تعبير “سوريا القديمة” ليس غريب على الأدبيات التاريخية , وعند التحدث عن سوريا القديمة يظن المرء للوهلة الأولى ان القصد هنا سوريا قبل 7000 سنة , الا أن الأخضر الابراهيمي قصد شيئا آخر بحديثه عن “سوريا القديمة” فهو لم يقصد سوريا القديمة جدا , وانما سوريا الأقدم من سوريا الحالية , ومناسبة الكلام عن سوريا “القديمة” كانت محادثات الأخضر الابراهيمي مع الرئيس الأسد , حيث اكتسب الابراهيمي شعورا قاتما من خلال هذا الحديث , والرئيس الأسد اخبره عن أشياء لايعرفها الشعب السوري رسميا , حتى وان كان يتوقعها العديد من المواطنين السوريين .
لقد لمح الرئيس الأسد الى النقطة التي بحثها مع الابراهيمي قبل شهور عدة في مراسلاته مع زوجته , حيث طمأنها قائلا على ان الاصلاحات “الشكلية” التي ادعى انه قام بها قام بها مثل الانتخابات وقانون الأحزاب ..الخ هي هراء , والواقع يبرهن صحة تعريف الأسد للاصلاحات ..هراء في المضمون , والمواطن السوري يلاحظ ان التغير الوحيد في حياته هو التطور من سيئ الى أسوء .
الحديث مع الزوجة شيئ , والحديث مع الأخضر الابراهيمي هو شيئ آخر , وما قاله للأخضر الابراهيمي , هو ماجاء في تقرير الابراهيمي امام مجلس الأمن , حيث رسم الابراهيمي صورة قاتمة عن الوضع السوري , الذي يتزايد سوءا من يوم لآخر , وتحت عنوان “الأسد يتمسك ويتشبث بسوريا القدديمة assad clinging to old syria قال الابراهيمي على أن الأسد يعرف تماما على أن هناك شيئا يجب أن يتغير ,والتغير يعني , حسب الأسد, العودة الى سوريا القديمة , التي حكمها مع والده أكثر من أربعين عاما , اي أن كل ماقيل عن اصلاحات انما هو ذر الرماد في العيون ,وبالفعل فان كل المؤشرات تدل على ذلك , فهيئة الفساد والافساد لم تتغير بل ازدادت شراهة , لاحريات ولا ديموقراطية ..الخ , ولاتعرف البلاد مفسدا مفسدا واحدا تعرض الى نوع من التحقيق من قبل القضاء , الذي هو أصلا غير موجود .
لم يفش الأخضر البراهيمي أسرارا , اذ أن مايسمى اصلاح هو وهم , لاتتوهموا , الأسد يريد أن يبقى أسد , ولا شيئ يوحي بغير ذلك
وخير الكلام ماقل ودل , مقالة قصيرة ومعبرة , خاصة الصورة المرفقة , الأسد يريد الاستمرار في دعس الرؤوس وتكسيرها وهو بالحقيقة اكثر عنفا من المرحوم الوالد بكثير , سبب تفوق الولد على الوالد بموضوع العنف يعود الى الفرق بالذكاء بين الولد والوالد , ولو كان حافظ الأسد حيا لما حدث مايحدث الآن , ظروف 82 سمحت له بالمجزرة وظروف 2011لاتسمح بالمجازر كما كان الحال 82 , غباء الولد منعه من ادراك هذه الحقيقة, لذا باشر فورا بالمعالجة بيروشتة ووصفة 82 , وقد كان ذلك بمثابة دواء غير مناسب لمرض غير مناسب ,الفشل قاد الى زيادة استقطاب الابن طائفيا , وبالتالي زيادة استقطاب المعارضة المسلحةطائفيا ,والحديث عن العلوي والسني أصبح صريحا ومرافقا لأصوات الرصاص وهدير الطائرات التي ترمي براميلها أيضا طائفيا .
لم تقدم علاجات الرئيس للوضع الا زيادة حدة المشكلة وتطورها الى الأسوء , حتى ان الرئيس لم يعد حلا للمشكلة وانما أصبح هو بعينه المشكلة , وسوف لن يرحل قبل أن تصبح الأصولية قوة كاسحة , فوجوده هو كالسماد بالنسبة للأصولية , وعلى الاخوان أن يشكروه ليلا نهارا , لأن تطييفه للمجتمع هو الذي جعل السنة أكثرية , ولو بقي المجتمع سياسيا كما كان في الخمسينات , لما كانت هنا أكثرية سنية وأقلية علوية أو مسيحية , وانما كانت هناك احزاب لاعلاقة لها بالطوائف .
كل الاحاث تبرهن على ان مهمة الاسد أكبر بكثير من امكانياته المتواضعة جدا , وليس بامكان كل شخص ان يكون رئيسا لجمهورية , والمشاكل هي نتيجة حتمية للتفاوت بين المقدرة المطلوبة والمقدرة المتوفرة