السنة الثالثة والأخيرة

ليس  من الصعب معرفة الأسباب التي تؤدي الى اندلاع  ثورة , ولكن من الصعب التعرف على الأوضاع التي تحدد مسيرة الثورة  ونهايتها , ان كانت ايجابية أو سلبية , والثورة السورية  اندلعت لأسباب معروفة ووجيهه  , وتطورت  بشكل  يمكن تقييمه سلبيا أو حتى ايجابيا , الا أن هذه السلبية أو الايجابية  هي في معظم الأحوال مرحلية   , والظروف التي  ليست بيد الثورة  قد تكون المسيطرة على مسيرة الثورة .

الثورة السورية تطورت   بشكل عسكري  , بشكل لايريده الكثير من المعارضون المسالمون وحتى  العلمانيون , هذا التطور جاء فرضا من  الخصم  , الذي ظن  على أن العسكرة  والسجال العسكري  سيقلب المعادلة لصالحه , وهذا الخصم شدد “ظاهريا”  على ضرورة  سلمية الثورة , التي لايريد لها اطلاقا النجاح ,  واتباعه قدموا الكثير من المغريات  للبقاء  في  الشكل السلمي  , اذا قالوا , لوبقيت الثورة سلمية  , لنجحت في اسقاط النظام .

من الغريب   أن يقدم  مؤيدوا النظام  نصائح  حقيقية  للثوار  , الا أنهم  حقيقة يريدون ايقاع المعارضة السلمية  في الكمين , فقمع  معارضة سلمية أمر بمنتهى السهولة بالنسبة للأسد , حيث يتم ايداع هذه المعارضة في السجون  , كما فعل  في عشرات السنين السابقة ,  وحيث من المنتظر أن يحتج البعض في العالم , الا أنه من السهل لفلفة الأمر ,  ..يطلق سراح البعض  , وبعد فترة   يعتقل النظام بديلا عنهم  , أو يعتقلهم مرة أخرى  , وهذا ماحدث بعد  اطلاق سراح حوالي الفين منهم مقايضة على اطلاق سراح  العشرات من الايرانيين .

الثورة تعسكرت ,  ليس لأنها تريد العسكرة , ولكن لأنها  لم تقتدر على تجنب العسكرة  , والوقوع في الشرك العسكري  يتطلب عساكر  , ومن أين نأتي بالعساكر ؟ . العسكر  موجود في كل مكان وزمان  , وهناك  من اختص  بالتعسكر  , هناك المقاتلين   , ومن هم هؤلاء المقاتلين ؟.

المقاتلين في سوريا  هم فئة من البشرتشاطر بقية المعارضة  رفضها للنظام الذي تقاتله  , الا أن لهم بدون شك  استراتيجيتهم  وأهدافهم , التي تختلف عن أهداف واستراتيجية بقية المعارضة , ومعهم ستكون هناك مشكلة بعد تحقيق الأهداف الأولية , التي هي اسقاط النظام الأسدي  , الا أنه بدونهم لايمكن  التوصل الى  هذا الاسقااط  الضروري من  أجل بداية جديدة في سوريا .

هناك شبه مدهش بين العسكرة السورية المعارضة  والعسكرة الليبية المعارضة  ,  فالنصر على القذافي  كان نتيجة عمل مشترك داخلي -خارجي  , وبعد  نجاح الثوار والناتو في اسقاط القذافي  , سقط الثوار المسلحون في أول انتخابات حرة في ليبيا  , ولم يتجاوز  عدد  ممثليهم  ربع  ممثلي الشعب في المجلس النيابي,  ثم تشكلت حكومة أولى وثانية  , وهذه الحكومات التي تشكلت لاتمت الى الأصولية بصلة  , الا أن الأصولية الدينية لاتزال تسبب   عدم الهدوء هنا وهناك , ولايمكن  بعد نصف قرن  من  حكم القذافي   أن تسير الأمور  بسلاسة  وثبات  , وكأن عمر الديموقراطية في ليبيا قرون.

في سوريا   قد يصبح  الوضع  طبق الأصل عن الوضع الليبي ,   هناك العسكر المعارض  , الذي حقق   كما مدهشا من الانتصارات  العسكرية على  كتائب الأسد , وحتى  في الحالة السورية , يجب الانطلاق من  عمل عسكري مشترك داخلي-خارجي , حتى ولو اختلف  شكل الدعم الخارجي في سوريا عن شكل الدعم الخارجي في ليبيا , لولا الخارج  لاتقوم للمعارضة المعسكرة في سوريا قائمة , ولولا الخارج لالتهم الأسد  الكتاائب المسكرة المعارضة خلال ساعات  ,  من هنا فان الفرق بين سوريا وليبيا ليس أساسي , وانما ثانوي ,  والدعم الخارجي يزداد بلورة مع الوقت  ,  وهناك  عوامل عدة اثرت على وجود هذا التباين الثانوي بين ليبيا وسوريا   , منها مثلا  وضع مجلس الأمن  والفيتو الروسي -الصيني , ومنها أيضا عدم وجود حاجة مطلقة  وأساسية   لدعم الثوار بالشكل الليبي , فالعنصر البشري في سوريا متوفر , وقد  برهن تطور الثورة عسكريا  عن ضعف شديد في كنائب الأسد , التي احتاجت اسابيع  من أجل اجتياح بابا عمرو . كما ان كتائب الأسد تعاني من الفساد الذي  أصبح في سوريا  دستورا ..كتائب الأسد تزود الثوار  بالسلاح  مقابل المال , وهناك نقطة أخرى  وهي  الانشقاقات  , والأهم من الانشقاقات  الواقعية  , هو الخوف من  الانشقاقات  , لذلك  اضمحل الجيش  الأسدي  وتقزم  ليتحول الى فرق  علوية صرفة , والمجند  أو الضابط   السني يبقي محتجزا في  ثكنته  ,  ولم يقاتل مع كتائب الأسد  , والبرهان على ذلك  هي الأشرطة المسجلة  التي تظهر جنودا يتكلمون اللهجة الساحلية العلوية حصرا .

لست هنا في سياق  تحليل ظاهرة  احتكار الأعمال العسكرية  السلطوية من قبل  طرف علوي ,  وتعداد الكوارث  التي   ستنجم عن  وضع كهذا , يكفي القول   على أن  تحويل الجيش السوري الى جيش علوي  هو من أعظم وأكبر الجرائم بحق الوطن عامة   , وبحق الطائفة العلوية خاصة , وسنرى في السنين القادمة الكثير من  عواقب  هذا  التحويل , الذي يتحمل الأسد مسؤوليته  100% .

من المنتظر  أن ينتهي القتال يوما ما  ,  ومن المنتظر  أن يزول الأسد ونظامه  , وكيف سيكون العهد الجديد ؟ . 

العهد الجديد سيكون مطابقا للعهد الليبي الجديد  , ستجري انتخابات  يوما ما   وسنعود  الى عام 1954 تقريبا  , وسيكون للاسلاميين  عددا من الممثلين  لن يتجاوز 25%  من المجموع  , وفي الانتخابات التالية  ستنقص نسبة تمثيلهم الى حوالي  10%  , وهذه النسبة صحيحة  , لهم وجود في المجتمع السوري  , ويجب أن يكون لهذا الوجود تمثيل ..هذه هي الديموقراطية !, التي سوف لن  تتحلى من اللحظة الأولى بالهدوء والاستقرار الذي نراه  في سويسرا , فسويسرا  لها تراث ديموقراطي آخر , بعد ولادة الديموقراطية ,هناك مرحلة الطفولة  ثم المراهقة  وبعد ذلك البلوغ والنضوج  , وحتى الشيخوخة  ..الا أنه بيننا وبين البلوغ  عشرات السنين , وسنبدأ بالطفولة  , وهذا ليس بالعيب .

سوف لن تكون مشكلة السلاح المنتشر في البلاد  عظيمة , وسيجري تجميع هذا السلاح  بأسرع مما يتصور البعض  ,  ولهذه السرعة علاقة نفسية  بوضع الأٍسد  , حيث يعتبر المسلحون   شخص الأسد على أنه الشيطان الكبير (ربما لايستحق هذه الشيطنة) , وهمهم الكبير  هو سقوط الشيطان  , وبعد سقوط الشيطان  سيشعرون على أن  كل اهدافهم تحققت  , اضافة الى عوامل أخرى مثل  التعب من الحرب , وعامل آخر هو وجود فرص للعمل  في اعادة الاعمار  , ووجود المال لذلك , وسيكون  هدف كل مقاتل  الانصراف الى  الأولاد والأسرة   وتعداد من بقي منهم  على قيد الحياة  وتضميد الجروح .

كلمة  عن  مخاوف العلويين , المخاوف غير مبررة  , وقد  ادخل الأسد الخوف في عقول   نفوس العديد منهم  , سقوط الأسد سيحررهم  من الأسر  الأسدي , وسيطلق  في البلاد موجة مبالغة من  ممارسة التحابب  وسوف لن يكون هناك قتل على الهوية  ,  وسوف لن تكون هناك تمردات علوية  , لأنه ليس للأسد اتباع حقيقيين  , وكيف  يمكن لانسان ذو عقل   ومبدأ أن يؤيد الأسد , وذو المصلحة  لايستمر  في  تبعية  لاتراعي مصلحته ,والأٍسد لايستطيع  أن يراعي  مصالح  أحد بعد سقوطه  , وسنرى بعد السقوط قوافل  من  المؤيدين السابقين  , وهم سيكونون أول من يمارس الشماتة به ..ناهيكم عن الشتائم  التي برعوا جدا في ممارستها , وناهيكم عن التصقيق والتلفيق  , الذي  سيأتي على البلاد كالطوفان !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *