الأهلية يكون العدو هو من يختلف معك في الرأي أو المذهب أو العقيدة. وكل ذلك يخضع لمقتضيات الصراع على السلطة. وهل من سلطة تستحق كل هذا العناء والعذاب والقتل والتشريد؟ الفريقان المتصارعان على السلطة سقطا تاريخياً في أرجاء الأمة العربية. واحدهما سقط مع سقوط مبدأ الاستبداد وهيبته، والآخر سقط مع سقوط الإسلام السياسي وجبروته. فلول كل منهما تتصارع في المشرق وليس لها برنامج أو أفكار أو رؤية. لا أفكار في الحرب الأهلية، بل كره وحقد يوجّه كلاً من الطرفين. هي فاشية معكوسة. تعتمد الفاشية على تجييش الناس لأهداف ضد مصالحهم كي يستتبعوا زعيماً يعتقد أنه يحتوي الجماهير في كيانه الفردي الشخصي. في هذه الحالة يستبعد الناس بالكامل كي يتفرغ هذا الفريق أو ذاك للقتال وحرب الإبادة. لا شأن لأمثالنا بالتفاصيل. مهما تغيّرت اليوم، سيأتي غيرها معاكساً في الغد. في الحرب الأهلية لا ينتصر فريق على آخر. يخرج منها من أعياه القتال وأضعف قواه. تبقى النفوس كما هي. يضاف إلى ذلك أن الحرب الأهلية تولد ضغائن لم تكن موجودة، وعند من لم يكن يريدها، أي هذه الضغائن. كل ما نسمعه عن انتصارات في هذه المنطقة أو تلك، في هذا الحي أو ذاك، مما يؤدي إلى مزاعم الفرقاء بقرب الانتصار النهائي، سبق أن سمعناه في الحرب الأهلية اللبنانية التي لم تنته إلا باتفاق سياسي. يرفع هؤلاء شعار الإرهاب ضد خصومهم، وهؤلاء شعار التكفير ضد خصومهم كي لا يتوصلا إلى تسوية. الشعاران بطبيعتهما يستدعيان مزيداً من القتال لا التسوية. صار ضرورياً وضع الشعارين جانباً من أجل التسوية، فهل يستطيع أي من الفريقين الخروج من منطقه الذاتي؟ هل يستطيع أي منهما التخلي عمّا جعل الشعار المرفوع جوهر تفكيره ومرجعه؟ يتطلب الأمر نظراً إلى الذات؛ إشاحة النظر عن الآخر ولو مؤقتاً لمراجعة التفكير وأسسه، علّ ذلك يؤدي إلى الخروج باستنتاجات غير التكفير وغير الإرهاب. دعاة التكفير ليسوا أبرياء منه، ودعاة الحرب على الإرهاب ليسوا أبرياء منه. الطرفان تكفيريون وإرهابيون في آن معاً. تستدعي الفاشية ادعاء إلغاء تناقضات المجتمع وضمها في وحدة متناسقة متمثلة بالحاكم وحزبه ومؤسسات دولته. وهذا يعني إلغاء دور المجتمع بعد إذابته في الكل المزعوم. أما هنا فإن ما يحدث هو إلغاء دور المجتمع بعد أن ادعى كل فريق أنه هو وحده من يمثله ويستوعبه. فاشية معكوسة تقود إلى النتائج ذاتها. تعددت الأسباب والموت واحد.