سوريا أمام صعوبات الأزمة

مهما كان شكل تطور الأحداث في سوريا خلال عام 2013 فإنه سيكون العام الأصعب الذي يواجه السوريين منذ عقود طويلة بما فيها العامان الأخيران، وما حدث خلالهما من تطورات وتداعيات في أزمة سوريا، ويستمد هذا التقدير أسانيده من وقائع العامين الماضيين، ومن الاحتمالات التي يسير إليها مصير الوضع السوري في جوانبه الأمنية والسياسية والاقتصادية – الاجتماعية.

ويضع عام 2013 سوريا في سياق واحد من مسارين؛ أولهما استمرار الصراع العسكري، وصولا إلى حل عبر القوة، وهو المسار الأكثر ترجيحا للتحقق.. والثاني مسار الحل السياسي الذي يملك فرصا قليلة، وهي فرص تزداد ضعفا كلما أوغلت الأزمة في مسار الصراع العسكري. وإذا كانت الأزمة ستمضي في مسار الحل العسكري فإن ذلك يعني استمرار الخسائر البشرية والمادية وتصاعدها، ليس فقط بسبب تزايد المساحة الجغرافية للصدام الذي لا شك أنه سيطال مناطق ظلت تقريبا خارج صراع القوة، أو أن الصراع طالها بشكل محدود مثل دمشق والسويداء في الجنوب واللاذقية وطرطوس على الساحل والحسكة في الشرق، وحماه في وسط البلاد، ولكن لأن استخدام القوة سيكون أكثر عنفا مما جرى حتى الآن، ليس بسبب طموح النظام والمعارضة المسلحة ورغبة كل منهما في إلحاق هزيمة حاسمة بالآخر فقط، بل لأن النظام سيذهب إلى استخدام كل طاقة تدميرية يملكها، فيما ستحشد المعارضة أكبر أعداد من مقاتليها في الصراع. وخلاصة الأمر في ذلك أنه سيكون هناك ارتفاع في أعداد الضحايا القتلى والجرحى، ومثلهم من المعتقلين والمفقودين والمختطفين الذين لا شك أن أعدادهم سوف تزداد بصورة مخيفة لأسباب وعوامل متعددة.

وسيؤدي استمرار مسار الصراع العسكري وتصعيده إلى مزيد من توقف الأنشطة والفعاليات الاقتصادية والخدمية، ودمار البنى التحتية خاصة شبكات المواصلات والماء والكهرباء، إضافة إلى دمار البيوت والمنشآت الإنتاجية والخدمية والمرافق العامة، بما فيها المدارس والمشافي، وكله سيسبب مزيدا من المعاناة والنزوح، إضافة إلى هجرة السوريين إلى دول الجوار، حيث ستتفاقم مشاكلهم هناك ومشاكل من سبقهم، والتقديرات في هذا الجانب تشير إلى تدهور خطير في حالة ستة ملايين ينزحون في الداخل وأكثر من مليون ونصف مليون من اللاجئين في الخارج خلال العام الحالي.

وبالتزامن مع ازدياد فاتورة الأزمة وتكاليفها البشرية والمادية فإن استمرار صراع القوة سيؤدي إلى نمو نزعات التشدد والتطرف، وسيدفع باتجاه زيادة صعوبات الحل السياسي، تاركا الباب أمام سقوط حر للنظام، لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يعقبه، وفي كل الأحوال فإن الوضع بما فيه سيجعل المرحلة الانتقالية التي تلي سقوط النظام باعتبارها مرحلة إعادة تطبيع الأوضاع في سوريا أصعب بكثير نظرا لما ستطلبه من قدرات وإمكانيات وجهود مضاعفة.

وذهاب الأزمة في اتجاه الحل السياسي، على ضعف مثل هذا الاحتمال، وإن كان سيعني الحد من الخسائر التي ستصيب السوريين، فإنه لن يخفف من صعوبات عام 2013. ذلك أن الوصول إلى توافق على حل سياسي سوف يتطلب البدء الفوري بمعالجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها البلاد، ويعيش السوريون في ظلها، مما يفرض تلبية سريعة لحاجات ملايين المتضررين داخل البلاد وخارجها، خاصة أن ذلك سيتم في ظل ارتباكات أمنية وضغوط سياسية، لا سيما أن الحل السياسي سيجد له من يعارضه، وسوف يندفع بعض المتشددين ومن يدعمهم إلى مقاومة الحل ظاهرا وباطنا وبمختلف وسائل المقاومة والممانعة، وسوف يقومون بوضع كل العقبات الممكنة بما في ذلك عقبات سياسية وأمنية لتعطيل الحل ومنع إعادة تطبيع الحياة السورية والبدء في إصلاح ما دمرته الأزمة وسياسات النظام العسكرية – الأمنية.

كما أن توفير الإمكانيات المادية والفنية لإعادة بناء الحياة السورية سيكون أمرا صعبا من خلال القدرات السورية بعد كل ما أصاب السوريين في مجتمعهم ودولتهم من خسائر ودمار، ولا شك أن الصعوبة أيضا تحيط بالمؤسسات الدولية وبمساعدة الدول بما فيها دول أظهرت تعاطفا مع محنة السوريين، وثمة أمثلة حية في مواقف المجتمع الدولي بمؤسساته ودوله وعجزه عن القيام بدور مهم في دعم ومساندة السوريين لا سيما النازحين واللاجئين على ما يمكن أن يحصل، مما يعني أن فترة زمنية سوف تمر قبل يستطيع السوريون البدء في معالجة أوضاع مواطنيهم وبلدهم حتى في ظل دخولهم مسار الحل السياسي.

إن صعوبات كبيرة تحيط بالسوريين وبلدهم في العام الحالي، سواء تمت معالجة أزمة بلادهم عبر حل عسكري يطيح بالنظام أو حل سياسي يأخذ البلاد إلى تغيير النظام بصورة جوهرية عبر مرحلة انتقالية. وتفرض الصعوبات التي تنتظر السوريين في الحالتين نسقا في التعامل مع الأزمة، أساسه العمل بأقصى طاقة ممكنة للتخفيف من حجم الخسائر البشرية والمادية التي يمكن أن تصيبهم، ولا شك أن التوجه نحو خيار الحل السياسي يصب في هذا الاتجاه، والأمر الثاني أساسه العمل على استنفار كل القدرات والإمكانات السورية لتحقيق أعلى قدر من التوافقات السياسية خاصة في صفوف قوى المعارضة والمعارضة المسلحة بصفة خاصة للتخفيف من تداعيات رحيل النظام بالقوة أو بالحل السياسي، والأمر الثالث يتطلب تحشيد القدرات المادية للسوريين، لا سيما المغتربين، ودفعها باتجاه إعادة بناء البلاد وتطبيع حياة سكانها، والبدء في اشتغال جدي لضمان مشاركة المؤسسات الدولية والدول الغنية إضافة إلى الدول العربية للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، التي كان بين أسباب دمارها وتزايد حجم كارثتها تقاعس المجتمع الدولي بمؤسساته ودوله عن أخذ دور جدي في معالجة أزمتها، ووضع حد لها، وأحيانا بسبب تدخل دول وقوى كثيرة في شؤون سوريا الداخلية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *