لايمكن القول على ان هناك وضعا سوريا يمكن أن يكون أسوء من الوضع الحالي , لذا فان أي حل سيكون أفضل من الانحلال الذي تقدمه الحالة السورية الآن , وانطلاقا من الآمال المتواضعة جدا بما يخص مستقبل سوريا , يجب بحث كل الاحتمالات وخاصة أكثر هذه الاحتمالات منطقية وقابلية للتحقيق ,
اولا يجب الاعتراف بأن سوريا دولة فاشلة , أو يجب أن تفشل , ذلك لأن عمر هذا الكيان الذي كان له أن يصبح دولة قصير نسبيا والجزء الأقصر من عمر هذا الكيان عرف بداية تأسيس دولة , بينما الجزء الأطول من عمر هذا الكيان , أي منذ عام ١٩٥٨ والى هذه اللحظة , لايعرف الا عملية واحدة , وهذه العملية هي عملية تقويض الدولة الناشئة وتهديمها , الى أن وصل الوضع الى تدميرها ماديا وسياسيا واجتماعيا , والوسائل التي تم استخدامها في عملية اعادة سوريا الى مجتمع الجماعات والعشائر والطوائف معروفة عند الجميع ولا بأس من ذكر بعضها .
عندما كان عمر الدولة ١٢ عاما أي في عمر الأطفال , أتى ناصر وحول الدولة الى مستعمرة مصرية , ثم قضى على البنية السياسية لهذه الدولة عن طريق حله للأحزاب ومنع نشاطها , أي انه بكلمة أخرى أبعد الوطن عن المواطن , لأنه لاوجود للمواطن, الذي لايتفاعل سياسيا مع مجتمعه , هنا يمكن القول على سبيل المثال بأن المسيحي الغير موجود على الخارطة السياسية غير موجود في الوطن , وهذا الأمر ينطبق على كل مكونات المجتمع السوري , التي تم تجريدها من خاصة “المواطنة” , والبلاء لم يتوقف عند ناصر بل اشتد ضراوة بعد عام ١٩٦٣ , وبلغ قمته في عام ١٩٧٠ , ثم ذروة لايمكن تصور كارثية أفظع من كارثيتها بعد عام ٢٠٠٠ والى الآن
.ففي المجال السياسي سيطر الحزب الواحد والعقل الواحد والديكتاتور الواحد , وقبل الديكتاتور الواحد كانت الطائفة الواحدة , الى أن بلغ الأمر في البلاد حالة لايمكن تصور أسوء منها , حيث برهنت الفاشية السورية الأسدية على أنها لاتحتمل الأحياء من الشعب , لقد ارادت الموت للجميع , وعمليا مات الجميع , منهم من مات في الزنزانة , ومنهم من مات في الحرب ..ومنهم من مات من الجوع ..ومنهم ماتت كرامة , وكلهم ترملوا وتثكلوا بعد موت حريتهم , الموت واحد مهما تعددت الأسباب .
لقد تم الاجهاز على المجتمع ضمانا لبقاء مؤسسة الأسد , التي احتوت الدولة واحتوت الحزب وحولت الدولة الى مؤسسة ريعية , والريع ذهب الى جيوب الأسود , هيمنت الأسدية على كل شيئ , من الاعلام الى المنابر الدينية , وتمت التعبئة لممارسة البطش الغير مسبوق تاريخيا , وأخيرا بعد تأميم سوريا تم تنصيب الصنم ماله , وأطلق اسم سوريا الأسد على الوطن …اسم على مسمى !!.
أصبح الولاء للصنم معيارا للوطنية , لابل تطور الوضع لما هو أسوء , فالأسدية استحضرت وصمة الارهاب وأسست محاكم الارهاب وتنكرت للالتزامات القانونية والضوابط الأخلاقية , التي مهدت الطريق الى تبرير الفتك البربري بكل من لايريد الصلاة على “دوسة” الأسد, ومن لايريد تقبيل هذه “الدوسة ”
أما اما الوضع الاجتماعي فقد أصبح حاضن للفشل بامتياز , لقد قيد المجتمع السوري ذو التلاحم الهش الى مذبحة التشرذم والانقسام , فالطائفية الكامنة والمرفوضة من الجميع أصبحت ظاهرة وتحولت الى أساس التلاحم بين فئات المجتمع , أي أنها ألغت التلاحم عمليا , هناك العلوي والمسيحي والسني وغيرهم , والعلويون يريدون الهيمنة والاستبداد والاستغلال , واذا تم رفض ذلك من أي جهة كانت ,يهددون باحراق الوطن , وفعلا تم احراق هذا الوطن من أجل الأسد الى الأبد , ذلك لأنهم يعتقدون على أنه لايوجد عبقري كالأسد يستطيع ادارةالبلد , اما الأسد أو لا أحد , تلك هي الشعارات والمبادئ “القطعية” التي قطعت كل صلة تعاونية وايجابية بين مكونات الشعب السوري , الذي لم يعد في ظل هذه الشعارات التي تطبق بحذافيرها “شعبا” وانما مجموعات يسيطر بعضها على البعض الآخر باستعمارية وبربرية وعنصرية لامثيل لها في التاريخ , وكيف لاتفشل دولة تطورت بهذا الشكل ؟ , ان الفشل هو استحقاق سوري بامتياز , فالدولة هي أرض وشعب وبقعة من الأرض , فلا الشعب بقي شعبا وانما تحول الى العديد من الشعوب , ولا البقعة بقيت بقعة , وانما تحولت الى عشرات البقع , لذا فانه ليس من الغريب القول على أن تفكيك سوريا أصبح واقعا لاينقصه الا الاعلان عنه رسميا , انه ليس مؤامرة , وانما تجاهله هو المؤامرة .
أما اقتصاديا فقد تفككت البلاد عمليا , وأصبح ٥٪ من السوريين يملكون٩٥٪ من الثروة الوطنية , ومن بين الأقلية المالكة لكل شيئ عائلة الأسد التي تملك بين رئيس وأخ وأقرباء وأعمام وأخوال وغيرهم أكثر من ١٦٠ مليار دولار , والشيء الوحيد الذي يعرف النمو في سوريا هي ثروة الأسد , دخل الفرد كقيمة شرائية تدنى الى الخمس والميزانيةالسورية لاتزال منذ سنين بحجمها المعتاد من ١٦ مليار دولار , الا أنها تناقصت عمليا بفعل تزايد السرقات , اقتصاديا تحولت البلاد عمليا الى مزرعة , هناك الاقطاعي وهناك الفلاح , والكل يفلح ويكدح من أجل المعلم , الذي تحول الى القاضي الأعلى الذي يحكم بشرعية الغاب , ومن يستطيع منع آصف شوكت من تملك أي عقار في مدينة طرطوس ؟ وعن رامي مخلوف وغيره فحدث ولا حرج , املاكهم لاتقتصر على الحجر , وانما البشر أيضا , عندما يشتهي هلال الأسد صبية جميلة في اللاذقية يأخذها وعنما يمل من مناكحتها يقتلها ويرميها على المزبلة , وكذلك كان رفعت وغيره.
العدالة الاجتماعية هي أساس تماسك الدولة , وبدون عدالة اجتماعية تنفرط هذه الدولة الى مكوناتها التي آلت اليها وهي مكون السارق ومكون المسروق , مكون الظالم ومكون المظلوم . ..الخ , ودولة وصلت الى هذه الدرجة من الانحلال جديرة بالفشل , الذي أصبح استحقاقا سوريا بامتياز .
مانشاهده الآن من تقتيل وصل الى مئات الألوف ومن تدمير وصل الى أكثر من ٦٠٪ من البنيةالتحتية السورية ومن تهجير أصاب نصف سكان سوريا على الأقل ومن افقار أصاب ٧٠٪ من الشعب السوري ومن حرب لاتعرف الا البربرية , ليس الا اعراض للتفكيك الواقعي والذي تستحقه هذه البلاد, والذي يجب اعلانه والتعايش معه بايجابية , فلا ربط كل حل برحيل الأسد واقعي , ذلك لأن الأسد رحل ولم يعد له وجود في سوريا , انه يجلس على شظية من شظايا سوريا المتفككة والمشرذمة , وهو يحكم نظريا من دمشق وعمليا من القرداحة , اتركوه لمريديه لكي يتعلموا من التجربة معه , فالفرق كبير جدا بين ديكتاتورية الطائفة بالشراكة مع العائلة , وبين ديكتاتورية الأسد على الطائفة, اذ سوف لن ينقض زمن طويل حتى تتعرف الطائفة بشكل مرير على من وقفت ورائه وأحرقت البلاد من أجله .
من ينظر الى يوغوسلافيا الآن يرتاح لتقسيم سوريا الى ثلاثة دول , أصغرهم أكبر من لبنان , ويرتاح أيضا من البعث ومن القومية العربية والوحدة والحرية ثم الاشتراكية , من سيرتاح في اوطان جديدة هم مسيحيو سوريا , لأانه لامكان لهم على الخريطة السياسية , وأوطانهم سوف تكون في أوربا وليس عند العلويين أو السنة أو الأكراد ……..
كان الأمر سياسيا كما تم عرضه بشكل مختصر جدا , وتطور سياسي بالشكل السوري لايمكن له الا أن يقود الى فشل الدولة , وبالتالي فان فشل الدولة السوري هو استحقاق سوري بامتياز , ولايمكن لدولة تسير في الطريق الذي اسرت به سوريا الا أن تفشل .