مئة عام على الأقل الى الوراء !

المثقف السوري !!تعبير جديد نسبيا  على اللغة العربية  وعلى الحضارة العربية  , اذ لم ترد  مفردة “ثقافة” في القرآن  أو في السنة النبوية  , ولم ترد  في نصوص العرب  الجاهلية والاسلامية .كلمة مستحدثة  , وبالتالي فان  المثققف العربي شخصية مستحدثة  ,ومن الصعب جدا الاستقرار على تعريف معين   , اذ هناك تعاريف  متنوعة ومختلفة جدا , الا اني أفهم من كل هذه التعاريف  مضمونا واحدا وأكيدا , وهي ان الثقافة نوع من التحرر .تحرر عقلي  من الجهل مثلا ! ,  حسب هيغل  لايولد الانسان حرا  ,وانما   يأتي الى العالم  وبامكانه بعد ذلك   أن يصبح حرا , واذا بقي المخلوق  البشري فطريا , كما هو حال هذا المخلوق  في السنين الخمسة الأولى من حياته , فانه  يبقى بعيدا عن الحرية  وعن الثقافة التي عليه وبامكانه ان يكسبها  بتحوله من الفطرة الى الحضارة .

الموروث , كالموروث الديني على سبيل المثال ,  هو أقرب  من الفطرية  مقارنة مع  الاتجاه السياسي  الذي هو أقرب الى  الحضارة , والأمر   الذي اريد الاشارة اليه   هو أمر  المثقف السوري  أو مايسمى لربما زورا العلماني السوري , الذي تنكص  وانتقل من  الحضارة الى الفطرة , أي الى الطائفية المذهبية , ربما لأنه لاخيار آخر له , حيث ان السلطة الفتاكة  قضت على السياسة ومنعت ممارستها   تحت طائلة  العقوبات  الاسطورية ..حتى الموت  قد يكون نهاية مواطن مارس شيئا سياسيا .السوري هو مواطن يعيش في  جمهورية الخوف  المدمنة على الفجيعة   والمدجنة  للموت , انها الجمهورية الحمراء , ويا ليتها  بقيت جمهورية سوداء ,  الأحمر هنا ليس اتجاها سياسيا , وانما  هو لون الأرض  ولون  الهواء  في بلاد  لاتنتج  الا  الموت , ولا يوجد بها شيئا أرخص من الحياة .

اننا  هنا أمام نظام وسلطة  تستحق اسم السلطة الأسدية  , هذه السلطة تسيطر على البلاد منذ نصف قرن تقريبا , وتحت سيطرتها على البلاد  نشأت تناقضات عدة قادت الى الحرب الأهلية  , وفي سياق تسلطها على البلاد  ألغيت الحريات   التي كانت موجودة  في البلاد حتى عام 1963 , والغي كل تطور ديمواطي كان موجودا في البلاد حتى بداية التسلط البعثي وبعده التسلط الأسدي -البعثي  , والآن التسلط الأسدي , اصبح الفساد دستورا  , وأصبت البلاد مزرعة , والجيش  مرتزقة , ولا أود الاستفاضة  في توصيف تطور حال البلاد ..ماهو معروف عند معظم المواطنين كاف وواف ,  يمكن تلخيص التطور  بالقول  على أن الأسدية  أخرت البلاد  في خمسين سنة   أكثر من مئة سنة الى الوراء , وحتى اوائل العام الماضي كان    التأخر فاعلا  في شعب  مدمن على الانفعال !

التنكص الى الوراء  عموما  واستبدال  الحضارة السياسية  بالفطرية الدينية , أي الطائفية  , هو مجموع  ماحصل مع الفرد  , خاصة  مع  بعض من الذين نسميهم مثقفين ومن الذين  لايتوقفون لحظة عن الادعاء بأنهم معارضين للسلطةوللفساد حتى الآن , الا أنهم الآن أيضا من المناصرين للسلطة  , وبالتالي يجب القول  على انهم من المنافقين  أو المنفصمين نفسيا وعقليا , فكيف تستقيم معارضة السلطة  وتشنيعها وشيطنتها  مع  تأييد السلطة ومناصرتها ..فعلى هذا الأكروباتيك  لايقوى  الا الممتهن للنفاق  أوالمصاب  بانفصام الشخصية , وأظن على أن وضعمهم هو مزيج من الحالتين .

من ناحية يعترف هؤلاء بالفساد الذي دمر البلاد , ومن ناحية أخرى يصر هؤلاء  على البقاء  تحت راية الأسد , حيث انهم  لايصارحون بالسبب , الذي هو مذهبي  واضح , السبب هو  انتمائهم  القسري الى الفطرية المذهبية  بعد ن دمر الاسد  امكانية انتمائهم سياسيسا وحضاريا   , الكثير من هؤلاء  الانفصاميين كان شيوعيا  أو سوريا قوميا ..الخ  , والآن أصبح علويا , وهذا التراجع  والتنكص  هو الذي يسمى  تأخرا  لمئة عام على الأقل , نحتاج  الى مئة عام ليصبح الشعب السوري مجددا  شعب ذو انتماءات سياسية , حيث أنه  للانتماءات الطائفية من يدافع عنها ويشجعها ,ومعركة التقدم مع الرجعية  ليست مضمونة النجاح , وقد تكون احدى نتائج هذه المعركة تحول الوطن الى أشلاء ..أي تقسيمه الى  مشيخات  ودويلات , عندها  ..وعندها  ينتهي تاريخ سوريا والى الأبد!

لايسأل هؤلاء   انفسهم , كيف يمكن لملك الفساد  ان يصبح نبي الاصلاح ؟ ولا يسأل هؤلاء  كيف استتب الفساد تحت  رعاية نبي الاصلاح ؟؟ هل أفسد النبي  عن قصد ؟, واذا كان الافساد عن قصد , فلماذا لايودع  الفاسد المفسد في السجن  , وهل يوجد في القانون السوري  نصا يمنع  محاسبة الرئيس الفاسد المفسد ؟ , أو ان الفساد استتب واستقر بالبلاد حيث اصبح دستورها الغير مكتوب  بالرغم  من جهود  نبي الاصلاح , عندئذ  يجب القول على ان نبي الاصلاح  فاشل  ولا يقتدر على ادارة البلاد  , وفي هذه الحالة  يسأل المواطن  , وماذا يفعل الفاشل في القصر الجمهوري  , ولماذا لايرحل ؟ والرحيل  هو على أي حال ضروري  , اما الى السجن  أو الى التقاعد.

وبالرغم من اعترافهم بأن بنية المجتمع السوري  اصبحت بنية تعتمد على الفرز الطائفي , بغض النظر عن المسبب لهذا الفرز , لايسأل هؤلاء انفسهم  عن  أحقية طائفة تشكل حوالي 10% من مجموع الطوائف الأخرى  , في الهيمنة  على مرافق الحكم , اننا نعيش في طور  يسمى طور طائفية الوعي , وللتحكم في هذا الطور  يلزمنا  وعي طائفي ..اي محاصصة  ..أي لبننة  , ففي لبنان توجد  طائفية الوعي  , حيث يقول  طوني على انه مسيحي وعلي على انه شيعي ..الخ , ويوجد وعي طائفي  يفرض  المحاصصة  لكل  حسب ضخامة طائفته , ولقد سخرنا من لبنان زمنا , ولبنان سيسخر منا دهرا ..كل ذلك  لأن سيادته لايريد منا  التعرف على الخازوق  الذي علينا الجلوس عليه , اننا بالفعل طوائف , وعلينا الجلوس على  الخازوق المناسب , الا أن الرئيس لايرى  على أننا طوائف  وعلى أنه رأس لطائفة معينة , انه رئيس للكل  يقول سيادته ! الا أن  معظم الكل لايريد رئاسته , لذا أخذ البندقية وأحدث بحور الدماء , وقسم الشعب الى شريف  وطني  والى دنيئ متآمر , وسار في طريق العنف , دون أن يعرف الى أين !.والوطن يقترب من الهلاك  ولحد الآن لايعرف الى أين ! وسيصبح الوطن أشلاء ,والرئيس لايعرف الى أين ! انهم الآخرون !!!,  وهو من دم هذا الصديق بريئ , وضع انفصامي !, والرئيس ليس  الوحيد الذي انفصم , وانما  الى جانبه توجد مجموعة   ليست بالقليلة من الانفصاميين .

فهؤلاء لايسألون أنفسهم  عن  مسببات  شعورهم  بأن  هناك نية لابادتهم , وأحدهم كتب   مؤخرا مقالا  عن نوايا الابادة ,مؤكدا  على نية ابادة الطائفة العلوية , وبذلك طالبا من الطائفة بشكل غير مباشر الحذر والاستنفار  لمقاومة المكروه , وبذلك يروج للحرب الأهلية عن طريق   تبريرها , انه الدفاع عن النفس! , والقصد هنا  حقيقة هو الدفاع عن الهيمنة , وكأنه ليس من الممكن أن يعيش السوريون جنبا الى جنب دون  هيمنة طائفة  على أخرى , وبكلمة أخرى  فالهيمنة ضرورية للدفاع عن الأقليات ! , ابتكار واختراع سلطوي بامتياز ,أعود الى الشعور بالمخاطر المحيقة افتراضيا ,  فشعور كهذا لايأت من العدم , ومن يلم  بعض الشيئ في علم  النفس  يعرف  على أن شعور كهذا ينتج عن ترسب عقدة الذنب  في حيز اللاشعور , ولا اريد  التكلم عن “الذنب” وانما عن الخطأ , لقد كان من أكبر أخطاء الطائفة الكريمة هو السماح  لأحد أن يستغلها  ويجندها في خدمته  لقاء بعض الفتات  لبعض أفراد هذه الطائفة ,واذا وضعنا الماضي جانبا , فان الخطأ الحالي الأكبر  هوالاستمرار في السماح باستغلال الطائفة , يذهب الشباب  الى القتل من أجل الأسد , ثم يعودون في التابوت  بعد ان  تسببوا  في وضع عشرات  غيرهم في التوابيت , يقال على أن شعار  “العلوي في التابوت ” هو من انتاج المخابرات , اما  وضع العلوي في التابوت  فهو من انتاج الأسد , فؤاد حميرة قال قبل أيام  على  أن عدد القتلى من الطائفة العلوية بلغ  20000  قتيل  ولا أظن على أنه يبالغ . استودعكم الله , والى اللقاء في تتمة البحث

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *