حول أهمية و خطورة ” نعوات سورية ”

بقلم:فراس سعد

ميشيل كيلو يكشف المرض السوري والمرضى يتهمونه بأمراضهم ؟! 

يجب أن نفهم تناول الأستاذ ميشيل كيلو من ناحية واقعية تكشف عن أزمة ترييف المدن السورية و تحطيم العلمانية و المدنيّة الليبرالية لسورية العريقة. إنها ثورة المدينة التي كانت منظّمة و مسالمة على الريف البدوي الفوضوي, و على الوحشية المنفلتة من عقالها بعد تقوقع ذاتي و موضوعي استمرّ قرون.

-مقال الأستاذ ميشيل كيلو الوطني السوري الكبير بعنوان:” نعوات سورية ” يعالج ثلاث مسائل:

الأولى مسألة استئثار طائفة سورية بالسلطة على حساب بقية الطوائف و المجموعات السورية, و هذا يطرح مسألة توزيع السلطة و الثروة.

الثانية مسألة استيلاء قوى الترييف و البداوة و منها هذه الطائفة على المدينة, و إلغاء المدينة بما يعني ذلك من تهميش المدينة و إفقارها و من ثم إلغاءها للحالة المدنيّة و العلمانية و لاحقاً إلغاء للدولة و الوطن, كما في الصراع التاريخي بين الريفي و المديني ثقافة الزراعة و الاستقرار الحضري, و ثقافة البداوة و الرعي واللاستقرار.

الثالثة مسألة القطيعة الاجتماعية المفتعلة بين الطوائف على أساس المبدأ الاستعماري الإنكليزي سئ الصيت      ” فرّق تسد”.

– نستطيع أن نفهم, عسكرة المتحد الريفي الساحلي خصوصاً و تحويله من متحد اجتماعي تابع و عبد – كما كان و لا يزال يشعر بعض أبناء هذا المتحد – إلى متحد قائد و سيد لكل المتحدات السورية الأخرى, تحويله من متحد آمن إلى متحد أمني, نفهم أيضاً عسكرة المدينة و الوطن و هو أسلوب شمولي ستاليني مارسه صدام حسين في العراق و كيم أيل سونغ في كوريا الشمالية…

– ميشيل كيلو ينعي المجتمع السوري الذي حوله العقل الشمولي البعثي و لاحقاً المافيا و المخابرات إلى كانتونات طائفية و عنصرية سوّرتها بالأسلاك الشائكة, لتمنع أي لقاء أو تفاعل مهما كان بسيطاً و لا سياسي لدرجة أنها كانت تتحكم أحياناً بالزواج بين أبناء القرى المتجاورة فكيف بين الطوائف المتحاربة ثقافياً و عقائدياً ؟!

– لقد قصّر الكتاب و” المثقفون  الساحليون – العلويون خصوصاً-” في نقد متحدهم و لذلك سوف نجد من يتناول هذه المجموعة السورية بالنقد و هذا حق لكل سوري, فمن لا ينقد طائفته أو ذاته و يعلن عن الأخطاء و الأزمات سينقده الآخرون – من هم خارج المجموعة أو خارج الذات – في حين لم يوفر الكثير من الكتّاب ممّن ينتمون إلى المجموعة السنيّة تاريخ الإسلام و السنّة على وجه التحديد فشرّحوها تشريحاً غاية في الصدق دون عقد وحساسيات من الآخر و بصراحة عالية يحسدوا عليها.

– تشريح الأستاذ ميشيل كيلو هو تشريح اجتماعي سياسي بامتياز و إن خالطه شيء من الذاتية الأقرب إلى عالم الأدب و الاعترافات.

– مشكلة الريف الساحلي العلوي  أنه ضائع بين ثقافة و أخلاق الريف و بين أخلاق المدينة, حالة وسطى, لا هو ريفي تماماً و لا هو يستطيع أن يكون مدينياً, ربما احتاج الأمر لقرن آخر تحسم فيه الأمور بحيث تأتي المدينة إلى الريف الساحلي طالما أن الريفي لم يستطع أن يتحول إلى مديني رغم سكنه في المدينة منذ ما يقرب الخمسة و الستون عاماً. المدينة تقترب فعلاً من الريف هذا ما نجده في زحف مدينة اللاذقية باتجاه الريف, هكذا بعد عقود ستتحول أطراف المدينة الساحلية إلى مسقط رأس و روح الريفي فيدفن موتاه فيها دون حاجة لتسفيرهم إلى القرى التي لم يعرفوها إلا بالصور العائلية ليدفنوا بالقرب من الأسلاف.

حول منتقدي المقال: أخصّ بالذكر السيد نضال نعيسة:

– لو كان كاتب مقال ” نعوات سورية ” كاتب ينتمي إلى المجموعة الريفية في الساحل السوري هل كان أثار هذه الحساسية الكبيرة عند السيد نعيسة ؟

– لا بد من تذكير البعض أن السلطة هي التي حولت سورية إلى كانتونات و غيتوات منعزلة و هي التي عسكرت الوطن و حولت طائفة بحالها إلى مجمع أمني مخابراتي عسكري و ليس ميشيل كيلو من فعل ذلك, فهل نحاسب الرجل على ما لم يقترفه بدل أن نشكره على كشفه الحقيقة كتابةً ؟ أليس هذا ” تفكير” مخابراتي بوليسي ؟

– لماذا نخاف من تحويل ما نتداوله شفاهةً إلى نص مكتوب ؟ ثم نقول للرجل إنه تجاوز الخطوط الحمر؟ لماذا العداء للكتابة الحقيقية الكاشفة ؟ ربما اعتاد البعض على كتابة كل شئ بغزارة منقطعة النظير و حشو لا سابق له.

– إن ميشيل كيلو يصف الواقع فقط, السلطة دمّرت المجتمع ومارست التمييز العنصري الطائفي, الرجل يقول ببساطة ما يعرفه الجميع و ما يتحدثون به علناً و سراً بما فيه أبناء الساحل المحسوبين على المعارضة أو الرافضين لهذا الوضع غير الطبيعي.

– الغريب أن تواجه مقالاً يكشف الواقع السوري بهذه الحساسية و السلبية التي تقترب من الأمراض القندهارية.

– لماذا تخاف من كشف الواقع ؟ لماذا تخشى الحقيقة ؟ ألست مواطناً سورياً يعيش هذا الواقع أم أنك فوق الواقع وخارجه و هو لا يعنيك؟

– إذا كان واقعنا لا يعنيك فلماذا هذه الحساسية و هذه المقالات الاتهامية ليس لميشيل بل للمعارضة السورية كلها ؟ و إذا كان هذا الواقع السوري السيئ يعنيك فالواجب أن تتقبّل ما يكتب عنه و تساهم في كشف سيئاته و أمراضه و تشارك في وضع الحلول و لا نعتقد أنك باجتهادك اليومي في الكتابة عاجز أو قاصر عن ذلك.

– أما إذا كان هذا الواقع السوري يعجبك أو كنت مستفيداً منه فهذا أمر يبرّر تحسسك من كل من يفضحه, نتمنى ألا يكون الأمر كذلك.

– من أراد أن يتناول الأبحاث و المقالات المعنية بالشأن الفئوي السياسي في سورية بشكل طائفي فردي فهذا شأنه, لكننا ندعو الجميع لتناول مسائل التمييز العنصري الطائفي الفئوي المناطقي الجهوي الحزبي تناولاً اجتماعياً سياسياً وطنياً.

خاتمة:

 نعتقد أن تعميق الخصومات الطائفية و الفرز الفئوي و الجهوي يعمّق أزمة المجتمع السوري, و نحن نزعم أن سورية لن تسقط تلقائياً في حرب أهلية, لكن بفعل فاعل, و مع سبق الإصرار و الترصّد, علينا أن نكشف أمراضنا بأيدينا و بطريقتنا نحن, لا أن ننتظر الغرباء ليفعلوا ذلك و حينها سينكشف الجميع دفعة واحدة و حينها ربما لا مفر من الحرب الأهلية, تعالوا نكشف أمراضنا بالتدريج و بهدوء, للشمس و العقل فنعالجها بهدوء ومحبة دون ضجيج أو خوف أو أحقاد.

  الخوف على سورية من أبناءها الجبناء الذين لا يريدون رؤية الحقيقة أو الذين يرونها لكن يخافون الحديث عنها و يتهمون من يكشفها بتجاوز الخطوط الحمر و يحرّضون أجهزة المخابرات على اعتقالهم. الخوف من هؤلاء وليس من شئ أو أحد آخر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *