الروائي الجزائري الحبيب السايح طلب في المثقفين السوريين عدم التفريط بالدولة السورية , وذلك في مقال عنوانه ..ايها المثقفون السوريون لاتفرطوا “بالدولة السورية”, ولا أعرف مايقصده السايح بكلمة “دولة” أنه يعني على الأرجح السلطة , ويبدوا وكأن الكاتب لايفصل بدقة بين كيان السلطة وكيان النظام وكبان الدولة , الدولة مقدسة ولا تتغير , والنظام هو الاطار العام ..مثلا نظام الدولة الاسورية جمهوري وتغيراته نادرة ,أما ا السلطة فهي الشيئ الغير ثابت في الجمهوريات , السلطة تتغير بفترات معينة أو بعد فشل أو ارتكاب خطأ معين , في سوريا يتغير كل شيئ الا السلطة ورأسها , لذا اود القول للسيد السائح قبل كل شيئ على ان السلطة االسورية هي التي فرطت بالنظام وحولته من جمهوري الى مايشبه الملكي (جملوكي) , وبعد التفريط بالنظام فرطت بالدولة , حيث ابتلعت السلطة الدولة وحولتها الى مزرعة خاصة اسمها مزرعة سوريا الأسد ,لقد ابتلعت ايضا مؤسسات الدولة , كمؤسسة الجيش الذي اصبح اسمه كتائب الأسد , التي لاتحارب من أجل الدولة , وانما من أجل الأسد , الذي هو السلطة بكاملها , شبيه بلويس الرابع عشر الذي كان هو القانون .
استغرب كيف يطلب الكاتب من المثقف السوري عدم التفريط بالدولة , مع أن المقثقف السوري هو من أول المدافعين عن الدولة السورية , ضد من خربها ودمرها واستغلها واستبدها وطيفنها وشرذمها وأفقرها وغير القيم بها , السرقة أصبحت فضيلة والأمانة جحشنة , الشجاعة الأدبية وقاحة , والتملق صراحة .. ولا أود ان أستفيض في هذا الخصوص , لأن كل شيئ معروف وقيل مئات المرات .
الكاتب الروائي يقول ..انه حقا شأن داخلي يعني السوريين وحدهم , معه حق وعليه حق , نظريا قوله صحيح , وعمليا قوله خاطئ , فالشأن لم يعد داخلي , والشأن لايعني معظم السوريين , والتركيبة السورية لاتستعصي على الفهم ,فالشأن السوري هو شأن حفنة من رجال السلطة وعلى رأسهم رأس هذه السلطة , اما بقية القطيع فلاعلاقة له بالشأن السوري , لأنه من غير المسموح له أن يعتني بالشأن السوري , ومن يحشرأنفه في الشأن السوري يخسر انفه وربما حياته أيضا , وقبل ذلك يودع السجن وتحجز امواله المنقولة والغير منقولة , الحجز لايطال الأموال المسروقة..للعجب !
ثم اني اريد القول على ان احترام حقوق الانسان , هي الشرط الاساسي لكي يمكن القول , على أن مايحدث داخل البلاد هو شأن داخلي وشأن السلطة التي تحكم البلاد , فالبند الثاني من المادة الرابعة من ميثافق الأمم المتحدة , والذي ينص على انه ليس للأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات علاقة بما يجري داخل البلاد , يفترض وجود احترام لحقوق الانسان في هذه البلاد , والسلطة التي لاتحترم حقوق الانسان بالقدر الكافي تفقد شرعيتها , ويصبح شأن مجتمع الدولة المعنية شأن عالمي , والأمثلة على ذلك كثيرة ..من يوغوسلافيا الى كوزوفو الى العراق الى افغانستان ..الخ ,وشأن سوريا لم يكن اصلا في نصف القرن الماضي شأن القطيع السوري , اضافة الى ذلك لم يعد حتى شأن السلطة ,فالسلطة التي قتلت بالرصاص في شهر آب المنصرم أكثر من 5000 مواطن سوري , هي سلطة لايمكن ائتمانها على مقدرات البلاد , فقدت شرعيتها , وتحولت من سلطة معترف بها الى مجرد مجموعات مسلحة , فعندما يعتبر الصليب الأحمر الدولي الوضع في بلاد ما على انه وضع حرب أهلية , تفقد السلطة الكثير من خواص الحكومة , وتتحول قانونيا الى مجموعات مسلحة , كالمجموعات المسلحة التي تتحارب معها .
ليس من الضروري التعليق باستفاضىة على موضوع الربيع العربي ,فالربيع العربي هو عربي بامتياز , وطال انتظاره , وموجبات حدوثه وضروراته تتعلق بالوضع الذي سببه , فالثورة أفضل دائما من مسببها , وشرعية الثورة تنبثق من لاشرعية الوضع الذي تريد الثورة تغييره , الشرعية لاتتعلق بالوضع الذي سيأتي , وانما تتعلق بلا شرعية الوضع القائم ,الوضع القائم قابل للتقييم , والوضع القادم صعب التقييم , والملاحظ عادة هو انه لكل مرحلة طاقم من الثوار , فمن يتظاهر لايحمل عادة السلاح , ومن يحمل السلاح لايتظاهر سلميا في معظم االأحوال , والطاقم الثوري الذي يسيطر على الثورة بعد نجاحها المبدئي , هو غير الطاقم الثوري الذي يمارس الحرب والتظاهر من أجل انجاح الثورة , فروسو وجد شرعية للثورة الفرنسية في لاشرعية التاج , ولم يبشر روسو بقدوم مارا ودانتون وروبسبيير , وانما بسقوط الملك أولا , الثورة السورية بدأت بعد ان ماتت السلطة اخلاقيا واقتصاديا وعسكريا وديموقراطيا , وما سيأتي سيكون بكل تأكيد أفضل , وهذا مابرهنت عنه في وقت قصير نسبيا مصر وليبيا وتونس واليمن ولا يجوز تقيينم نظام أتى عن طريق ثورة , الا بعد أن يتسلم النظام الثوري زمام الأمور , ولا يجوز تقييم النظام الذي سيأتي بناء غلى نوعية من يدعمه , ومن يدعم الثورة السورية بشكل اساسي ليسوا من قطاع الطرق , وبينهم بدون شك قطاع طرق , ولاأكفربالثورة لمجرد مساعدة السعودية لطيف من اطيافها , حيث يمثل هذا الطيف جزءا مهما من الشعب السوري , الذي لايجوز اقصائه ولا يجوز اعدامه ولا سجنه ..اننا نريد الديموقراطية , والسائح يريد لنا استمرار الديكتاتورية تحاشيا لوضع افتراضي , يقول على انه سيكون أسوء من الوضع الحالي , افتراض من هذا النوع قاتل لكل ثورة ..ان كانت الفرنسية أو المصرية أوالسورية أو غيرها .
يتهم السائح الانتخابات في مصر وتونس وليبيا بأنها انتخابات يديرها المال القذر , وهذا الكلام عن انتخابات أكد العالم كله شفافيتها , هو من أقذر الكلام , ثم يحذر الروائي من قيام الخلافة بعد سقوط النظام , ولا يلاحظ الكاتب الروائي على أن الخلافة قائمة منذ نصف قرن في سوريا ..الا يتذكر الكاتب الكريم مفردات مثل البيعة والولاية في ادبيات السلطة السوري , الايلاحظ الكاتب الكريم عمليات التوريث التي نجحت في سوريا وفشلت في العراق ومصر واليمن وليبيا , وقد كانت الخلافة الاسلامية أكثر ديموقراطية من ولاية آل الأسد , فعمر ليس ابن ابي بكر , وعثمان ليس ابن عمر , وعلي لم يكن يوما ما ابنا لعثمان .
لا شأن لي الا بوطني , ولست مسؤولا عن السعودية أو غيرها ,والثورة ليست سعودية , وعندما كان المثقف السوري محتجز في سجون الأسد , كان لنظام الأسد أروع وأقوى العلاقات مع المؤسسة السعودية ,ولا علاقة لتعكر العلاقات بين السلطة السورية والسعودية مع الثورة ومساعدتها من قبل السعودية , تعكر العلاقات كان بسبب مقتل الحريري.
محاولة تشنيع الثورة عن طريق اتهامها بالوهابية , لأن السعودية تساعدها , هو امر مكشوف ..اهلا وسهلا بالمساعدة من أين أتت , وألف شكر ! , على فكرة حوالي 98% من المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للسوريين الذين حولتهم السلطة الى جياع ومشردين ومهاجرين تأتي من الامبريالية العالمية في أوروبا وأمريكا , أليس من الذوق أن يقال لهؤلاء شكرا !