لايمكن التكلم عن طرق الخيار السياسية في سوريا , لأنه وللأسف لايمكن للمواطن السوري أن يختار , ونظرا لاخصاء المواطن السوري سياسيا على مدى نصف قرن من الزمن , فقد أصبح هذا المواطن لاسياسي , ولم تتكونعنده الخبرات السياسية , التي تمكنه من القيام بواجبه الانتخابي , وكيف يمكنه أن ينتخب عندما لاتوجد انتخابات , الاستفتاء ليس انتخاب وانما خيانة للانتخاب وتشويه لارادة المواطن في الانتقاء بين عدة امكانيات وبدائل .
عند التحدث عن طرق الخيار في الديموقراطية يجب استحضار المعارف في هذا الخصوص من الدول الديموقراطية وخصوصا الدول الأوروبية , فالشعوب الأوروبية ناضلت طويلا من أجل أنظمة تحترم المواطن وبالتالي يحترمها المواطن , فواجبات المواطن وحقوقه منتظمة ضمن عقد اجتماعي يحقق أقصى مايمكن من عدالة اجتماعية وحرية وديموقراطية ..عمليا تمثل هذه المجتمعات قدوة للشعوب المتعثرة ديموقراطيا , وكل شعوب العالم , بما فيها الشعوب العربية , قادرة على النهوض كما نهضت الشعوب الأوروبية ,وحال الشعوب الأوروبية في القرون الوسطى لم يكن أفضل من حال الشعوب العربية الآن .
الشعوب الأوروبية حريصة على وجود معارضة أكثر من حرصها على وجود سلطة أو حكومة حالية , المعارضة هي وسيلة “الانقاذ” في حال فشل حكومة , ومن يقضي على المعارضة , يقضي على المستقبل , لأنه سيكون مرغما لتقبل الفساد وتراكمه , كما هو الحال في سوريا , التي توحشت في نصف القرن الماضي , فسوريا لم تعرف مايسمى معارضة حتى عام ٢٠١١ , والمعارض كان بنظر السلطة الأسدية خائن يستحق السجن والسحل وحتى القتل .
في دولة أوروبية يحكم حزب أو مجموعة من الأحزاب البلاد , وعادة تبلغ نسبة التأييد لهذا الحزب أو الأحزاب أكثر من ٥٠٪ بقليل , نسب كالتي نالها الأسد الأب (١٠٠٪) أو الأسد الابن (٩٩٪) لاوجود لها في التاريخ البشري , انها من صنع صناديق التزوير الفاضح, وليست من صنع صناديق الاقتراع .مجموعة من السياسيين تحكم البلاد مدة معقولة ,ولنقل اربع سنوات , وخلال هذه الفترة يقوم المواطن بتقييم عمل هذه المجموعة أو الحزب أو الأحزاب , فان نجحوا في تطوير البلاد اعطاهم الناخب ثقته مرة أخرى , وان فشلوا يعطي الناخب ثقته للمعارضة آملا من تحقيق مالم تستطيح الحكومة الحالية تحقيقه . انتخاب المعارضة لايتم لأن المعارضة عملت , فامعارضة لاتستطيع أن تفعل , وانما تنتقد فقط , الناخب يعطي المعارضة ثقته لأنه يريد حجب الثقة عن الحكومة الحالية , أي أن نجاح المعارضة , التي لايمكن محاسبتها عن أفعال , يتعلق بفشل الحكومة في الأفعال , .
تطبيق هذا النوع “السلبي الغير مباشر ” على سوريا يقود الى النتيجة التالية : السلطة رسبت في كل الامتحانات وأخرت البلاد عمدا , وسقطت أخلاقيا , لذا تعتبر هذه السلطة غير شرعية ويجب عليها الرحيل , ثم انه من المنطقي اعطاء الثقة للجهة المعارضة والتي تنتقد السلطة الفاشلة , ولا يجوز محاسبة المعارضة على أي فعل قبل أن تبدأ بالعمل وتعمل لفترة معقولة مثلاأربعة سنوات أو ـأقل من ذلك …أساس الديموقراطية يعتمد على الاستفادة من كل مواطن وكل مجموعة أو حزب , والأسدية التي تريد لنفسها التأبيد هي النقيض المطلق للديموقراطية ولكل تطور ديموقراطي , لذا فان اصلاحها غير ممكن , وحتى الاصلاح الهامشي البسيط لايستقيم مع بقاء الأسدية , وحال الأسدية الدوغماتيكي القطعي التخريبي المطلق الأبدي هو المسبب للثورة التي لاتصلح وانما تقتلع نظام الفساد من جذوره وتحدث نظاما آخر هو نقيض للنظام القائم , الفرق بين الثورة والتمرد او الاضراب ..الخ هو ان الأشكال الأخيرة تريد اصلاح وضع قائم ولا تريد اقتلاع هذا الوضع بشكل كامل .
بقاء الأسدية يعني بقاء الحال السوري على ماكان عليه , وسوف لن تنعم الأسدية يوما بالهدوء مستقبلا , اما أن تذهب بعد تخريب ثلث البلاد أو أن تذهب بعد تخريب ثلثي البلاد , أو أن تذهب بعد تخريب البلاد بشكل كامل , لامناص من رحيل الأسدية , ومن المستحيل أن ينعم ماهر الأسد ببيعة وولاية , ومن المستحيل أيضا أن ينعم حافظ الثاني بولاية ..عليه بالاجتهاد والجد في المدرسة وعليه أن يصبح مواطنا صالحا وأن يخشوشن بعض الشيئ ,فالنعم لاتدوم .
ان يصبح بشار الأسد مواطنا صالحا فهذا من غير الممكن , والأمر مشابه بالنسبة للحاشية وأولهم اللص القاتل ماهر الأسد , مسألة بشار والحاشية لم تعد مسألة سياسية , سياسيا حكم عليهم بالاعدام , يبقى الحيز الجنائي , وهنا على القضاء أن يقرر , هل أجرم الأسد بحق نفسه كمواطن وبحق غيره وبحق الوطن ؟ أو انه لم يجرم وهو بريئ من كل التهم الموجهة اليه مثلا الاثراء على حساب الوطن , مسؤوليته عن نشوب الحرب الأهلية , مسؤوليته عن مقتل مئات الألوف من البشر , مسؤوليته عن الفساد وعلاقته مع بعض الشخصيات مثل أياد غزال وغيرهم وعلاقته بمقتل الحريري ومقتل التويني وغازي كنعان والكثير من المواطنين تحت التعذيب ثم علاقته بمقتل العديد من اللبنايين المخطوفين من قبل القوات السورية من لبنان ..هناك قائمة طويلة من الأسئلة التي يجب ان تجد جوابا , الأسئلة هي مهمة المدعي العام والأجوبة هي مهمة الأسد والحاشية .
لاغرابة في محاكمة رئيس في الديموقراطية , فقد حوكم جيراك وحوكم بيرليسكوني ونيكسون وحوطمت حاشية هتلر وموسوليني وغيرهم , ودستور الأسد المفصل على مقاسه سيسقط مع سقوط الأسد , الدستور الأسدي يمنع محاكمته منعا باتا , تصوروا سوريا الجديدة ودستور الأسد معا , أليس من السذاجة اصدار هذا الدستور؟ الذي سيفقد صلاحيته بعد دقيقة واحدة من سقوط الأسد .
لو امتثل الأسد للحد الأدنى من القواعد الديموقراطية , لتمكن من العيش بهدوء وأمان في القرداحة ولما تحولت البلاد الى أنقاض , ولما لاقى مئات الألوف من البشر حتفهم في حرب أهلية ستطول الى سنين وعواقبها ستطول الى عشرات السنين .
هناك من ينتقد الأسد بشدة , وبالنتيجة يؤيده لأنه كما يقال لابديل له , هؤلاء يسألون , ومن هو البديل ؟ وحتى هذا السؤال ينضح بالروح الديكتاتورية , لاشعوريا يريد هؤلاء ديكتاتورية بديلة وديكتاتور بديل , وقد غاب عن نباهة هؤلاء على أن البديل هو الذي يشعر بنفسه على أنه قادر على تحمل المسؤولية وهو الذي يرشح نفسه للانتخاب وهو الذي يطرح برنامجا وهو الذي ينتخبه الشعب , وشعب يتألف من 23 مليون انسان قادر على ايجاد بديل للأسد , وهل الأسد فوق البشر , هل الأسد نبي مرسل , وهل يتمتع الأسد بعبقرية لامثيل لها ؟ البديل هو أنت وأنا وهي أو هو , عصر الزعامات انتهى والتوريث في الجمهورية السورية كان من أفظع الكوارث , ولا عوددة الى الوراء قطعا !