القوى التي تدافع عن النظام السوري: البنى والتشكيلات

بقلم :جود حسون 

خلال عامين ونصف منذ قيام الثورة السورية وبدء المواجهات العسكرية في مختلف مناطق البلاد، غيّر النظام السوري في أسلوبية بناء القوى النظامية والفصائل المسلحة المقاتلة معه ومواقع تمركزها وخطط انتشارها. فما بدأه من نشرٍ لقطع معيّنة من الجيش النظامي في عددٍ من المحافظات، اختلف بشكلٍ شبه تام مع تطورات الأحداث.

ويتضح من مجمل المعارك الكبرى التي دارت على الأراضي السورية، أن الدورَ الأهمّ بالنسبة للنظام كان دور الجيش العربي السوري، باعتبار أن تشكيلاته هي الأكثرُ عدداً والأقوى تدريباً وسلاحاً. إلا أن ذلك لم يغنِ أبداً عن فصائل أخرى رديفة للجيش النظامي، وتعمل بالتنسيق معه ومع القيادة السياسية، أو بدون هذا التنسيق.

الجيش العربي السوري

تنتشر قطع وثكنات الجيش العربي السوري، أو ما يطلق عليه اسم “الجيش النظامي” في بعض وسائل الإعلام، على مساحة سوريا في كافة المحافظات. ولم يكن لهذا الانتشار دورٌ في مواجهةِ موجة الاحتجاجات في الأشهر الأولى من الثورة السورية، إذ كانت تكلّف قطع عسكرية معيّنة بمواجهة المتظاهرين، كان أهمها الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. إلا أنه مع تشكّل الجيش السوري الحر ثم فصائل المعارضة المسلحة الأخرى، أصبحت مجمل قطع الجيش النظامي مكلّفةً بالعمل العسكري في مختلف المحافظات.

تعمل مختلف التشكيلات العسكرية التابعة للجيش النظامي بموجبِ خطط انتشارٍ وتنظيم عملياتٍ عسكرية غير معلنة إعلامياً، بحيث يصعب تتبّع خريطة انتشارها باستثناء الاعتماد على شهود العيان والنشطاء الإعلاميين والمدنيين السوريين الذين يحاولون تتبع هذه العمليات والقوى المسؤولة عنها، أو من خلال تسريباتٍ من قِبل أفراد يعملون على تماس مع المؤسسة العسكرية السورية.

مع بداية انتشار الجيش العربي السوري في المدن والقرى السورية، تم تحييد عدّة تشكّلات بعيداً عن المواجهة، وهي القوى الجوية والدفاع الجوي والقوى البحرية وبعض تشكيلات الصواريخ، بحيث تمّ الاعتماد على قوى المشاة والمدفعية والدبابات. إلّا أن تطوّر الأحداث قاد مختلف صنوف التشكيلات للعمل العسكري على الخارطة، فأصبح للقوى الجوية والبحرية حضورٌ واضحٌ، كما باقي التشكيلات.

يصل تعداد عناصر الجيش العربي السوري بين ضباطٍ وصف ضباط وأفراد بين متطوعين ومجندين إلى حوالي 350 ألف مقاتلٍ، موزعين على القوى الجوية والدفاع الجوي والقوى البرية والقوى البحرية. وقد تعرّض قوام الجيش للانخفاض خلال العامين الأخيرين نتيجة عدة عوامل، أهمّها الانشقاق والفرار، ثم مقتلُ أعدادٍ كبيرة من العناصر أثناء المواجهات والمعارك مع قوات المعارضة.

وتُقدِّر عدّة مصادر ميدانية معارضة أن أعداد قتلى الجيش السوري النظامي وصلت حد 40 ألف مقاتل. وتقوم القيادة العسكرية بالتعويض عن النقص من خلال الاحتفاظ بالمجنّدين ومنع تسريحهم، حيث لم يصدر منذ أكثر من عامين قرار تسريحٍ، مع العلم أن هناك عدّة دورات مجنّدة منذ أكثرِ من ثلاثة أعوام، بمعنى أن تسريحها تأخر حوالي عامين.

يستخدم الجيش النظامي في معاركه مع قوات المعارضة مجمل صنوف الأسلحة الموجودة لديه، الخفيفة منها والمتوسطة والثقيلة. من البندقية الروسية كلاشينكوف، مروراً بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ وصواريخ الغراد والكونكورس إلى السكود الاستراتيجي. هذا إضافةً إلى المدفعية الثقيلة والدبابات والطائرات الحربية من طراز ميغ وسوخوي، والطيران المروحي المحمّل بالبراميل المتفجرة، وصولاً إلى السلاح الكيماوي، الذي استخدم في عدّة مناطق أهمها كان غوطتي دمشق الغربية والشرقية في ريف دمشق أواخر آب الماضي. ويتم حالياً تدمير المخزون السوري من السلاح الكيماوي بإشرافٍ دولي.

يتزود الجيش العربي السوري بسلاحه من روسيا، التي تعتبر من أشدّ الدول تأييداً ودعماً للنظام السوري، والتي صرّحت على لسان كبار مسؤوليها بأن معاهدات تجارة السلاح بينها وبين سوريا “مستمرة”.

جيش الدفاع الوطني

جيش الدفاع الوطني هو ميليشيا رديفة للجيش النظامي، تم تأسيسها مع مطلع عام 2013، حيث يضمّ مدنيّين وعسكريين مسرّحين أو متقاعدين، ضمن فصائل منظمة مدعومة حكومياً، يتمّ تسليحها بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة لتقوم بمهمّة نصب الحواجز الأمنية والعسكرية ومداهمة واقتحام الأحياء في بعض المدن والقرى السورية.

غالبية عناصر جيش الدفاع الوطني متفرّغون بشكلٍ كامل للعمل ضمن كتائب الميليشيا، ويتقاضون رواتب متوسطها 15 ألف ليرة سورية أي حوالي 100 دولار أميركي شهرياً، بحسب مصادر ميدانية من مدينة اللاذقية، التي يكثر انتشار عناصرها فيها.

وينقل ناشطٌ ومؤسّسٌ لتنسيقية طرطوس للثورة السورية أنّ جيش الدفاع الوطني هو أهمّ تنظيمٍ “يمارس السرقة وقطع الطرقات واقتحام المنازل بحجة وجود عناصر مسلحة أو عملاء فيها”، لافتاً إلى أن غالبية المتطوعين فيه “ينتمون إلى الطائفة العلوية” التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.

وتعوِّض قوى جيش الدفاع الوطني عن الجيش النظامي في مناطقَ تقلّ فيها المواجهات العسكرية، مثل مدنِ وقرى الساحل السوري، إضافةً إلى قرى في سهل الغاب وبعض مدن ريف دمشق وغيرها، حيث تتولى هي مهام اقتحام المنازل واعتقال الناشطين والمشتبه بهم.

لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد عناصر جيش الدفاع الوطني، إلا أن مصادر من محافظة طرطوس تؤكد وجود أكثر من ستة آلاف متطوع في الميليشيا من طرطوس وحدها.

تأخذ قوى جيش الدفاع الوطني مقاراً لها في مؤسسات خدمية وأبنية تابعة لمؤسسات الدولة، وتتميز بسلطات شبه مطلقة في مناطق تمركزها، حيث سجّلت عدّة عمليات قام بها جيش الدفاع الوطني أدّت إلى نشوب خلافاتٍ بينه وبين السلطات المحلية المدنية والأمنية، دون أن يتم ردعه.

وقد شاركت ميليشيا جيش الدفاع الوطني في عمليات عسكرية كبرى، حيث أشارت مجمل الدلائل وشهود العيان والناشطين إلى أن عناصره مسؤولون بالدرجة الأولى عن المجازر التي حدثت بانياس والبيضا وعقرب والمتراس، والتي اتسمت أغلبها بالعنف والدموية الشديدة.

الشبّيحة

يختلف من يعرفون بـ”الشبّيحة” عن سواهم من العناصر المسلّحة المقاتلة إلى جانب الجيش النظامي، كون مجموعتهم تفتقد صيغةً تنظيميةً واضحةً حالياً، حيث يعود تاريخ الشبّيحة إلى أواخر الثمانينات. إذ عملت مجموعةٌ من العناصر المدنيّة المسلّحة بالتهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات والتبغ، بالإضافة إلى مختلف أنواع البضائع، ويشاع أن استخدامهم للسيارات المكنّاة بالـ”الشبح” هو سبب تسميتهم بالشبيحة.

عناصر الشبيحة الذين كان عملهم الأساسي هو التهريب عملوا مع اندلاع الثورة في سوريا على تنظيم حواجز وتجمّعات مسلّحة، تقوم بمساندة الجيش النظامي، و”تولي أعمال القتل بعد السيطرة العسكرية” حسب ناشطين من مدينتي حمص واللاذقية، حيث قامت مجموعاتٌ منهم تتبع لشخصيات مقرّبة من مؤسسة الحكم بتولّ مهام تصفية المدنيين بعد قيام الجيش النظامي باقتحام مناطق خلال العمليات العسكرية. كما اتُهم الشبّيحة بحسب جهاتٍ مدنية وعسكرية معارضة بالقيام بعدّة مجازر، يذكر منها مجزرتا الحولة والتريمسة.

ويطلق لقب “شبّيح” أحياناً على عناصر ما يعرف بـ”اللجان الشعبية” التي تقيم الحواجز عند مداخل القرى والأحياء في عدة مناطق من البلاد، أهمها أرياف دمشق واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة.

لا يلتزم عناصر الشبيحة بنموذج عملٍ محدّد، بحيث أن أغلبهم غير متفرّغون للعمل ضمن سياق تجمعات مسلّحة، وإنما يمارسون أعمالاً أخرى بالإضافة إلى المهمات الأمنية والعسكرية التي تتمّ أحياناً بالتنسيق مع تشكيلات عسكرية نظامية ومع جيش الدفاع الوطني، وأحياناً دون ذلك.

شعبياً، يطلق البعض المصطلح على كل من يؤيّد النظام السوري بأي أسلوب كان، حيث يعتبر مجرد تأييد النظام السوري بالنسبة للكثير من المجتمعات المحلية سلوكاً “تشبيحياً”. كما يرتبط مصطلح شبّيح بأسماء الكثير من المحليين السياسيين والإعلاميين الذي يقفون في صفّ النظام السوري.

اللجان الشعبية

كانت اللجان الشعبية أول ظاهرة تسليحٍ مدنيّ واضح بعد بدء الأحداث في سوريا، حيث بدأت مع انطلاق الحراك السلمي الشعبيّ، إذ تمّ تشكيل لجان أحياءٍ تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الأمنية، مهمتها المعلنة كانت حماية تلك الأحياء من أي اختراق مسلح. وقد اتضح سريعاً أنّها تقوم عوضاً عن ذلك بمهمّات أمنية تتجلى في تفتيش المارة والسيارات وملاحقة النشطاء المعارضين.

فيما بعد، تمّ تعيين الكثيرين من عناصر اللجان الشعبية كمتطوعين مدنيين على الحواجز الأمنية والعسكرية في الأحياء والقرى السورية، وخاصة في ريف دمشق وحمص وحماة.

ولا تخلُ اللجان الشعبية من تداخلات بين عناصرها، فيتواجد عناصر من جيش الدفاع الوطني فيها، وأحياناً متطوّعون مدنيّون، يوصفون بالشبّيحة أو عملوا سابقاً مع الشبّيحة.

لواء أبو الفضل العباس

يعتبر لواء أبو الفضل العباس من الميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام في مناطق محدّدة، أغلبها في ريف دمشق. واللواء تنظيمٌ مسلّح ذو طابع ديني إسلامي شيعي، غالبيةُ عناصِره عراقيون من الوافدين إلى سوريا بعد نشوب حرب العراق عام 2003 وأحداث العنف الطائفي التي تلتها. وبينهم عناصر تمّ إيفادهم موخّراً للقتال في سوريا، بالإضافة إلى قياداتٍ عسكرية إيرانية مدربة، حسب نشطاء معارضين.

يُعتقد أن للواء أبو الفضل العباس صلة بجيش المهدي العراقي، وهو ما نفاه قائد الأخير، مقتدى الصدر. بينما تسري أنباءٌ عن ارتباطِ قياداتٍ في اللواء بعصائب أهل الحق، الفصيل الذي انشق عن التيار الصدري في العراق عام 2009.

اتهم اللواء بارتكاب مجزرةٍ في منطقة الذيابية بريف دمشق الجنوبي، إضافةً إلى اشتراكه في القتال في أحياء دمشق الجنوبية وتحديداً في منطقة الست زينب، التي يقول عناصر منه بأن مهمّتهم فيها هي “الدفاع عن مقام السيدة زينب”.

ليس هناك أي إحصاءٍ أو حتى اعترافٍ رسمي بلواء أبو الفضل العباس، إلا أن مصادرَ من كتائب المعارضة تؤكد أن أعدادَ عناصر اللواء تقدر بأكثر من ثلاثة آلاف مقاتل.

حزب الله

يعتبر حزب الله اللبناني أهم القوى الخارجية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري بوضوح. فالتنظيم الحليف للقيادة السورية تاريخياً لم يعلن دخول عناصر منه إلى سوريا وقتالها مع النظام في البداية، بل أعلن ذلك رسمياً على لسان أمينه العام حسن نصر الله، مع احتدام الاشتباكات في القصير بريف حمص شهر حزيران الماضي.

وبعد التدخّل في القصير، باتت قوات حزب الله تقاتل بشكل معلن في أكثر من منطقةٍ سورية، مثل ريفِ دمشق وحمص، بالإضافة إلى ريف حلب وخاصة بلدتي نبّل والزهراء. ويصف غالبية نشطاء الحراك السوري والمحللين السياسيّين أن تدخل حزب الله في الأعمال المسلحة في سوريا قائمٌ على مصلحةٍ سياسية، كون النظام السوري وحليفه الإيراني أهمّ داعمي الحزب، وعلى أساس ارتباطات طائفية.

تقدّر أعداد عناصر حزب الله المقاتلة في سوريا بالآلاف، حيث أشار ناشطون إلى أن مقاتلي حزب الله في القلمون وحدها يقدّرون بحوالي 15 ألف مقاتل.

وتشير مصادرٌ من الجنوب اللبناني أن قرى الجنوب تستقبل بشكلٍ شبه يومي عشرات القتلى من عناصر الحزب، الذين قضوا نتيجة اشتباكهم مع قوات المعارضة في سوريا.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة

برز دور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في القتالِ إلى جانبِ النظام السوري مع بدءِ الحراك الشعبي في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق، حيث عملَ مسلّحون من الجبهة على فضّ المظاهرات في البداية، ومن ثمّ مواجهة التنظيمات المعارضة المسلحة التي انتشرت في المخيّمات الفلسطينية وحولها.

ويقتصر دور الجبهة الشعبية – القيادة العامة على المخيّمات الفلسطينية، حيث يعتمد عليها النظام بشكل أساسي في تلك المناطق، كونها تمتلك خبرةً أمنية وجغرافية فيها من جهة، وكونها من أكثر التيارات الفلسطينية المقربة من النظام السوري من جهةٍ أخرى. ويعتبر أمينها العام أحمد جبريل من المقربين للأسرة الحاكمة في سوريا، وتربطه علاقات وثيقة مع مختلف المسؤولين عن الفروع الأمنية السورية.

اتُهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بارتكاب مجازِر ضد مدنيّين في مخيم اليرموك، كما أن عناصِر مسلّحة منها تُقاتل على أكثر من جبهة جنباً إلى جنب مع الجيش السوري النظامي.

من الجدير بالذكر أنّ مجمل التنظيمات المسلحة والميليشات التي تقاتل إلى جانب النظام السوري تلقى دعماً مباشراً وغير مباشر من قِبل القيادة السياسية والعسكرية السورية، سواءً بالإمداد بالسلاح أو كافة أنواع الدعم اللوجستي الأخرى، إضافة إلى تقديم المدرّبين والإيفاد الخارجي أحياناً لاتباع دورات عسكرية وأمنية مكثّفة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *