أنطون مقدسي والمرض الأسدي

المفكر والفيلسوف المتواضع المتوفي أنطون مقدسي  كتب رسالة مفتوحة الى الرئيس الأسد عام 2000 , وقد وجدت من المفيد نشر هذه الرسالة  , التي قادت وزارة  الاعلام السورية الى تسريح أنطون مقدسي من  وظيفته أو بالأحرى انهاء عقد التعاقد معه , هذه الرسالة  تكشف بشكل واضح   ايجابية الشعب السوري  , الذي يمثله  أنطون مقدسي  تلقائيا  وبدون تزوير الاستفتاء  ,لقد أكتشف المقدسي وغيره  في مراحل مبكرة  المرض الأسدي , وبكل تواضع ومحبة حاولوا   تصحيح الأوضاع , الا أن الضباع  لم يكن بنيتهم الا  ممارسة الاستبداد والاستغلال  من أجل المنافع المادية , اليكم ماقاله مقدسي في رسالته :

الى سيادة الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية

سيدي :

اسمح لي أن أهنأك بالرئاسة الأولى ، و أيضاً بكلمات وردت في بيانك ، حقاً واعدة (احترام الرأي الآخر – ترجيح وجهة نظر الدولة على وجهة نظر الزعامة …) و بالاجراءات التي اتخذتها و نفذت : إلغاء اللافتات ، منع المسيرات ، إغلاق المضافات …

إنها بداية لدرب طويل إذا سلكناه يمكن أن ننتقل تدريجياً من البداوة و الحكم العشائري الى حكم القانون و بداية الدخول في القرن الواحد و العشرين .

لقد كفانا يا سيدي من الكلام الفضفاض :

مكاسب الشعب ، انجازات الشعب ، ارادة الشعب .

الشعب غائب يا سيدي منذ زمن طويل ، ارادته مشلولة تقوم اليوم على تحقيق هدفين :

الأول و على الصعيد الخاص ، أن يعمل ليلاً نهاراً كي يضمن قوت أولاده .

الثاني و على الصعيد العام ، أن يقول ما يطلب منه قوله ، و أن يتبنى السلوك الذي يطلب منه : ( مسيرات ، هتافات …).

إن الذي يعصم هذا الشعب من الدمار ، هو أنه يتعايش مع هذا الوضع المتردي تعايش المريض مع مرض مزمن .

ربما بدأ هذا الشعب يشعر بوجوده في أواسط الأربعينيات ، بعد نضال طويل ضد الأجنبي ، و لكن سرعان ما توالت الانقلابات العسكرية ، فلم يعد أمامه سوى العودة الى قوقعته بانتظار الأوامر …

الوضع العام ، و باختصار يا سيدي : انهيار عام ، سياسي و اقتصادي و أيضاً ثقافي و انساني .

ربما كانت سورية في السبعينات بعد نكبة 1967 ، و بعد انهيار البنى العشائرية ، بحاجة الى حكم قوي يلم شتات البشر ، لكنا اليوم صرنا كما قلت سيادتك ، في القرن الواحد و العشرين .

إن الشعب بحاجة بادئ ذي بدء ، أن تعود إليه ثقته بنفسه و بحكومته – و الاثنان واحد – و هذا ليس بالأمر السهل ، فقد يحتاج الى سنوات من أخذ الرأي الآخر بالاعتبار ، كما قلت ، و من ثم يتحول تدريجياً من وضع الرعية الى وضع المواطنة .

أتمنى لك يا سيدي التوفيق في السير على درب محفوفة بالمزالق من كل الأنواع .

و تفضل بقبول فائق احترامي

أنطون مقدسي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *