هل الخريف أمامنا أم خلفنا ؟
كل يسمي المرحلة الحالية باسم يتناسب مع هواه وميوله أو بالأصح حسب مايعتقد على أنه من مصلحته , والفرق كبير جدا بين المصلحة الحقيقية , والمصلحة الافتراضية , فهناك من يعمل ضد مصلحته , ويظن على أن عمله من أجل مصلحته .. انه التوجه الجاهل أو المضطرب , كثيرون لايعرفون أين هي مصالحهم , والأمثلة على ذلك عديدة , فهل وقوف مسيحي العراق مع صدام من أجل مصالحهم ؟, هل المادة الثامنة من مصلحة حزب البعث ؟ هل البند الثاني من المادة الثالثة من الدستور السوري من مصلحة من صاغ هذه المادة وهو حافظ الأسد ؟ ولو افترضنا النية الجيدة عند الحكام العرب , هل الفساد من مصلحة الشعوب ؟ , وهل افناء المواطن من خلال أجهزة الأمن هو الطريق الأمثل لتحرير فلسطين ؟ بشكل عام هناك تباين كبير بين القصد والنتيجة ,هناك جهل وعدم معرفة , ناهيكم عن السلبيات الأخرى كالأنانية والاجرام وفقدان الضمير والوحشية..الخ , كل ذلك يتزاوج مع الجهل وعدم المعرفة لينتج أوضاعا كالوضع الذي تحن به الآن .
السؤال هل نحن أمام الخريف العربي , أو أن الخريف العربي أمامنا , هو سؤال بسيط , اذا كانت هناك شيئ من التجرد في الاجابة , والمتجرد يستطيع القول على أن الخريف العربي أصبح خلفنا , لماذا ؟ .
تسمية حالة بأنها “خريف” يعني ان الحالة سيئة , وهل يوجد أسوء من الحال العربي تحت حكم الديكتاتوريات . ان كان القذافي أو الأسد أو مبارك أو البشيرأو كامل الملوك والأمراء , , اسوء ماعرفه ويعرفه العالم اقتصاديا , ديموقراطيا , عسكريا , سياسيا , اجتماعيا وانسانيا , وهل يعرف التاريخ شبيها لهم , ومنهم من حكم أكثر من أربعين عاما , والبعض لأكثر من ثلاثين عاما وآخرون أكثر من عشرين عاما , وهل يعرف العالم فترات حكم شبيهة بفترات حكم القذافي أو الأسد أو مبارك ( أطول مدة حكم في مصر بعد رمسيس الثاني ) , انهم مساطر غير مألوفة من المخلوقات البشرية , ان كان في مجال الجنون كالقذافي , أو الاجرام كالأسد , أو الجشع كمبارك .. لذا فان فترات مابعد الاستقلال في كل هذه الدول , هي فترات خريف وفترات ظلام دامس وظلم لامثيل له .
المقدرة على الثورة اختلفت من دولة عربية لأخرى , الثورة بدأت في أكثر البلدان العربية تقدما , وأقل البلدان العربية حاجة للثورة (نسبيا) , أي في تونس حيث هناك نقابات عمال , وحتى دخل الفرد التونسي كان اعلاه في العالم العربي الغير نفطي , وقد كانت هناك امكانية للثورة , لأن بن علي وقبله بورقيبة لم يسحقوا شعوبهم بالشكل الذي تم في سوريا مثلا , وبالتالي بقي الانسان الذي يستطيع أن “يثور” , وحتى مصر كانت متقدمة على سوريا في هذا المجال لأكثر من خمسين عاما , هناك في هذه البلدان جيوش وطنية لم تقتل الشعب من أجل الحاكم , هناك أيضا بقايا من المؤسسة القضائية , وهناك بعض الحريات, التي مكنت الناس من الانتفاض من دون تعريض الحياة لخطر الموت تحت التعذيب كما هو كال الشعب السوري المنكوب والمسحوق ,اندلاع ثورة يفترض وجود ثوار , والميت في أقبية المخابرات لايقوى على الثورة ,بالرغم من حاجته الماسة لها .
بالرغم من كل الصعوبات انفجرت الثورة السورية بكادر خجول من المساجين السابقين , فما كان من الغول السلطوي الا أن التهمهم وأعاد الكثير منهم الى القاووش والى التعذيب حيث كانوا , وأعلن الحرب على الثورة , اطلق الرصاص على المتظاهرين وفتك بهم ,واعتقل من كتب مقالا ومن همس بكلمة تعارض رأي الرب ,الا أن الأسد نسي في هذه المناسبة رواد المساجد ومدارس تحفيظ القرآن , التي أكثرت الأسدية في بنائها كنوع من البرطيل للفئات الاسلامية .
بناء المساجد كان نشيطا جدا , وبناء مدارس تحفيظ القرآن كان سخيا ووافرا , أما خارج المساجد والمدارس فقد تعاملت السلطة مع الاسلاميين بمنتهى العنف والاجرام , وردة فعلهم لايمكن أن تكون الا اجرام وعنف , واستخدام الاجرام والعنف من الطرفين , قاد البلاد الى حالة تسمى الحرب الأهلية , التي نحن الآن بها , والسلطة فرضت على نفسها بذلك خصما من شاكليتها , وهذا الخصم سينتصر عليها , وبذلك عملت السلطة ضد مصلحتها وضد مصلحة الوطن , حيث ستزول السلطة الأسدية بفعل الاسلاميين , وليس بفعل الثوار المسالمين .
زوال السلطة الأسدية بحد ذاته هو ايجابية عملاقة , وبها يتمثل الربيع السوري , اسقاط الفساد والاستبداد والاستعباد هو بحد ذاته ولوحده ربيعا مزهرا ,ولا يجوز تمييع هذا الانجاز بأي شيئ آخر , حيث أنه من الضروري تعريف التطور بمعالمه المتعددة , الاسقاط هو من أهم المعالم وأكثرها ايجابية , ايجاد البديل الأمثل هو مهمة أخرى , قد تنجح وقد تفشل , والحكم على الاسقاط وعلى البديل لايمكن أن يتم خلال أشهر أو حتى سنوات , لأن الاسقاط لايقتصر على الفرد , وانما هو نظام مترسخ متجذر وعمره نصف قرن , والبديل ليس بشخص , وانما بنظام يستغرق بنائه عشرات السنين , والمهم في هذه الحالة هي “الوجهة والاتجاه” , الاتجاه نحو الاسقاط بكامل اركانه , والوجهة نحو نظام يصر أن يكون مدني تحرري وديموقراطي .
من الأمثل لو كان بالامكان البدء ببناء سوريا الجديدة في سياق مرحلة واحدة , حيث يزول السيئ ويأتي الجيد , الا أن الأسد المتجذر في كيان الفساد والافساد لايريد لها أن تكون سهلة , لذا عمل على خلق خصم على ىشاكلته , وعمل على الترويج لذاته بالقول , اني سيئ , الآتي سيكون أسوء , لقد خلق من ظن انه سيأتي , وبذلك ظن على أنه كسب المفاضلة , وبالواقع كسب هنا بعض العقول , التي انطوت عليها التلفيقة , فالحقيقة هي أن من سيأتي من الساسة هم من الائتلاف وهيئة التنسيق ثم المجلس الوطني , وهذا ماسوف تبرهن عنه تشكيلة وزارة المنفى , ففي هذه الوزارة لاوجود للنصرة أو غيرها , دور النصرة هو حربي وهو مفروض عل الثورة من قبل السلطة , وهذا الدور سينتهي بانتهاء الحرب , أي بعد سقوط الشخص وأركانه , لاوجود للعرعور أو النصرة على المسرح السياسي ,انهم طاقم الحرب , ولا وجود لدور لهم في السلم , وهذه الحالة معروفة في كل الثورات تقريبا .
لاشك على أنه من الممكن أن يسبب بعض هؤلاء بعض المتاعب , كما هو حال ليبيا, التي عرفت اثناء الثورة اعلان الامارات الطالبانية و الشريعة في بعض المناطق والخلافة في مناطق أخرى , حيث تربع بعض امراء الحرب على كراسي الخلافة ونصبوا انفسهم امراء للمؤمنين , أين هم الآن وأين هي الخلافة في ليبيا وأين هي الشريعة ؟ وهذا في ليبيا المتأخرة , فكيف سيكون وضع الشريعة والخلافة في سوريا المتقدمة على ليبيا قرنا كاملا ؟لا خوف من شراذم فولوكلورية , فربيع سوريا الذي بدأ باسقاتط النظام الأسدي سيستمر ولا عودة الى الخريف, الثورة السورية الثانية ضد هؤلاء ستكون سهلة وناجحة , وسينتهون بانتهاء دورهم .