انتحار رئيس !

بقلم :اياد عيس

المشكلة ليست في الكيماوي، السيد الرئيس تاجر شاطر، أتم البيعة، خذوا الكيماوي، وخلوا الكرسي، المشكلة أن سيادة العميد ماهر، مدمن على الكيماوي، من أين سنؤمن له الجرعة؟

حقيقة، الجدل حول الكيماوي لطيف للغاية، سوريا تُدار كما المزرعة، ناسها ليسوا أكثر من أجراء بنظر من يعتقدون أنفسهم أصحابها، الكيماوي لم يكن يوماً للدفاع عن سوريا الوطن والشعب، الكيماوي أوجد ضماناً لاستمرار حكم عائلة الأسد، هذا سر استخدامه 11 مرة ضد الثورة آخرها في الغوطة.

اعتقد الأسد الأب أن قوتين فقط قادرتين على إسقاط نظامه: انقلاب عسكري داخلي، أو غزو خارجي.

احتاط لاحتمالات الانقلاب بإحكام قبضته على الجيش، محاصرته بالأجهزة الأمنية، تُحصي أنفاس الضباط من أعلى رتبة حتى المجند، بدءاَ من دروس الرياضة الصباحية، واستعد واسترح وصولاً لهلوسة المنامات، الكل يتجسس على الكل بمن فيهم عناصر المخابرات.

لا طائرة حربية تُحلق إلا بموافقة الأسد خاصة فوق دمشق ، لا ضابط عامل يُنقل إلا بتوقيعه، لا قطعة عسكرية تتحرك إلا بتوجيهه، الضابط يُسجن أو يُسرح، وأحياناً يُقتل على الشبهة.

يروي شاهد عيان، كان ضيفاً أوائل التسعينيات في مكتب أبي سليم دعبول مدير المكتب الخاص لحافظ الأسد، تصادف وجوده مع مجموعة من كبار قادة الجيش أنذاك، من عيار علي حيدر وإبراهيم الصافي وشفيق فياض، يتحدثون ويتمازحون، رن الهاتف الموصول مباشرة بالمكتب حيث يجلس الأسد، فوجئ الضيف بالضباط يقفون ويؤدون التحية العسكرية غيابياً للقائد العام، يتبارون بقوة ضرب أقدامهم على الأرض، علَ وعسى يميزها العراب عبر الهاتف، بمثل هؤلاء حكم الراحل، ويستمر ابنه.

أجاد الأسد الأب اللعب على التناقضات الدولية، قارئ ماهر لتقلبات المصالح، ضامن لاستقرار المنطقة، لا يُحارب ولا يُهادن، لكن مكياج العربدة السياسية الخارجية ضرورة داخلية لنظام المقاومة، العربدة خطيرة أحياناً، امتلاك الكيماوي ليس للتحرير إنما لتفادي ردة فعل غير محسوبة، أي عمل عسكري جدي لو محدود يُسقط النظام، بوجود سلاح غير تقليدي تختلف التقديرات والأثمان.

لم تكن الثورة يوماُ ضمن حسابات آل الأسد، لا يمكن للعبيد مخصيي الكرامة بنظرهم أن يثوروا، وإن فعلوا، البوط العسكري جاهز.

حصل، واشتعلت الاحتجاجات، لم يتأخر بشار بإرسال جيشه لتأديب أهالي درعا الذين تطاولوا على ابن خالته عاطف نجيب أحد أفراد العائلة المالكة، كشر عن أنيابه العسكرية ليُخيف باقي المناطق التي بدأت بالتحرك.

بالتزامن، لا بأس برسائل خارجية عاجلة، تولى المهمة ابن خاله رامي مخلوف، شخص مناسب، شريك بالحكم دون وظيفة رسمية، يسهُل التنصل من تصريحاته للصحافة الأمريكية، يُهدد إسرائيل في حال الضغوط أو التدخل الخارجي، لا شيء يملكه الجيش الأسدي الباسل يخيف إسرائيل إلا السلاح الكيماوي، وصلت الرسالة، ابتلع العالم مواقفه الجدية، اكتفى بالتصريحات الفارغة، كان الوريث سعيداً بهدية تساعده في تسويق روايته عن المؤامرة الكونية.

استنفذ الأسد كافة أسلحته التقليدية، العالم المتحضر يتفرج، يتمنى قادته أن ينجح بسحق الثورة ليرتاح ويريحهم، يزرع الموت والخراب، ولا يحصد إلا الفشل.

قليل من الكيماوي، يُنعش الجيش المتهالك، ومعنويات المؤيدين المنهارة، يُذكر بوجوده، ويختبر المواقف الخارجية، فعلها مرات، اضطر أوباما المرتعب بالولادة لإشهار خطه الأحمر، كل القتل مباح بل ربما أخلاقي إلا بالكيماوي، يومها ضحك بشار في سره.

إذا لم يستخدم الأسد الكيماوي دفاعاً عن كرسيه الموروث فلن يستخدمه أبداً، الثورة تحاصر قصره، حماته ضاقوا ذرعاً بعجزه، والمغامرة محسوبة مجربة، فقط أفسدتها الجرعة الزائدة في الغوطة، حركت الكثير من مخاوف أوباما، والقليل من نخوته وكبريائه، تحركت معها الأساطيل، تكفي ثلاثة صواريخ ليسقط الوريث المذعور عن الكرسي.

تحول الكيماوي حامي النظام إلى سلاح لإسقاطه، ثمن النجاة تسليمه، ليكن ذلك طالما يؤدي وظيفته الأساسية والوحيدة بمنع السقوط، الأدق تأجيله.

ثمة ما يثير الضحك في االثرثرة حول الكيماوي، المنحبكجية يشيدون بحكمة وعبقرية سيادته في إنقاذ سوريا من العدوان الخارجي، السيادة الوطنية تحولت بين ليلة وضحاها إلى تفصيل تافه.

القومجيون الممانعون يبكون على سلاح المواجهة الأقوى مع العدو الصهيوني، والحقيقة هي ان المنحبكجي مستمتع برؤية عورة سيادته [لايف] بعد سقوط ورقة التوت، والممانع لا يفعل شيئاً سوى تذكيرنا بالواقي الذكري.

هناك مثل شعبي ينطبق على أزمة الكيماوي، يقول: أخوث يلقي حجراً ببئر ماء، يعجز كل عقلاء الكون عن انتشاله. ماذا لو ألقى بوليد المعلم، لا تقلقوا سيستمر الأخوث بإلقاء الحجارة في البئر، قريباُ يلقي بنفسه منتحراً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *