عمر عزيز

عمر عزيز، تذكروا هذا الاسم، اسألوا عنه، لاحقوه، اعرفوا في أيدي من وقع، أي مخابرات اعتقلته وبأي تهمة، اعرفوا أين صار اليوم وفي أي معتقل.
أعرف عمر عزيز، أعرفه صديقا لأصدقاء، لكن سرعان ما صار صديقا لي. مثل عمر عزيز لا نحتاج إلى وقت لنغدو أصدقاء له، مثله إذا التقينا به وجدنا ان ثمة أواصر صنعها الزمن بيننا، أواصر صنعتها القراءة، أواصر صنعتها القيم والمثل المشتركة، أواصر صنعتها القضايا والمواقف. مثل عمر عزيز لا تحتاج إلى مقدمات كثيرة لتغدو بينكما صلة، فأنتما من مكانين متباعدين واجهتما ذات المسائل وربما بذات النبض وذات الانفعال وذات النهايات وذات الانعكاس. أنتما معاً انتميتما إلى الجيل نفسه، جيل الهزائم وجيل الحيرة وجيل التحولات السريعة وجيل اليسار المنكفئ وجيل الانعطافات الكاسرة، أنتما معاً بدون ان تلتقيا قرأتما، ربما، ذات الكتب، وأنتما معاً عشتما ذات اللحظات، لحظات الانكسار الكبرى، وانتما معا ندمتما لأنكما عييتما وانكفأتما وتركتما الساحة بل الساحات، وربما شعرتما معا في يوم انكما اذنبتما من غير ذنب، وأنكما خذلتما قومكما من غير خذلان، وانكما تشتتما وَضِعتُما من غير حيرة او بحيرة. وانكما ابتعدتما أكثر فأكثر عن أحلام المهد واشراقات المراهقة وهتاف الشباب. حتى إذا التقيتما ذات يوم، ذات يوم في ذيل السنين والعقود، التقيتما وقد خطوتما في الستين، اكتشفتما، كل من جهته، انه يسمع من الآخر صوت ضميره وأنه يسمع من الآخر صدى تجربته، وانه والآخر توأمان، وشبههما ليس أي شبه وإنما هو فوق آصرة العقل يرقى إلى الحس والذوق والسلوك.
عمر عزيز الذي التقيته منذ سنوات، وجدت فيه رقة آسرة وحميمية ولطفاً، وجدت فيه ستينيا تحول العمر معه إلى حنان وإلى رأفة وإلى شاعرية ضمنية وإلى ثقافة وإلى أحلام كبيرة وإلى إحساس رفيع. التقينا مرات قليلة، لكنني من المرة الأولى أحببت صوته ونظرته ورقته وكبر قلبه، من المرة الأولى منحته ماضي ومنحني ماضيه، من المرة الأولى استعرته لنفسي واستعارني لنفسه، أعلم بعد وقت ان الرجل الذي عاد إلى بلده بعد غربة تعد بالعقود في السعودية قد وقع بين أيدي المخابرات، حملوه من بيته في دمشق واختفى من ذلك الحين. اختفى عمر عزيز في زحمة الأحداث التي تملأ سوريا، الأحداث التي تملأ دمشق. لم أسمع صوته وهو يساق إلى المعتقل، إذا بقي له صوت، الأحداث الرهيبة تعلو فوق كل الأصوات، ومن الممكن ان يختفي شخص تحتها إلى الأبد. هذا مصدر رعبي، لذا تذكروا هذا الاسم، لاحقوه، اسألوا عنه، اعرفوا في أي معتقل هو. رعبي ان يكون اختفى واحتبس صوته إلى الأبد.
عمر عزيز أستاذ الاقتصاد، المجاز من فرنسا، المثقف الكبير، لستَ وحيداً في سجنك، لستَ وحيداً في عزلتك. لستَ وحيداً، جيل وأحلام وتجربة تُحاكم معك.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *