لحق بالبلاد دمار صعب التصور ,والأصعب من تصور الدمار هو تصور اعادة بناء البلاد .. ومن أين ستأتي المليارات والمساعدات عندما تتحقق ارادة الأسد بالبقاء الى الأبد؟, وهل يعتقد أحد بأن العقوبات ستزول اذا بقي الأسد , ومن المؤكد سيأتي المستقبل بأقسى منها , ستبقى مادام الاسد باق , لذا ا فتحت اشرافه سينتهي الوجود السوري كدولة , وبدون الوجود السوري كدولة سينتهي وجود الأسد كمستبد وقرصان اقتصادي .
والأسد لايملك امكانية قبول الحلول الوسطى مع أحد , لانه ملتزم أمام الأزلام , الحل الوسط يمثل نهاية وجودهم , وبعلاقة البيت الحاكم مع الأزلام تتمثل القوة الى جانب الضعف , القوة تأتي من ولاء الأزلام المطلق للفرعون , والضعف يكمن في انغلاقية الموالين ..زمرة النصب والنهب مرغمة على الانغلاق على نفسها , ومرغمة على تكوين طائفة لها وخاصة بها , ولو كانت هذه الطائفة هي الطائفة العلوية لهان الأمر بعض الشيئ , الا أن الطائفة المغلقة على نفسها هي طائفة جديدة , انها الطائفة الأسدية ,التي تعتمد في انشاء علاقة الولاء مع الآخر على النفعية المادية , طائفة اسدية لاتستطيع تجنيد فأر أو جربوع في صفوفها دون تقديم امتيازات .,..
لاأستطيع ملاحظة أي اهتمام من قبل السلطة والأزلام بالوطن , والاهتمام لايتقتصر على التغني بالوطن وارسال ابناء الغير للموت في شوارع حماه وحلب ودير الزور ودمشق ودرعا , وانما يتطلب منسوبا عاليا من الأخلاق والعقل والتعقل , بحيث يمكن بواسطته اجراء العديد من التقييمات الحيادية والعلمية , التي تقود الى مستوى عال من فهم أي اشكالية الوطن الحالية .
لو استطاع الاهتمام بالوطن أن يحتضن الفهم والعقل والتعقل , لأصبح جليا على ان النظام الحالي أفلس , وليس له مؤيد واحد , هذا اذا استثنينا المؤيد الخاضع للترهيب والترغيب والمحشو بالامتيازات والعصبيات الطائفية والعائلية والفئوية , ذلك لأن صاحب العقل السليم والغيرخائف أو مضغوط أو مبتلي بأهام التصفيات الطائفية ,يسأل نفسه السؤال التالي : في أي مجال أفلح النظام ؟ والجواب هو , لم يفلح النظام في أي مجال (النظام يعترف بذلك أيضا ) , المواطن والوطن تقهقروا وقهروا الى درجة التهديد بالفناء ,لذا فانه لايمكن لأي فرد ذو عقل أن يؤيد النظام , والتفاف النظام على المواطن بالقول ..النظام يحرر فلسطين ويمانع ويقاوم ليس من اهتمامات المواطن الأولية والمبدئية , والمواطن ذو العقل السلبيم يقول , من يريد أن يحرر ويقاوم ويمانع , فليبدأ ببييته وليحرره اولا ثم يقاوم تخريبه ويمانع تدميره , ولا يمكن لساكن الخراب ان يبني القصور في فلسطين , ولا يمكن لمن لاحرية له أن يناضل من أجل حرية الآخر ..هذاكذب وتلفيق , لم يعدد يمر على أحد .
تمحورت مخاوف النظام حول الأصولية والسلفية ,(النظام سلفي وأصولي أكثر من أي فئة أصولية سلفية أخرى ), لذا كان من المتوقع أن يحارب النظام السلفية والأصولية , التي يخوف الناس منها , ويقول على انها الكارثة العملاقة , الا أن النظام لم يفعل الا عكس ذلك , أي انه ساهم بشكل مباشر أو غيرمباشر بقدر غير قابل للتصور في تقوية السلفية والأصولية ,والبرهان على ذلك هو قوة الأصولية والسلفية الغير مسبوقة في سوريا الآن , قوة لم تسقط من السماء ولم تنبت في الأرض , وانما نمت وترعرعت في أحضان النظام ,وذلك بالرغم من اعلانه مرارا وتكرارا عن نيته بمكافحة السلفية والأصولية , ونتيجة الكفاح هي التي نراها اليوم ..أصولية وطائفية لم تعرف سوريا مثيلا لها .
كانت هناك مناسبات عدة , يمكن من خلالها التعبير عن الاهتمام الايجابي بالوطن , وآخر هذه المناسبات كانت مناسبة آذار 2011, حيث كان بامكان النظام تسليم البلاد للقوى المدنية , التي كانت على درجة جيدة من الحضور والقوة , وبذلك يقطع النظام الطريق على القوى الأصولية والدينية الطائفية , لكنه لم يفعل الا العكس تماما , تمسمر على الكرسي غير آبه بالواقع الذي يقول , على أن مجرد وجود بشار الأسد في النظام هو برهان على علوية النظام وطائفيته , وذلك بغض النظر عن خصائص بشار الأسد ..المهم هوالادراك وليس الحقيقة , هذه العلوية ستستفز اسلمة المعارضة , وأسلمة المعارضة تعني اضعاف التيار المدني بها , الذي كان بامكانه انقاذ البلاد , الا أن انقاذ البلاد ليس من اهتمامات الأسد الأولى , وانما انقاذ سلطته هو من أولويات اهتماماته , خسرنا البلاد وسيخسر الأسد السلطة.
لقد أعلن الأسد الحل الأمني كطريقة وحيدة للتعامل مع تطورات الوضع , أي انه فتح ساحات القتال , وتلقائيا اغلقت قاعات الحواروالتشاور , لأانه لايمكن للحوار ان ينتج الا عندما يتوازى المحاورون , ان تحاور تحت زئير المدافع والدبابات وتحت وابل القنابل العنقوية , يعني على انك تريد سماع محاضرة الرئيس ثم التوقيع على نصها والذهاب الى البيت , أو الى البسجن عندما يطول اللسان أكثر من المسموح به .
افتتاح ساحات القتال من قبل الاسد , ودعوة الشبيحة الذبيحة للنزال , قاد الى تصدر الحلول القتالية لكافة الحلول الممكنة ,واجبر أجزاءا من المعارضة المدنية على التزام الصمت , والتعاطف الكامن لفرق المعارضة المسلحة , الذين يريدون اسقاط النظام أيضا , أي ان هناك توافق على الأقل في هدف واحد مع المعارضة المدنية ,التي لاتستطيع أن تحارب ولا تريد أن تحارب ,وبالتالي اصبح دورها في سياق الاقتتال هامشي , وأصبحت ملحقا للفريق الذي سجل العديد من الانتصارات الميدانية ,بدلا من أن تكون قائدة لمعظم التيارات .
الوضع أصبح كالتالي , لايمكن اسقاط النظام مدنيا , لأن التيار المدني أصبح بفعل الأسد ضغيف , وسيان ان كانت نيته اضعاف هذا التيار أو تقويته , وهذا يعني بكلمة أخرى على أن الأسد ادخل الأصولية على الساحة غباء أو ذكاء !!,وأصبح اسقاط النظام , الذي لابد منه, غير ممكن الا مع الأصولية وبمآزرتها , لأنها الفرقة الوحيدة التي تملك المقدرة على الحرب , حرب فرضها الأسد على الوطن السوري قسرا .
بدلا من ثورة واحدة لاسقاط النظام الأسدي , أصبحت سوريا بحاجة الى ثورتين , الأولى ضد النظام الأسدي , والثانية ضد الأصولية , ,اظن على أن الحرب الثانية أسهل بكثير من الأولى , ذلك لأن التيار المحافظ ملتزم باللعبة الديموقراطية مبدئيا , وهذه اللعبة ستؤمن لهذا التيار نفوذا شبيه بنفوذه في مصر وتونس , الا أن اللعبة الديموقراطية ستخذل التيار المحافظ بعد فترة قصيرة , حيث تعود الأمور الى طبيعيتها , التي تتناسب مع طبيعة الشعب السوري الغير أصولي , حيث ان أكثر من 85% من الشعب لاينتمي الى اصولية دينية , ولا يريد الأصولية , كما ان الأكثرية لاتريد الأسد , لذا سينتهي الأسد سياسيا , ونهاية الأصولية شبيهة بنهاية الأسد .