ليس من الصعب معرفة الأسباب التي تؤدي الى اندلاع ثورة , ولكن من الصعب التعرف على الأوضاع التي تحدد مسيرة الثورة ونهايتها , ان كانت ايجابية أو سلبية , والثورة السورية اندلعت لأسباب معروفة ووجيهه , وتطورت بشكل يمكن تقييمه سلبيا أو حتى ايجابيا , الا أن هذه السلبية أو الايجابية هي في معظم الأحوال مرحلية , والظروف التي ليست بيد الثورة قد تكون المسيطرة على مسيرة الثورة .
الثورة السورية تطورت بشكل عسكري , بشكل لايريده الكثير من المعارضون المسالمون وحتى العلمانيون , هذا التطور جاء فرضا من الخصم , الذي ظن على أن العسكرة والسجال العسكري سيقلب المعادلة لصالحه , وهذا الخصم شدد “ظاهريا” على ضرورة سلمية الثورة , التي لايريد لها اطلاقا النجاح , واتباعه قدموا الكثير من المغريات للبقاء في الشكل السلمي , اذا قالوا , لوبقيت الثورة سلمية , لنجحت في اسقاط النظام .
من الغريب أن يقدم مؤيدوا النظام نصائح حقيقية للثوار , الا أنهم حقيقة يريدون ايقاع المعارضة السلمية في الكمين , فقمع معارضة سلمية أمر بمنتهى السهولة بالنسبة للأسد , حيث يتم ايداع هذه المعارضة في السجون , كما فعل في عشرات السنين السابقة , وحيث من المنتظر أن يحتج البعض في العالم , الا أنه من السهل لفلفة الأمر , ..يطلق سراح البعض , وبعد فترة يعتقل النظام بديلا عنهم , أو يعتقلهم مرة أخرى , وهذا ماحدث بعد اطلاق سراح حوالي الفين منهم مقايضة على اطلاق سراح العشرات من الايرانيين .
الثورة تعسكرت , ليس لأنها تريد العسكرة , ولكن لأنها لم تقتدر على تجنب العسكرة , والوقوع في الشرك العسكري يتطلب عساكر , ومن أين نأتي بالعساكر ؟ . العسكر موجود في كل مكان وزمان , وهناك من اختص بالتعسكر , هناك المقاتلين , ومن هم هؤلاء المقاتلين ؟.
المقاتلين في سوريا هم فئة من البشرتشاطر بقية المعارضة رفضها للنظام الذي تقاتله , الا أن لهم بدون شك استراتيجيتهم وأهدافهم , التي تختلف عن أهداف واستراتيجية بقية المعارضة , ومعهم ستكون هناك مشكلة بعد تحقيق الأهداف الأولية , التي هي اسقاط النظام الأسدي , الا أنه بدونهم لايمكن التوصل الى هذا الاسقااط الضروري من أجل بداية جديدة في سوريا .
هناك شبه مدهش بين العسكرة السورية المعارضة والعسكرة الليبية المعارضة , فالنصر على القذافي كان نتيجة عمل مشترك داخلي -خارجي , وبعد نجاح الثوار والناتو في اسقاط القذافي , سقط الثوار المسلحون في أول انتخابات حرة في ليبيا , ولم يتجاوز عدد ممثليهم ربع ممثلي الشعب في المجلس النيابي, ثم تشكلت حكومة أولى وثانية , وهذه الحكومات التي تشكلت لاتمت الى الأصولية بصلة , الا أن الأصولية الدينية لاتزال تسبب عدم الهدوء هنا وهناك , ولايمكن بعد نصف قرن من حكم القذافي أن تسير الأمور بسلاسة وثبات , وكأن عمر الديموقراطية في ليبيا قرون.
في سوريا قد يصبح الوضع طبق الأصل عن الوضع الليبي , هناك العسكر المعارض , الذي حقق كما مدهشا من الانتصارات العسكرية على كتائب الأسد , وحتى في الحالة السورية , يجب الانطلاق من عمل عسكري مشترك داخلي-خارجي , حتى ولو اختلف شكل الدعم الخارجي في سوريا عن شكل الدعم الخارجي في ليبيا , لولا الخارج لاتقوم للمعارضة المعسكرة في سوريا قائمة , ولولا الخارج لالتهم الأسد الكتاائب المسكرة المعارضة خلال ساعات , من هنا فان الفرق بين سوريا وليبيا ليس أساسي , وانما ثانوي , والدعم الخارجي يزداد بلورة مع الوقت , وهناك عوامل عدة اثرت على وجود هذا التباين الثانوي بين ليبيا وسوريا , منها مثلا وضع مجلس الأمن والفيتو الروسي -الصيني , ومنها أيضا عدم وجود حاجة مطلقة وأساسية لدعم الثوار بالشكل الليبي , فالعنصر البشري في سوريا متوفر , وقد برهن تطور الثورة عسكريا عن ضعف شديد في كنائب الأسد , التي احتاجت اسابيع من أجل اجتياح بابا عمرو . كما ان كتائب الأسد تعاني من الفساد الذي أصبح في سوريا دستورا ..كتائب الأسد تزود الثوار بالسلاح مقابل المال , وهناك نقطة أخرى وهي الانشقاقات , والأهم من الانشقاقات الواقعية , هو الخوف من الانشقاقات , لذلك اضمحل الجيش الأسدي وتقزم ليتحول الى فرق علوية صرفة , والمجند أو الضابط السني يبقي محتجزا في ثكنته , ولم يقاتل مع كتائب الأسد , والبرهان على ذلك هي الأشرطة المسجلة التي تظهر جنودا يتكلمون اللهجة الساحلية العلوية حصرا .
لست هنا في سياق تحليل ظاهرة احتكار الأعمال العسكرية السلطوية من قبل طرف علوي , وتعداد الكوارث التي ستنجم عن وضع كهذا , يكفي القول على أن تحويل الجيش السوري الى جيش علوي هو من أعظم وأكبر الجرائم بحق الوطن عامة , وبحق الطائفة العلوية خاصة , وسنرى في السنين القادمة الكثير من عواقب هذا التحويل , الذي يتحمل الأسد مسؤوليته 100% .
من المنتظر أن ينتهي القتال يوما ما , ومن المنتظر أن يزول الأسد ونظامه , وكيف سيكون العهد الجديد ؟ .
العهد الجديد سيكون مطابقا للعهد الليبي الجديد , ستجري انتخابات يوما ما وسنعود الى عام 1954 تقريبا , وسيكون للاسلاميين عددا من الممثلين لن يتجاوز 25% من المجموع , وفي الانتخابات التالية ستنقص نسبة تمثيلهم الى حوالي 10% , وهذه النسبة صحيحة , لهم وجود في المجتمع السوري , ويجب أن يكون لهذا الوجود تمثيل ..هذه هي الديموقراطية !, التي سوف لن تتحلى من اللحظة الأولى بالهدوء والاستقرار الذي نراه في سويسرا , فسويسرا لها تراث ديموقراطي آخر , بعد ولادة الديموقراطية ,هناك مرحلة الطفولة ثم المراهقة وبعد ذلك البلوغ والنضوج , وحتى الشيخوخة ..الا أنه بيننا وبين البلوغ عشرات السنين , وسنبدأ بالطفولة , وهذا ليس بالعيب .
سوف لن تكون مشكلة السلاح المنتشر في البلاد عظيمة , وسيجري تجميع هذا السلاح بأسرع مما يتصور البعض , ولهذه السرعة علاقة نفسية بوضع الأٍسد , حيث يعتبر المسلحون شخص الأسد على أنه الشيطان الكبير (ربما لايستحق هذه الشيطنة) , وهمهم الكبير هو سقوط الشيطان , وبعد سقوط الشيطان سيشعرون على أن كل اهدافهم تحققت , اضافة الى عوامل أخرى مثل التعب من الحرب , وعامل آخر هو وجود فرص للعمل في اعادة الاعمار , ووجود المال لذلك , وسيكون هدف كل مقاتل الانصراف الى الأولاد والأسرة وتعداد من بقي منهم على قيد الحياة وتضميد الجروح .
كلمة عن مخاوف العلويين , المخاوف غير مبررة , وقد ادخل الأسد الخوف في عقول نفوس العديد منهم , سقوط الأسد سيحررهم من الأسر الأسدي , وسيطلق في البلاد موجة مبالغة من ممارسة التحابب وسوف لن يكون هناك قتل على الهوية , وسوف لن تكون هناك تمردات علوية , لأنه ليس للأسد اتباع حقيقيين , وكيف يمكن لانسان ذو عقل ومبدأ أن يؤيد الأسد , وذو المصلحة لايستمر في تبعية لاتراعي مصلحته ,والأٍسد لايستطيع أن يراعي مصالح أحد بعد سقوطه , وسنرى بعد السقوط قوافل من المؤيدين السابقين , وهم سيكونون أول من يمارس الشماتة به ..ناهيكم عن الشتائم التي برعوا جدا في ممارستها , وناهيكم عن التصقيق والتلفيق , الذي سيأتي على البلاد كالطوفان !