ناشطات الثورة السورية وعمالة التاء المربوطة

شباط 2012: اتهام الناشطة الفنانة فدوى سليمان بأنها جاسوسة للنظام وأنها هي من زوّدته بمعلومات عن مكان البيت الذي كان فيه عبد الباسط الساروت لقصفه!

آب 2012: اتهام مراسلة قناة “العربية” عليا إبراهيم بأنها أعطت إحداثيات أمكنة وجود الثوار على الهواء مباشرةً!

تشرين الثاني 2012: اتهام الناشطة الكاتبة ريما فليحان بأنها هي من سرَّبت معلومات أدَّت إلى حصول مجزرة داريا!

السيناريو البائس نفسه، والذهنية الرخيصة نفسها، والتاء المربوطة “العميلة” نفسها (وسنضرب صفحاً عن التفتيش في ما إذا كان انحدار هاتي النسوة الثلاث من جماعات مذهبية معيّنة سبباً في مثل هذا الاستهداف).

صحيح أن هذه الاستعادة شبه الحرْفية للخطة الركيكة القائلة بعمالة المرأة حين تتقدَّم الصفوف الأمامية، ربما تكون نسخة معدَّلة عن النظرة الاجتماعية الهابطة لكل امرأة ناجحة (حيث يُقال إنها عشيقة المدير أو زوجة في السرّ للوزير…). ولكن في الحالة التي أتوقّف عندها اليوم لا تبدو المسألة بهذه البراءة.

ثمة جهة معيّنة لا تريد للشعر الطويل أن يظهر إلا في ذقون الرجال. ثمة جهة لا تريد لأي لمعة شعر نسويّ معارض أن تشوّش على لمعة شعر ذقون رجال المعارضة.

والبائس في هذه المفارقة أن تلك الجهة المعارضة تتلاقى مع النظام الأسدي في هذه الرغبة، حيث لا يدَّخر إعلام النظام جهداً في تكبير وتضخيم أحجام اللحى في مشهد الثورة السورية في مقابل ذعره أمام الحراك المدني الذي تصنعه النسوة (قبل أيام اعتقل النظام كل من ريما الدالي وكندة الزاعور ولبنى الزاعور ورؤى جعفر لمجرّد أنهن ارتدين ثياب العرائس ووقفن في سوق مدحت باشا مطالبات بوقف العنف!).

والحقيقة أنه لم ترقَ مشاركة المرأة في دول الربيع العربي إلى ربع المشاركة الاستثنائية التي سجَّلتها المرأة السورية في ثورة شعبها، حتى باتت هذه المشاركة دليلاً لا يُردُّ على مدنيّة الحراك الثوري وسلميته (المغتصَبة).

التاء المربوطة تقضّ مضجع بعض الجهات الإسلاموية في المعارضة، لذلك تُفبرَك لها شتَّى تهم التخوين والعمالة. بهذين البساطة واليُسر تقوم الذهنية الإقصائية الخطرة، في سبيل إزاحة أحد المعارضين من طريقها، إلى تصفيته معنوياً وسياسياً وأخلاقياً.

المثال الأخير الحاصل مع ريما فليحان فاقع: مجزرة ترتكبها قوات الأسد في داريا، فيتم – بعد أشهر طويلة – اتهام فليحان التي كانت موجودة في القاهرة آنذاك والتي غادرت سوريا منذ أكثر من سنة بأنها هي من سرَّبت معلومات إلى جيش النظام أدَّت إلى وقوع المجزرة!!

هذه السهولة في إطلاق التهمة وإشاعتها بين صفوف المعارضة تُثبت المقولة التي باتت تترسَّخ جدياً في الأشهر الأخيرة من عمر الثورة، والتي تقول بأن المعركة لن تنتهي بإسقاط النظام بل ستستمرّ حتى إسقاط ثقافته الإقصائية التي تتربَّع في عقول شريحة واسعة من المعارضة.

لقد كتبتُ ذات مرّة بأن الحضارة الإنسانية تُقاس بأقدام نسائية. واليوم، مع الثورة السورية البهية، أسمح لنفسي ببعض التحوير لأقول إن مدنية الثورة تقاس بأقدام نسائية.

بشعور هاتي النسوة سنجدل حبل خلاص سوريا، مثلما بزنود رجالها سنصنع جسر العبور إلى المستقبل.

المرأة الحورانية المجهولة التي حملت حجراً ذات يوم أمام الكاميرا وهدَّدت به بشار الأسد، أثارت الذعر في قلبه مثلما أثارت البندقية التي حملها رجال حوران.

الدفء المنبعث من حجاب الشابة طلّ الملوحي هو من يُدفئ ليل سجنائنا.

والبياض الذي بدأ يتسلَّل إلى سواد شعر مي سكاف هو بروفة لبياض الفجر الذي تتدرَّب بلادنا على بزوغه., عليا ابراهيم , ريما فليحان , فدوى سليمان

اجمعوا صور هاتي الجميلات الشجاعات لتحصلوا على صورة سوريا البهية.

ولمن سيسخر من كلامي هذا أطالبه بالعودة إلى اللحظة التي تمَّ فيها الإعلان عن الائتلاف الوطني. أطالبه بالعودة إلى تلك السعادة التي غمرت قلوب السوريين وهم يتأملون الضوء المنعكس من شعر سهير الأتاسي وهو يتلاقى مع الضوء المنعكس من ذقن معاذ الخطيب.

هذه سوريا. “افهموها بقى”.

ناشطات الثورة السورية وعمالة التاء المربوطة” comment for

  1. Wow that was strange. I just wrote an really long comment but after I clicked submit my comment didn’t appear. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Anyways, just wanted to say fantastic blog!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *