روى الكاتب عبد الكريم بدرخان قصة مؤلمة ومؤثرة عن مصير بيت الشاعر نزار قباني ,البيت الذي قال عنه الشاعر انه قارورة عطر ,وأورد الكاتب بدرخان بعض الوقائع الأكثر مرارة , منها قضية استملاك وزارة السياحة لبيت الشاعر عام 2006 وذلك لتحويله الى معهد موسيقي , ولكن الكاتب أراد معرفة مصير البيت بنفسه , لذا بدأ بالبحث , والمفاجأة كانت التالية , فالبيت الذي تم تحويله الى معهد موسيقي لم يكن أصلا بيت نزار قباني , بل كان بيتا يخص أحد أفراد عائلة القباني , ومن المرجح أن يكون بيت خليل قباني , كما قدر الكاتب .
أخيرا وصل الكاتب الى بيت نزار قباني , وطرق الباب ,أطلت سيدة من النافذة , حيث أكدت له ان البيت هو بيت نزار قباني , ولم تسمح له بالدخول .
الكاتب مع مجموعة أخرى من أصدقاء ومعارف نزار قباني حولوا مرة أخرى الوصول الى داخل البيت عام 2012, قرعت المجموعة وفتح الباب ودخلوا حيث وجدوا ما لايستطيع الا نزار قباني وصفه …”بوّابة صغيرةٌ من الخشب تنفتح، ويبدأ الإسراءُ على الأخضر, والأحمر, والليلكيّ, وتبدءُ سمفونيّة الضوء والظّل والرخام”. ” شجرةُ النارنج تحتضن ثمارها, والداليةُ حامل, والياسمينةُ ولدتْ ألفَ قمرٍ أبيضَ وعلّقتهم على قضبان النوافذ. وأسرابُ السنونو لا تصطاف إلا عندنا”. ” البركة الوسطى تملأ فمها بالماء.. و تنفخه، وتستمرُّ اللعبة المائية ليلاً ونهاراً، لا النوافيرُ تتعب.. ولا ماءُ دمشق ينتهي”.
المضافة الصيفية في البيت كانت مزينة بالسيوف الدمشقية والأواني النحاسية , وصور كبيرة , ولم تكن هذه الصور للقباني أو غيره من العائلة , وانما كانت للعائلة الايرانية التي تسكن البيت ثم للخميني وصورته فوق الجميع , والى جانبه صورة حسن نصر الله , الذي تصدرت صورته البيت أيضا ,
سأل الكاتب ,ماذا تعني صور المشايخ والملالي في بيت نزار قباني , الا يكفي تحويل حي العمارة الى حي للمستوطنين الايرانيين وذلك بحجة قربة من مقام السيدة زينب , اليس من الوقاحة التعامل مع بيت نزار قباني بهذا الشكل ؟ لاحدود لوقاحة النظام الذي سمح في مناسبة أخرى بالاحتفال بيوم عاشوراء في المسجد الأنموي الكبير ,…بيت نزار قباني هو ضحية أخرى من ضحايا نظام الأسد , الذي يقوم بتدمير الحضارة والثقافة السورية منذ أربعة عقود .
الشاعر الكبيرشعر حتى قبل أكثر من عشرين سنة بالفاجعة وكتب قصيدته التالية في سقوط الديكتاتوريات العربية:
-
لمْ يبقَ فيهِم لا أبو بكر .. ولا عثمان
-
جميعُهُم هياكلٌ عظمية في متحفِ الزمان
-
تساقطَ الفرسانُ عن سروجِهم
-
واُعْلِنتْ دويْلة الخِصيان
-
واعتُقِل المؤذنونَ في بيوتهم
-
واُلْغِيَ الأذان
-
جميعُهُم .. تضخَّمت أثداؤهم
-
وأصبحوا نسوان
-
جميعُهم يأتيهُمُ الحيْضُ ومشغولونَ بالحمل
-
وبالرضاعهْ
-
جميعُهم قد ذبحوا خيولهم
-
وارتهنوا سيوفهم
-
وقدّموا نساءَهم هدية لقائد الرومان
-
ما كان يدعى ببلاد الشام يوما
-
صار في الجغرافيا…
-
يدعى (يهودستان)
-
اللهْ … يا زمان
-
…
-
لم يبقَ في دفاترِ التاريخ
-
لا سيفٌ ولا حِصان
-
جميعُهم قد تركوا نِعالهم
-
وهرّبوا أموالهم
-
وخلَّفوا وراءهم أطفالهم
-
وانسحبوا إلى مقاهي الموت والنسيان
-
جميعهم تخنَّثوا
-
تكحَّلوا…
-
تعطَّروا…
-
تمايلوا أغصان خيْزران
-
حتى تظنَّ خالداً … سوزان
-
ومريماً .. مروان
-
اللهْ … يا زمان…
-
…
-
جميعُهم موتى … ولم يبقَ سوى لبنان
-
يلبسُ في كلِّ صباحٍ كَفناً
-
ويُشْعِلُ الجنوبَ إصراراً وعُنفوان
-
جميعُهم قد دخلوا جُحورَهم
-
واستمتعوا بالمسكِ , والنساءِ , والرَّيْحان
-
جميعُهم : مُدَجَّنٌ , مُروَّضٌ , منافِقٌ , مزْدَوجٌ .. جبان
-
ووحدَه لبنان
-
يَصْفعُ أمريكا بلا هوادة
-
ويُشعلُ المياهَ والشطآان
-
في حينِ ألفُ حاكمٍ مؤمركٍ
-
يأخُذُها بالصّدرِ والأحضان
-
هلْ ممكنٌ أن يَعْقِدَ الإنسانُ صُلحاً دائماً مع الهوان؟
-
اللهْ … يا زمان ..
-
…
-
هل تعرفونَ من أنا ؟!
-
مُواطنٌ يسكُنُ في دولة ( قمْعِسْتان(
-
وهذهِ الدولة ليست نُكتة مصرية
-
او صورة منقولة عن كُتُبِ البَديعِ والبيان
-
فأرضُ (قمعستان) جاءَ ذكرُها
-
في مُعجمِ البُلدان …
-
وإنَّ منْ أهمِّ صادراتِها
-
حَقائِباً جِلدية
-
مصْنوعة من جسدِ الإنسان
-
اللهْ … يا زمان …
-
…
-
هل تطلبونَ نُبْذةً صغيرةً عن أرضِ (قمعستان)
-
تِلكَ التي تمتدُّ من شمالِ أفريقيا
-
إلى بلادِ نفْطِستان
-
تِلكِ التي تمتدُّ من شواطئِ القَهرِ إلى شواطئِ
-
القتْلِ
-
إلى شواطئِ السَّحْلِ , إلى شواطئِ الأحزان ..
-
وسيفُها يمتدُّ بينَ مَدْخلِ الشِّريانِ والشريان
-
مُلوكُها يُقرْفِصونَ فوقَ رَقبَة الشُّعوبِ بالوِراثة
-
ويَكْرهونَ الورقَ الأبيضَ , والمِدادَ , والأقْلامَ بالوراثة
-
وأول البُنودِ في دُسْتورها:
-
يَقضي بِأنْ تُلْغَى غريزَةُ الكلامِ في الإنسان
-
اللهْ … يا زمان …
-
…
-
هل تعرفونَ من أنا ؟!
-
مُواطنٌ يسكُنُ في دولةِ (قمْعسْتان)
-
مُواطنٌ …
-
يَحْلُمُ في يومٍ من الأيامِ أنْ يُصبِحَ في مرتبة الحيوان
-
مُواطنٌ يخافُ أنْ يَجْلسَ في المقهى ..
-
لكي لا تطلعُ الدولة من غياهبِ الفنجان
-
مُواطنٌ أنا .. يَخافُ أنْ يقرَبَ من زوجته
-
قُبيلَ أن تُراقبَ المباحثُ المكان
-
مٌواطنٌ أنا .. من شعبِ قمْعسْتان
-
أخافُ ان أدخلَ أيَّ مَسجدٍ
-
كي لا يُقالَ أنّي رَجُلٌ يُمارسُ الإيمان
-
كي لا يقولَ المُخبرُ السِّرِيُّ :
-
أنّي كنتُ أتْلو سورةَ الرحمن
-
اللهْ … يا زمان …
-
…
-
هلْ تعرفونَ الآنَ ما دولة ( قمْعسْتان) ؟
-
تِلكَ التي ألَّفَها .. لَحَّنَها ..
-
أخْرَجَها الشيطان
-
هلْ تعرفونَ هذه الدُوَيْلة العجيبة ؟
-
حيثُ دخولُ المرْءِ للمِرحاضِ يحتاجُ إلى قرار
-
والشمسُ كي تطلعَ تحتاجُ إلى قرار
-
والديكُ كي يَصيحَ يحتاجُ الى قرار
-
ورغبةُ الزوجينِ في الإنجاب
-
تحتاجُ إلى قرار
-
وشَعْرُ منْ أحِبُّها
-
يَمْنعُهُ الشرطيُّ أنْ يَطيرَ في الريح
-
بلا قرار
-
ما أردأَ الأحوالَ في دولةِ ( قمعستان)
-
حيثُ الذكورُ نسخة من النساء
-
حيثُ النساءُ نسخة من الذكور
-
حيثُ الترابُ يَكرهُ البُذور
-
وحيثُ كلُّ طائرٍ يخافُ من بقيَّة الطيور
-
وصاحبُ القرارِ يحتاجُ الى قرار
-
تلكَ هي الأحوالُ في دولة (قمعستان(
-
اللهْ … يا زمان …
-
…
-
يا أصدقائي :
-
إنني مُواطنٌ يسكُنُ مدينة ليسَ بِها سُكّان
-
ليسَ لها شوارع
-
ليسَ لها أرصفة
-
ليسَ لها نوافذ
-
ليسَ لها جدران
-
ليسَ بها جرائد
-
غيرَ التي تطبعُها مطابعُ السلطان
-
عنوانُها ؟
-
أخافُ أن أبوحَ بالعنوان
-
كلُّ الذي أعرفُهُ
-
أنَّ الذي يقودُ الحظّ إلى مدينتي
-
يَرْحمُهُ الرحمن …
-
…
-
يا أصدقائي :
-
ما هو الشعرُ إذا لم يُعلِنِ العِصيان؟
-
وما هو الشعرُ إذا لم يُسقِطِ الطغاةَ … والطغيان؟
-
وما هو الشعرُ إذا لم يُحْدِثِ الزلزالَ
-
في الزمانِ والمكان؟
-
وما هو الشعرُ إذا لم يَخلعِ التَّاجَ الذي يَلبَسُهُ
-
كِسْرى انوشَرْوان؟
-
…
-
مِنْ أجْلِ هذا اُعلنُ العِصْيان
-
باسمِ الملايينِ التي تجهلُ حتى الآنَ ما هو النهار
-
وما هو الفارقُ بينَ الغُصْنِ والعصفور
-
وما هو الفارقُ بين الوردِ والمنثور
-
وما هو الفارقُ بين النَّهدِ والرُمَّانة
-
وما هو الفارقُ بين البحْرِ والزَنْزانة
-
وما هو الفارقُ بين القمرِ الأخْضرِ والقُرُنْفُلَة
-
وبينَ حَدِّ كَلِمَةٍ شجاعة
-
وبينَ خدِّ المِقصَلة …
-
…
-
مِنْ أجلِ هذا اُعْلِنُ العِصْيان
-
باسمِ الملايينِ التي تُسَاقُ نَحْوَ الذبحِ كالقِطْعان
-
باسمِ الذين انْتُزِعَتْ أجْفانُهُم
-
واقتُلِعَتْ أسْنانُهُم
-
وَذُوِّبُوا في حامضِ الكِبريتِ كالدِّيدان
-
باسمِ الذينَ ما لهُمْ صوتٌ …
-
ولا رأيٌ …
-
ولا لِسان …
-
سَأعْلِنُ العِصْيان …
-
…
-
مِنْ أجلِ هذا اُعْلِنُ العِصْيان
-
باسمِ الجماهيرِ التي تَجلِسُ كالأبقار
-
تحتَ الشَّاشةِ الصّغيرة
-
باسمِ الجماهيرِ التي يُسْقونَها الوَلاءَ
-
بالمَلاعِقِ الكبيرة
-
باسمِ الجماهيرِ التي تُركبُ كالبعير
-
مِنْ مَشْرقِ الشّمسِ إلى مَغْرِبِها
-
تُركبُ كالبعير
-
وما لها من الحُقُوقِ غيرَ حقِّ الماءِ والشّعير
-
وما لها من الطُّموحِ غيرَ أنْ تأخُذَ للحلاّقِ زوجةَ الأمير
-
او إبنةَ الأمير…
-
او كلبة الأمير …
-
باسمِ الجماهيرِ التي تضرَعُ للهِ لكي يُديمَ القائدَ العظيم
-
وحُزمة البرسيم
-
…
-
يا أصدقاءَ الشعرِ:
-
إنِّي شجرُ النّارِ, وإنِّي كاهنُ الأشواق
-
والناطقُ الرسْمِيُّ عن خمسينَ مليوناً من العُشَّاق
-
على يدِي ينامُ أهلُ الحُبِّ والحنين
-
فمرةً أجعَلُهُم حَمائِماً
-
ومرةً أجعَلُهُم أشجارَ ياسمين
-
يا اصدقائي …
-
إنَّني الجُرحُ الذي يَرفُضُ دوما
-
سُلْطَة السِّكِّين
-
…
-
يا أصدقائي الرائعين:
-
أنا الشِّفاهُ للذينَ ما لهمْ شِفاه
-
أنا العُيونُ للذينَ ما لهمْ عُيون
-
أنا كتابُ البحرِ للذينَ ليسَ يقرأون
-
أنا الكتاباتُ التي يحفِرُها الدَّمعُ على عنابرِ السُّجون
-
أنا كهذا العصرِ, يا حبيبتي
-
أواجهُ الجُنونَ بالجُنون
-
وأكسِرُ الأشْياءَ في طُفولةٍ
-
وفي دمي , رائِحة الثورةِ والليمون …
-
أنا كما عَرفْتُموني دائماً
-
هِوايتي أن أكْسِرَ القانون
-
أنا كما عرفْتُموني دائماً
-
أكونُ بالشِّعْرِ … وإلاّ .. لا أريدُ أنْ أكون
-
…
-
يا أصدقائي:
-
أنتُمُ الشِّعْرَ الحقيقيَّ
-
ولا يُهمُّ أن يَضْحكَ … أو يَعْبِسَ …
-
أو أنْ يَغْضبَ السلطان
-
أنتُمْ سلاطيني …
-
ومنكُمْ أسْتمدُّ المَجْدَ , والقُوَّة , والسلطان …
-
قصائدي مَمْنوعة …
-
في المدنِ التي تنامُ فوقَ المِلحِ والحِجارة
-
قصائدي مَمْنوعة …
-
لأنّها تَحمِلُ للإنسانِ عِطرَ الحُبِّ , والحَضارة
-
قصائدي مرفوضة …
-
لأنّها لكُلِّ بيتٍ تَحْمِلُ البِشارة
-
يا أصدقائي:
-
إنَّني ما زِلتُ بانتظارِكم
-
لنُوقِد الشَّرارة !
هرب نزار قباني من نظام الأسد كما هرب الألوف أو الملاين من السوريين الى الخارج , ومن يعيش في أوروبا لايستطيع ان يعيش فيى كيان تحكمه عصابة , حيث لاوجود لما هو موجود في اوروبا , هناك دولا تستحق هذا الاسم, هناك قانون وهناك حريات وديموقراطية , وعنما يخطف احد ابنك لاتقول الدولة للوالد ..دبر نفسك !
لو كانت هناك دولة لما بقي بشار الأسد ربع ساعة على كرسيه , ولما بقي والده أيضا ربع ساعة , وبقاء الأسدية لأكثر من أربعين عاما هو البرهان على عدم وجود دولة , فالدولة موجودة عند وجود قانون , وعند وجود قانون لايمكن للأسد الثاني أن يغير الدستور ليتناسب مع عمره , الشخص يجب أن يتلائم مع الدستور , وليس الدستوزمع الشخص وما قام به الأسد بخصوص الدستور قبل أن يقوم بباقي فعلاته يستحق على الأقل المؤبد وفعلاته الأخرى أعظم بكثير من الاعتداء على الدستور , انظروا الى حالة سوريا