على وقع أنغام أغنية ” هالجرة المليانة ” استيقظتِ العائلة ، بعد غرقها بنوم عميق مرهق خالٍ من الأحلام ، إثر يوم عمل مضنٍ ، أُنهِكَت به قواي ، عقب صيد ثمين لأم العيال ، تمكنتْ من خلاله ، نفض غبار صيف قاس ، إيذاناً بالاستعداد لشتاء قارس . من عادة أم العيال ، أن تزن الجرة أسبوعياً ، بعد أن اشترتْ ، ميزاناً الكترونياً ، خُصِّصَ لهذه الغاية ، لمتابعة تحوّل الخط البياني الهابط لوزنها ، ووصوله ” الخط الأحمر ” إيذاناً بإنتهاء السائل ” المخبأ ” داخلها . بدأتْ مشوارها اليومي بالخذلان هذا الصباح ، عندما لم تتمكن من إكمال تحضير القهوة الصباحية ، بعد ” مساعيها ” الفاشلة واليائسة في ” إطالة ” عمر الجرة . حاولت مثلما يحاول الطبيب المنعش ، لإطالة عمر مريض توقف قلبه عن الخفقان ، تارة تهز الجرة ، وتارة أخرى تغطّسها بمياه ساخنة ، ولما يأست قلبتها رأساًً على عقب . لم تجد نفعاً هذه المحاولات ، واكتشفت أن المتبقي في هذه الجرة ، لايعدو كونه ماء . توقف القلب النابض عن الخفقان ….. نوبات العويل المستمرة ونحيبها ، وندبها لحظها العاثر ، المترافق مع كلمات الستر المتكررة ، بصوت عالٍ ، أرغمني أن أتفقدها ، خشية أن يكون مكروهاً ما قد أحاق بها . لابأس ….. سأتدبر الأمر !!!! أعلم أن الحصول على جرة غاز ، من الموزع ، تعادل استراتيجياً معركة حطين ، ومعركة العلمين ، لا بل وأضيف ، قد تماثل ، سقوط بغداد ، أو انهيار الإتحاد السوفييتي . بعد غياب لم يدم طويلاً ، رافقتني سحب القنوط والتشاؤم واليأس ، قابلتُ الموزع حاملاً الألم والأمل . لم ” يمانع ” من تقديم إجابات سهلة ، لأسئلة مكررة . كان ردّه بشعارات ” برّاقة ” ، لاأستطيع المخالفة ، هناك تعليمات وأوامر ، نعمل باستلهام منها ، ونمضي على هداها . عدتُ ، كما عاد ” عنان ” ، ومن قبله ” الدابي ” ، وكما سيعود ” الأخضر الابراهيمي ” …. ( بخفي حنين ) ، ومحملاً بالألم والندم والحسرة . صدى صوت شتائمي تطايرت شظاياه ، ووصل مسامع أم العيال ، لدى اقترابي من مدخل المنزل ، صاعداً الدرجات ” السبع ” ، بعد أن اكفهر وجهي غضباً ، وتلونت ألوانه بألوان قوس قزح . قلت لها : سأحاول مجدداً … ودّعتُها ، بعد أن أشارت ” مهددةً ” ، إن لم أتمكن من الحصول على جرة غاز ، من الموزع ، فإنني سأضطر لشرائها ، بسعر السوق السوداء ، الذي حلّق ليصل الثلاثة آلاف . ” أملي ” الوحيد للخروج من هذه ” الأزمــة ” ، هو التوسط لدى الرفيق قمر الزمان ، ودرة الأكــوان ، وفاتن الحسان، رئيس اللجنة المكلفــة بتنظيم قوائم الــدور ، لعــل وعســـــى أن ” يدحش ” اسمي في إحدى هذه القوائم . أعلم أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر ، والحصول على طلبي هذا يشبه قطع تذكرة إلى الجنة ، بعد أن امتلأت الرحلة ، ولم يبق مكان فارغ . قابلته عارضاً مشكلتي ” البسيطة ” وكلّي أمل في إيجاد حل لها قائلاً : أتمنى لو تأخذ موقفاً يحتسب لك اليوم وفي مقبلات الأيام ، لاتسمح لنا أخلاقنا غزو الحراج ، وقطع الأشجار ، مهما كانت الأسباب والنتائج . أجاب مبتسماً : والله بالدور ، في محاولة يائسة لإنهاء اللقاء . لست مستعداً لأساير وأمالق وأنافق … هكذا ولدت ، و تربيت ، وعشت …. وعلى نفس المنوال سأموت . عذراً يارفيق ، الدور لايسير مستقيماً كما تُصوِر ، بل هو أشبه برسم توضيحي لتخطيط قلب مريض أصيب برجفان بطيني . حاول أن يكظم غيظه ، فلم يفلح ، فما كان منه إلا أن ضرب الطاولة ، صارخاً بلهجة عصبية آمرة ، الدور ” متل الليرة ومافي مخالفات ” !. بعد أن ضرب براحة يده على طاولته الخشبية ، محدثاً دوياً خشيت لضراوة صوته ، أن يكون أذىً قد لحق بيده . علمتُ من خلال هذه التمثيلية ، أنها محاولة لطردي من مكتبه . عبثاً كانت هذه المحاولات …لم آبه لهذه الحركة والانفعالات ، التي غزت قسمات وجهه , والضجة المدوية التي أحدثها . ماأثار شكيمته ، استبدال وضعية جلستي المدرسية الصحية ، فوضعت رجلاً فوق رجل وتابعت حديثي . إن كلماتي سوف تقودني إلى التهلكة ، وماأكثر ماقادتني ، من الغريب أنني لم أمت بعد فأنا ياأحبائي ، خلقت مجنوناً ، أو شبه مجنون ، إلا أن جنوني ليس مؤذياً لأي مخلوق … اللهم إلا ” لياسر ” وحده لاغير . وياربي …. اغفر لي إن كنت أخطأت …. أووووووووه ، أوووه …. ماأكثر أخطائي ….. قلت : البعض لايستطيع التوقف عن الكذب والمبالغة ، حتى لو كانت الحقيقة في مصلحته . نظرت في عينيه ، فرأيت بهما إشارات تهديدية غاضبة ، شاتمة ، شامتة ، تحاشيتها بالنظر إلى قوائم المجد التي زينت حائط مكتبه . لاحظت أن وجهه بدأ يحتقن ، وأخذ يزورني ، وهو مازال جالساً في ركنه الامبراطوري . لم يستح الرفيق ” الممانع المقاوم ” من هذا المستوى الصفيق من الكذب الساذج الذي وصل إليه ،لا بل أضاف درة أخرى من درره ، وقال بعد أن أخذ نفساً عميقاً وأغمض عينيه : ” يااللي مو عاجبو يروح يشتكي ” كل الأقنعة قد سقطت ، والعورات قد انكشفت ، ولم يعد يفيد ” الحكي ” أبداً . أمّا أنا ، فكان علي تعويض الوقت الذي أمضيته معه ، بعد أن أصابني الغثيان ، وتقلب الأمعاء ، لعلّي أتعظ ولاأكرر هذا الخطأ أبداً ومجدداً . تركته بعد أن لقنني درساً في الانتهازية الوطنية ، ومن على باب مكتبه قلت له : ” مشكلتنا مو عندك … مشكلتنا معك ” . +++++++ على الهامش : مابثته القنوات الإعلامية حول ” تسهيلات ” قُدِّمت لي للحصول على جرة غاز بعد تسريب ماورد أعلاه ، عار عن الصحة ، ومنافٍ للواقع . كما أنه يأتي في إطار الحملة ” التجميلية ، الإصلاحية ” ، للرفيق ” الممانع المقاوم ” ضمن حملته الانتخابية .