العواينة:
اذا اعتبرنا على الأزمة هي مرض في الجسد , فلا أظن على أنه يوجد مرض الا وأصاب الجسد السوري , من هنا يجب القول على أن الحديث عن أزمة المواطنة , لايعني خلو الوطن من أزمات أو أمراض أخرى , الحديث عن المواطنة مهم , لأن الانسان السوري يفتثد الى الكثير من المواطنة , والوطن السوري يحتاج الى الكثير من المواطنة .
الوطنية تعني الولاء العميق للوطن , ولهذا الولاء اسباب موضوعية بعيدة جدا عن الرومانتيكية , وقريبة جدا من المنافع المتبادلة , فالوطنية تنجم عن ثقة الفرد بدور الوطن وبمقدرته على نقل الانسان من الحالة الفردية الخاصة الى الحالة الاجتماعية العامة , التي تقدم للفرد عن طريق التعاون والتضامن والتكاتف الكثير من الايجابيات , التي لايستطيع الفرد لوحده تأمينها وتحقيقها .
تتعثر جهود الوطن في تقديم الايجابيات الى المجتمع , ويتعثر تحويل الفرد الى مواطن , عند طغيان أوضاع تتلائم مع الفردية وتتناقض مع الأسس الاجتماعية ..مثلا عند تحكم المبادئ العنصرية ( عنصرية دينية أو عنصرية قومية أو عرقية أو فئوية ..الخ ) في المجتمع , مما يقود الى شطر المجتمع وبعثرته , ثم الى تحول المواطن الى فرد مستوطن , لايسكن بيته الذي هو الوطن , وانما يصبح الوطن بالنسبة له شبيه بالفندق,كل ذلك يقود الى تصدع ممارسات العدالة الاجتماعية , كل ذلك يقلص الكيان الوطني للمواطن ويضخم الكيان الشخصي لهذا المواطن , أي أن العلاقة الاجتماعية مع الوطن اندثرت , والعقد الاجتماعي أصبح لاغي لأن تبادل المنافع , الذي هو قاعدة هذه العلاقة ,زال .
اللغة العربية تعرف المبالغة , ومن يسجل مايقال في سوريا عن الآخر , يصل الى النتيجة التي تقول ان كل الشعب مؤلف من خونة, ذلك لأن كل جهة تتهم الجهة الأخرى بالخيانة ,وأغلب الظن على أن في هذه الاتهامات الكثير من المبالغة والكثير من عدم الدقة , أيضا الكثير من الدلالات والايحاءات , هذه المبالغة تريد أن تدلل على أن هناك ثمة نقص أو اضطراب في كيان المواطن السوري , اضطراب لايصل الى حد الخيانة وانما قد يسير باتجاهها أو يقترب منها , الانسان السوري , بصريح العبارة , مريض , ولا يمكن ان يكون صحيح الجسم والعقل والنفس عندما يولد ويكبر في السجن الأسدي الكبير أو الصغير .
الجو الذي عاش به الانسان السوري منذ نصف قرن سبب العديد من الأمراض , ومن هذه الأمراض ضغف أو شلل “المواطنة” , ذلك لأن الوطن الذي تمثله السلطة لايقوم بواجباته تجاه الجميع بالتساوي , فالبعض احتكر مقدرات الوطن جميعها لنفسه وعائلته وأصحابة وسكان قريته , وهؤلاء كلهم لايتجاوزون نسبة ال3% من الشعب السوري وهذه النسبة تملك مايعادل 97% من ثروات الوطن وموجوداته , الكتله الكبرى من الشعب تنال فقط الفتات والفضلات .
رفض الفتات والفضلات تجلى خلال نصف القرن الماضي بعدة صور , منها على سبيل المثال عدم اهتمام المواطن بالمرافق العامة وتخريبها عمدا , منها أيضا الشراكة في ممارسة الفساد وعدم الاعتراض المدوي على ممارسات الفساد , الانسان السوري “فرد” يريد أن يحل مشاكله , ولا يهتم بما يسمى وطن, لقد استقال من شخصيته الاعتبارية الاجتماعية وعاد الى “فرديته” ..انه مستوطن في سوريا ..سوريا الفندق , همه تمشية أموره ولايهتم بما يسمى “العام” , وبهذه الصفات يتميز مثلا عن الانسان الأوروبي , الذي هو مواطن بكل ماتعنيه هذه الكلمة , تصوروا رئيسا اوروبيا بصفات السيد بشار الأسد , تصوروا هولاند الفرنسي مع الشبيحة والفساد وتزوير الاستفتاء وغير ذلك من المناقب الأسدية , هولاند الأسدي لايستطيع الاستمرار بمركزه ساعة واحدة , الشعب الفرنسي واقف بالمرصاد لكل مخالفة لأسس الديموقراطية والشفافية والحرية والعدالة الاجتماعية …هل يستطيع هولاند الأسدي أن يوزع المكارم على البشر من جيبه أو من الخزينة العامة , وعندما يفعل ذلك من جيبه يأتي السؤال فورا , من أين له هذا ؟؟.
لم يكن بمقدور السلطة ادراك الرفض السلبي لها عن طريق استقالة الفرد من كيانه الاعتباري كمواطن ,أو أنها لم تريد ادراك ذلك , , ومنذ البدء تحصنت السلطة وراء جدار العنف والبربرية , التي تجلت بممارسة القمع واستخدام الكرباج والساطور والسجن والتعذيب والقتل والفساد والعنصرية والطائفية , وكل ذلك برسم ماسموه الأمن والأمان , وعمليا لايعني الأمن والأمان الا أمن هؤلاء وأمانهم , وكل هؤلاء يتواجدون في السلطة , وأكثرهم أتى من الفئة العلوية , وبالرغم من ذلك لايجوز لأسباب عدة الحديث عن حكم الطائفة وانما فقط عن طائفة الحكم , وفي الحكم أي السلطةتوجد طوائف عدة , وكلهم يكونون طائفة جديدة هي الطائفة.. الأسدية , التي تتعثر وتستبد وتحتكر وتقهر وتسجن وتعذب , فئة لافكر عنها الا فكر القمع وممارسات العنف , وبالعنف والقتل يقضي الانسان على غيره , وأخيرا على نفسه أيضا …بشر القاتل بالقتل , ولو بعد حين !