متى تدرك الأقليات على أنها مجرد ألعوبة

بقلم:فبصل القاسم

قول الرئيس الأمريكي الراحل إبراهام لينكون: تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت”. لكن مع الاحترام للينكون، فإن مقولته التاريخية لا تنطبق أبداً على الأقليات في العالم العربي. لماذا؟ لأن التاريخ أثبت أنك تستطيع أن تخدعها، وتضحك عليها، وتستخدمها لأغراضك الرخيصة كل الوقت، وهي مستعدة أن تصدقك، وتتحالف مع الخادعين دائماً وأبداً.

لو عدنا إلى التاريخ قليلاً لوجدنا كيف كان الاستعمار يتاجر بموضوع الأقليات، ويستخدمها كمخلب قط، ومسوغات لتدخله في البلدان التي كان يريد أن يستعمرها. لقد أخبرنا التاريخ بأن المستعمرين كانوا بالإضافة إلى استخدام أكاذيب حقوق الإنسان، وهمروجة عبء الرجل الأبيض، ونشر الحرية والديمقراطية، وتحرير الشعوب من العبودية، والتنوير، كانوا أيضاً يبررون تدخلهم في هذا البلد أو ذاك بأنهم قادمون لحماية الأقليات من ظلم الأكثرية. ولطالما تشدقت روسيا بحماية المسيحيين الأرثوذوكس، وتشدق غيرها من المستعمرين الغربيين كفرنسا بحماية هذه الأقلية أو تلك كالدروز والعلويين والمسيحيين وغيرهم. والمحزن في الأمر أن ألاعيب الاستعمار كانت تمر بسهولة في أوساط الأقليات، فبدل أن تتعايش تلك الأقليات مع الأكثريات كانت تقع فريسة سهلة في شباك المستعمرين، وتتحول إلى شوكة في خاصرة أبناء جلدتها من الأكثريات بحجة أن المستعمر جاء لحمايتها، مع العلم أن المستعمرين كانوا على الدوام يستخدمون الأقليات كحصان طروادة للهيمنة على هذا البلد أو ذاك ونهب خيراته واضطهاد أكثريته.

ورغم أن الأكثريات في عالمنا العربي عانت كثيراً من تصرفات الأقليات وقبولها بأن تكون أدوات في أيدي المستعمرين لتحقيق مخططاتهم الشيطانية في بلداننا، إلا أنها عادت واستوعبتها في المجتمعات العربية، وضمنت حقوقها رغم خيانة بعضها لأوطانها وسقوطها في الحضن الاستعماري.

ومن الواضح أن الكثير من الأقليات في عالمنا العربي لم يتعلم من التجربة الاستعمارية الحقيرة، بل ظل يطمح للعب دور الخنجر المسموم في صدر البلدان العربية بعد تحررها من الاستعمار. فما أن خرج الاستعمار من بلادنا وحل محله أذنابه من الطواغيت والجنرالات، حتى راح الكثير من الأقليات يعيد نفس الاسطوانة، وذلك بالتحالف مع الطغاة ضد الأكثريات. لقد تمكن أذناب المستعمر من الأنظمة القومجية وغيرها من تمرير نفس اللعبة مع الأقليات، فراح بعض الأنظمة يقدم نفسه للعالم على أنه حامي الأقليات، وذلك كي يدغدغ عواطف المستعمر القديم. لم لا، وقد أثبتت لعبة حماية الأقليات أنها لعبة ناجحة، وبإمكان من يلعبها أن يحقق الكثير من الأهداف من خلالها.

لقد جاء الربيع العربي ليكشف أن الأقليات لم تتعلم أبداً من الحقبة الاستعمارية، لا بل هي متشوقة لتعيد كافة فصولها، لكن هذه المرة بالقبول أن تكون مجرد ألعوبة في أيدي الطواغيت الذين ثارت عليهم شعوبهم بعد عقود من الطغيان. فبدل أن تنضم الأقليات إلى ثورات الأكثرية من أجل الحرية والكرامة، راح الكثير منها يتحالف مع الأنظمة الساقطة والمتساقطة بطريقة تذكرنا بتحالفاتها الوضيعة مع المستعمر ضد أبناء جلدتها. لم تع الأقليات أن الزمن الأول تحول، وأن الأكثريات ستنال حقوقها من الطواغيت أذناب المستعمر عاجلاً أو آجلاً، وأنه من الأفضل للأقليات أن تتحالف مع الأكثريات لا مع من كان يدوسها ويضطهدها، لأن المستقبل للأكثريات مهما طال الزمن.

والمؤلم أكثر أن بعض الأقليات أكل الطعم، وصدق أن الطواغيت الذين ثارت عليهم الشعوب هم حماة للأقليات. لا أدري لماذا لا يرى زعماء الأقليات كيف يتم التلاعب بالأقليات واستغلالها بطريقة مفضوحة رخيصة من قبل الأنظمة الساقطة والمتساقطة، ليس من أجل خير الأقليات، بل فقط من أجل إطالة عمر هذا النظام المتداعي أو ذاك لا أكثر ولا أقل. مغفل من يعتقد أن الأنظمة المحاصرة بالثورات تحمي الأقليات، لا بل هي تحتمي بالأقليات، وتستخدمها كفزاعة لاجترار عواطف المستعمر القديم لعله يساعدها في البقاء في السلطة. لقد نجح بعض الطواغيت في الإيقاع بين الأكثريات والأقليات، وذلك باقتراف الكثير من الجرائم بحق الأقليات، وتحميل المسؤولية للأكثريات. ليس هناك أدنى شك بأن معظم الجرائم التي وقعت ضد الأقليات هي من صنع مخابرات الأنظمة الساقطة والمتساقطة. ولو كنت مكان أي أقلية الآن لوجهت أصابع الاتهام بعد أي تفجير هنا وهناك لا للأكثرية الثائرة، بل للأنظمة المحاصرة بالثورات، فهي تقوم بمجازر مروعة من خلال السيارات المفخخة بحق الأقليات، وتنسبها للعناصر التكفيرية، كي تقول للعالم: لسنا وحدنا المستهدفين من قبل التكفيريين، بل أيضاً الأقليات. وللأسف الشديد أن هذه الألاعيب الوسخة والمفضوحة ما زالت تمر على الأقليات، مما يزيد في ارتمائها في أحضان المجرمين الذين يستخدمونها كعتلة قذرة لتحقيق غاياتهم الإجرامية.

بعد فض الاعتصام في مصر بدقائق، بدأت تتواتر الأخبار عن اعتداءات على كنائس الأقباط. وقد تم إلصاق التهم فوراً قبل أي تحقيقات بالتيار الإسلامي كونه المستهدف بعملية فض الاعتصام. وللأسف هناك من صدق مثل هذه الأخبار دون أن يتذكر اعترافات وزير الداخلية المصري المحبوس حبيب العادلي بأن النظام الساقط كان يطلب منه تفجير الكنائس القبطية كي يثير التوتر والضغينة بين المسلمين والأقباط، وكي يظهر هو أمام العالم بأنه يواجه إرهابيين يستهدفونه ويستهدفون الأقليات. أما آن الأوان لأن تدرك الأقليات في العالم العربي أن مستقبلها ليس مع هذا الطاغية أو ذاك الجنرال، بل مع الأكثريات من أبناء جلدتها؟ متى تدرك أنهم يستخدمونها للظهور بمظهر حسن أمام العالم الخارجي فقط لا غير، بينما هم ينظرون إليها في أعماق أعماقهم كأدوات قذرة وخناجر مسمومة لمواجهة الأكثريات بها؟

متى تعلم الأقليات أنها ستكون الخاسرة حتى لو بقيت الأنظمة التي تحالفت معها، وهو كحلم إبليس بالجنة طبعاً؟ فتلك الأنظمة ستحاول (إذا) بقيت إرضاء الذين ثاروا عليها، وإهمال الذين وضعتهم في جيبها كالأقليات؟ والمثل الإنجليزي يقول: “غالباً ما يعطون الحليب للأطفال الذين يصرخون”. وبما أن الأقليات صمتت وتواطئت ضد الثورات، فإنها في كل الأحوال ستخرج من المولد بلا حمص، لا مع كفلائها بخير، ولا مع الثوار بخير.

متى تدرك الأقليات على أنها مجرد ألعوبة” comments for

  1. مع احترامي لك لكن هذا الكلام مبالغ فيه ففي سوريا المفكرين المعارضين لم يقدروا ان يعطوا بديلا سياسيا افضل للنظام و حتى شعبيا مثلا بلبل الثورة بحمص المنشد عبد الباسط الساروت باناشيده المشهورة غنى لكل المحافظات (بما فيهم طرطوس كونها تحوي سنة و تحديدا لبانياس و البيضا بطرطوس) و لم يذكر اسم السويداء كونها درزية بل ان الثورة اتت بالافغاني و غيره و فقط كونه سني افضل من مليون واحد من الأقليات و تضع الحق على الأقليات و كانها هي السبب في كل شيئ و انا من السويداء و انت من السويداء و كلنا يعرف ان الرئيس السوري اديب الشيشكلي لما اراد تدمير البعثيين المحتمين عند سلطان باشا الأطرش لم يجد الا التجييش الديني لتنفيذ ماربه و للاسف انه لم يجد من يمنعه من أهل الأكثرية فهل هنا الخطأ على الدروز ؟
    لحد الأن قسم من السنة يعتبر سلطان الأطرش حرامي الثورة و مع ان الفرنسيين قبل غيرهم يعترفون فقط بمعركة المزرعة كهزيمة و بمتحف بفرنسا يوجد اسلحة مغتنمة من ثوار دروز بينما لا نجد ذكرا لمعارك غيرهم و مع هذا يريد السني أن يقنعك أن معركة المزرعة أكبر هزيمة لفرنسة تم النصر فيها بفضل السنة !!!
    تقول الجولان فيبدؤون بشتم دروز قرى مجدل شمس و مسعدة و بقعاثا و لو سالناهم ماذا لو ترك الدروز بيوتهم هناك ماذا سيحل بالجولان ؟
    ببساطة ستصبح ارضا بلا شعب يعني الدروز ابقوها سورية
    لا تضع كل الحق على الأقلية فالأكثرية بالثورة السورية مثلا لم تقدم مشروعا بديلا افضل

  2. من السهل جدا لمن يقرأ ويبحث أن يجد مشروعا كافيا ووافيا عند المعارضة , الا أن السيد قصي يريد التنكر لمشاريع المعارضة , لأن المعارضة تعارض الأسد , والأسد ضروري للطائفة العلوية(على المدى القصير)قبل أن يكون ضروري لسوريا , والبرهان على ذلك هو تمذهب الناس في سوريا وتحولهم من الانتماء السياسي الى الانتماء المذهبي تحت اشراف الأسد ومساهمته الفعالة , فمشروع المعارضة هو اسقاط نظام ساقط ديكتاتوري وفاسد , واستبداله بنظام ديموقراطي حر , وكل أطياف المعارضة متفقة على هذا الهدف , ثم انه لايجوز تقييم حاكمية فئة قبل أن تحكم , العائلة تحكم منذ نصف قرن وبالنتيجة تدمرت سوريا , فماذ علينا القول تجاه حاكمية العائلة ؟
    لقد خدع الأسد الطائفة الكريمة وأرغمها على استحضار الماضي واستحضار حقائق الهيمنة السنية التي لم تبدأ مع السلطان سليم , وانما قبل ١٤٠٠ سنة , وبالرغم من تبخر هذه الهيمنة بعد الاستقلال وبالرغم من وجود بيئة معتدلة وواعدة وديموقراطية بعد ١٩٤٦ , لم ينس الأسد امكانية الاستفادة من هذا الاستحضار , الذي وظفه ثأريا وانتقاميا في حين كان بامكانه طي صفحة الماضي وتطوير البناء السياسي الديموقراطي للمجتمع السوري بحيث يصبح الطغيان المذهبي أمرا مستحيلا , فالديموقراطية هي التي تحمي الأقليات المذهبية , ذلك لأن الديموقراطية سياسية ولا يمكن لها أن تكون ديموقراطية “مذاهب” , فالمذاهب تحجر الانتماء وتحوله الى حالة يستحيل بها تغيير الانتماء(انتماء ثابت ثم أكثرية وأقلية ثابتة) , العلوي يبقى علوي , أما الشيوعي فقد يتحول الى قومي أو رأس مالي ..الخ
    بدلا من تطوير البلاد باتجاه مدني يحمي الأقليات الدينية حيث أنه لادين للمدنية ولا علاقة للدين بالدولة , تطورت البلاد بفعل الأسدية الى منظومة الاضطهاد المذهبي مجددا العلوي يضطهد السني بكامل أشكال الاضطهاد من تسليط المخابرات عليه الى نهبه واقصائه وتحويله الى مواطن من الدرجة الثانية , كذلك أصبح حال المسيحي (هاجر نصف مسيحيي سوريا في نصف القرن الأسدي الى الخارج ليس طوعا وانما قسرا , ذلك لأن ظروف الحياة كمواطن من الدرجة الثانية ليست ظروفا معقولة وشيقة ومقبولة , لذا تم الهروب الى مختلف أصقاع المعمورة ).
    حدث كل ذلك تحت عنوان ازالة هيمنة سنية لم تكم موجودة في الخمسينات , وعلى فرض وجود بعض بقايا الهيمنة السنية قلو اقتصر نشاط الأسود على ازالة بقايا الماضي لسجل التاريخ للأسود وقفة اخلاقية شريفة ومنصفة , الا ان الأسود للأسف غيروا اتجاه الهيمنة فقط , فالعلوي مهيمن وسابقا كان السني مهيمن , الأسد لم يحرر العلويين وانما قادهم الى مستقبل مظلم ثأري وانتقامي , همه كان المصلحة العائلية , ومنهجيته كانت “الجهل” , ألم يسأل الأسد نفسه عن امكانية استمرار هيمنة فئة تشكل ١٠٪ من سكان البلاد , ومن في رأسه عقل يعرف ان ذلك مستحيل على المدى المتوسط والبعيد, وذو العقل يعرف على أن المتضرر الأكبر من مكاسب آل الأسد هي الطائفة العلوية , التي تدفع الآن ثمنا باهظا من أجل مليارات الأسد , وهل من الصعب على عقلاء الطائفة طرح أسئلة على أنفسهم منها مثلا من أجل ماذا يجب على ١٠٠٠٠٠ شاب علوي أم يقتلوا ؟ وهل توجد مصلحة أكبر وأعظم من مصلحة ابقائهم على قيد الحياة ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *