بقلم :فواز ناصر

راشد عيسى
تحمل الشعب السوري للأسدية نصف قرن من الزمن له تفسيرات عدة , فهو مثلا مؤشر على وجود بعض السذاجة عند السوريين الذين انطلت عليهم أكاذيب وحيل السلطة ووعودها الفارغة ,الا أن اهم دلالاته هي وجود كم هائل من الأمية السياسية عند المواطتين ,أمية لها منطقيا أسبابها , ومن الأسباب بدون أي شك الاستعمار خاصة التركي , الذي كان نظاما خلافيا كالخلافة الأموية أو العباسية ,ونظام الخلافة العثماني لم يعمل على محو أي أمية , ان كانت أمية أبجدية أو سياسية أو غير ذلك , بل على العكس فقد منع التعليم ,أما الاستعمار الفرنسي فقد كان جزئيا مهووس بمحو الأمية , حيث حول الكثير من الاسطبلات والثكنات الى مدارس وجامعات , وخلال فترة الاستعمار الفرنسي ترعرع الفكر القومي , الذي تم نقله من أوروبا …البعث والقومي السوري مثلا , اما الحركات القومية التي حكمت بعد الاستقلال فقد حاولت بدون نجاح كبير محو الأمية الأبجدية , الا أنها نشرت قسرا وبحد السف الأمية السياسية عن طريق منع الأحزاب السياسية من العمل ثم ملاحقفتها وتصفية الكثير من رجالاتها ,ممارسة السياسة كانت تحت طائلة العقاب ممنوعة .
لايوجد مخلوق بشري لايحتاج الى الديموقراطية , الا أنه يوجد بعض المخلوقات البشرية , التي لاتقتدر على ممارستها , أو لديها صعوبات في ممارستها ,فالأمي سياسييا لايتمكن من الممارسة الديموقراطية بشكل كاف , ولايتمكن من تطوير الديموقراطية, ثم ان قمعه من قبل الديكتاتوريات يصبح أمرا سهلا ..الأمي سياسيا هو مواطن ليس فعال , وانما مفعول به , وهو المواطن المثالي بالنسبة للديكتاتوريات
الديكتاتوريات نشرت الأمية السياسية قسرا حفاظا على وجودها واستمرار هذا الوجود, حتى ان الوقاحة بلغت عند الديكتاتورية السورية حدا وشكلا غير مسبوق , الأسد برر وجود الديكتاتورية بنقص التأهيل السياسي عند المواطن السوري , ولم يسأل الأسد عن أسباب نقص التأهيل السياسي عند المواطن السوري , ولو سأل لكان الجواب حاضرا وواضحا , الأسدية التي منعت السياسة هي التي سببت هذا النقص , وهي التي سببت تزايد الغيبيات المذهبية في المجتمع , فالأسدية بحد ذاتها غيبية مذهبية , ولا علاقة للأسدية بأي شكل من أشكال الحداثة السياسية , لأن الحداثة والحضارة لاتستقيم مع الغريزية والمزاجية والنزواتية , ولا تستقيم مع المذهبية ومع تقسيم الجتمع بحدود الطوائف , انها الأسدية التي عملت بكل مالديها من قوة وتأثير على استبدال البنية السياسية الحزبية المدنية التي بدأت بالنمو بعد الاستقلال , بالبنية الطائفية وبالانتماء الطائفي , حيث أصبح للسيلسة بنية وقاعدة مذهبية بدلا من تمركزالسياسة على قواعد حزبية مدنية , لقد غيرت الأسدية القيم , وأصبخ فخرا للمواطن أن لايكون حزبي , لأن الانتماء لأي حزب يمثل(لاشعوريا) خيانة للقائد , وهل تجوز خيانة قائد من كسم هذا القائد ؟.
لم يستمر الحال كما ارادت الأسدية له أن يستمر , فبوادر فشل مساعي التجهيل السياسي بدأت بالظهور بعد العولمة وانتشار نشاطات التواصل الاجتماعي عن طريق الشبكة , ومع بداية عملية الثقيف السياسية الخارجة عن ارادة الديكتاتورية , بدأت الديكتاتوريات بالسقوط واحدة تلو الأخرى , ولا عجب أن يبدأ سقوط الديكتاتوريات بأقلها انغلاقا , مثلا في تونس , ولا عجب أن يكون سقوط الديكتاتورية في البلدان الأكثر انفتاحا مثل تونس ومصر ليس مدوي ولا دموي , أما في البلدات المنغلقة تماما فقد كان السقوط مدوي ودموي مثلا ليبيا وسوريا , وشخصيا أعتبر الديكتاتورية السورية قد سقطت ولا أمل في انعاشها , هذه الديكتاتورية سقطت بسقوط القانون السوري , سقطت بعد اطلاق أول رصاصة على مواطن , ان كان طفلا أو سيخا ..رجل أو امرأة , وأقبح سقوط لحد الآن هو السقوط السوري , ومن يشك بذلك فلينظر الى المدن والخراب وليتمعن في نمو المقابر ,وكتعبير عن دمويته وعنفه ربط الأسد نهايته بنهاية وجود الدولة السورية , وهو جاد في نظرته , اما البقاء او الانتحار سوية .
هناك عوامل اضافية ساعدت جدا على عناد الأمية السياسية(الجاهل عنيد) ,فالأمية الأبجدية بقيت على مستواها في العالم العربي (50%), وفي سوريا لم يتغير المستوى السوري العام (حوالي 30%), الا أنه في محافظات كطرطوس حيث لاتوجد أمية أبجدية بقيت الأمية السياسية على حالها , سبب ذلك تطرف الأمية الاجتماعية التي تجلت بالتطرف الطائفي وتطرف النظرة للآخر عن طريق عامل الخوف , أنهم يعتقدون على أن نهايتهم مرتبطة بنهاية الأسد , ورحيل الأسد يعرضهم للموت ذبحا , وهذه النظرة التي أصبحت شبه ثابت هي قمة التجهيل , والذي ادخلها في عقول البشر كان الأسد .
مهما تعددت الأسباب هناك أمية سياسية ارتبطت باعاقة ديموقراطية والكل عمل من أجل الديكتاتورية , التي أصبحت أيامها معدودة ..الريح لم تعد تجري كما تشتهي سفن الأسد