المفاكرة التي يستخدم بها طرف من الأطراف مفردات وتعابير لايدرك تماما مدلولها, هي مفاكرة سيئة ومرهقة , ورئيسنا الأسد , قدس الله سره وأطال من عمره معروف في انفلاته بهذا الخصوص , اذ يستخدم دائما عبارات لايمكن تحميلها لغويا ماقد يقصده السيد الرئيس , هذا اذا كان يقصد شيئا ما .
لقد تنكر السيد الرئيس في لقائه الأخير مع الفضائية لمفردة “تعايش” لأنها غير دقيقة حسب زعمه ,يفضل “التجانس” , ويرى ان حياتنا ومخلوقاتنا البشرية السورية اما متجانسة , أو أنه سوف يجانسها , ولا أفهم لماذا رفض الرئيس مبدأ التعايش وماهي ضرورة التجانس؟.
فالتعايش يفترض وجودا مشتركا لفئات متناقضة في مجال واحد ..قد يكون مكان عمل أو دولة ..الخ , والتعايش يعني أن تعيش هذه الفئات الى جنب بعضها البعض بسلام ودون أن تعتدي أحد الفئات على الأخرى , وهذا ينطبق بالدرجة الأولى على الدول أكثر من انطباقه على الشعوب داخليا, أي على فئات شعب واحد , ومبدأ التعايش الدولي لايعرف ذلك النجاح الكافي في تطبيقه , خاصة بين الدول , التي تعيش معظمها في حالة لاسلام مع غيرها , البشرية لاتعرف أكثر من الحروب ولا تعرف أكثر من عدم التزامها بالتعايش , الذي أصبح مفهوما سياسيا بعد الحرب العالمية الثانية وبعد نشوء الأقطاب الشرقية والغربية في العالم,
أما التجانس , وحبذا لوكلف الرئيس نفسه عناء النظر في قاموس المعاني , لوجد ان كلمة التجانس تعني شيئا لاتعرفه الشعوب ..تجانس شخصان يعني اتحاد شخصان في الجنس والصفات , وكيف يمكن أن يتحد أفراد شعب ما في الجنس والصفات, والأسد لم يتعلم شيئا من هذا القبيل في المدرسة الابتدائي (الصف الخامس) اذ كتب في التربية الاجتماعية مايلي :نحن نحيا في مجتمع يتميز باختلاف أفراده ومجموعاته , فنجد الاختلاف على خلفيات دينية , قومية , جنسية , تربوية وغيرها , ولكل من هذه المجموعات توجد ميزات , خلفيات وتطلعات مختلفة , ولكي نستطيع العيش في بيئة آمنة صحيا وتربويا , يتحتم علينا أن نستوعب الآخر على جميع اختلافاته , أن نرى المميز به , وأن نسعى لايجاد القاسم المشترك بيننا ليشكل أساسا للعيش التوافقي ولبناء قاعدة متينة للمستقبل , ومع تقبل الآخر نحافظ على بيئة تلائم جميع أفرادها , وتلبي الحد الأدنى لطموحات واحتياجات أفرادها , فنحافظ على توازنها الداخلي ونخلق انتماء لدى ابنائها وأطيافها , هكذا فقط نعزز الشعور بالانتماء وشرعية الوجود لدى كل فرد , مما يخلق لديه الرغبة باستثمار امكانياته لخدمة مجتمعه ….هذا هو علم الاجتماع في المرحلة الابتدائية , ولوحفظ الرئيس ذلك عن ظهر قلب وردده أمام السيدة الصحفية , لكان في جوابه بعض المنطق , أما أن يدعي الرئيس على أن الشعب السوري متجانس , أو يجب أن يكون متجانس ! , فهذه هي قمة الضحالة المعرفية والرئيس لم يدرس جيدا في المرحلة الابتدائية , فتى القصر ونجل الرئيس ليس بحاجة ليدرس حتى ينجح ..انه فهيم بالوراثة , ورئيس بالوراثة وعظيم بالوراثة وناجح في الصف الخامس ابتدائي بالوراثة أيضا , وويل للاستاذ الذي ينزعج منه فرخ البط ..ففرخ البط عوام والى الأبد .
المجتمع ياسيادة الرئيس لايمكن أن يكون متجانسا , الا أذا كان مجتمع سوريا الأسد , حيث هناك الرئيس الواحد , والرأي الواحد , والنظرة الواحدة , وغير ذلك هم من اللصوص والمرتزقة والتكفيريين ..غير ذلك يمثل فائضا اجتماعيا يجب التخلص منه , وهذه حقيقة كانت نظرة السيد الرئيس تجاه المنشقين ..قال انه يرغب بانشقاقهم , وهروبهم , حتى أنه لمح الى مساعدتهم في الهروب , لأن عملية الانشقاق والهروب تمثل نوعا من تنظيف المجتمع من شوائبه , لقد قال ذلك بخصوص انشقاق رئيس وزرائه …التجانس ياسيادة الرئيس لايجدي ويتعارض مع الأمن المدني لشعب ما , ولايدعم التماسك , بل يقتل الحوار ويزرع التعصب , الذي يقود الى الصراع والى الحروب الأهلية , التي نحن بصددها الآن .. انها قسرية التجانس التي يراها السيد الرئيس ضرورة وضرورية للمجتمع .
التعددية ياسيادة الرئيس هي أساس كل سياسة خلاقة , البعد عن المطلقية هو أساس الديناميكية ,والدوغماتيكية هي أساس الديكتاتورية , ولو كان هناك خيارين فقط ..اما التعايش أو التجانس , لاختار الشعب الواعي التعايش ,ولايمكن اختيار التجانس , لأنه لايوجد أصلا تجانس ..الا في المخيلة !