رغم خطورة الاتهام الذي يمكن ان توجهه المحكمة العسكرية في لبنان الى الوزير السابق ميشال سماحة بعد انتهاء التحقيق معه، فان الاخطر منها هو ما كشفته الاعترافات المنسوبة الى سماحة عن مدى استعداد القيادة السورية، ممثلة برأس اجهزتها الامنية، لـ «تنفيذ اعمال ارهابية والنيل من سلطة الدولة واثارة الاقتتال الطائفي»، على ما ورد في التهم التي أحيل سماحة بموجبها الى المحكمة العسكرية، التي لا تحال اليها عادة سوى الجرائم التي تطاول الامن الوطني.
والمستغرب ان اياً من هذه الاتهامات، الموجهة كذلك الى اللواء علي مملوك، لم تستحق رداً من الجانب السوري، ناهيك بالاستعداد لارسال مدير مكتب الامن الوطني الى لبنان للمثول امام القضاء! والغريب ايضاً، والبالغ الدلالات في آن، انه حتى الذين يتداولون الروايات في لبنان حول قيام فرع المعلومات بنصب «فخ» لسماحة بهدف توريطه، لم يصدر عن أي منهم ما يشير الى تشكيك ولو ضئيل في إمكان إقدام النظام السوري على مثل هذه الاعمال. وكأن هؤلاء يعرفون جيداً «الوظيفة» التي كان يؤديها هذا النظام في لبنان، ولم يستغربوا بالتالي مسألة تصدير العبوات بهدف تنفيذ الاغتيالات واشعال المتاريس الطائفية في البلد. ومن هذا المنطلق فقد وجدوا انه يمكنهم ان يمارسوا وظيفتهم في الدفاع عن نظام الرئيس الاسد في امور كثيرة، ولكن ليس من بينها ذهابهم الى حد تأكيد حرصه على سلامة الامن اللبناني او الادعاء بأنه يرفض اللجوء الى العنف والقتل بحق معارضيه اللبنانيين. ذلك ان النظام الذي يرتكب ما يرتكبه بحق مواطنيه لا يمكن ان يُتوقع منه ان يكون اكثر عطفاً على مواطني الدولة المجاورة، ولو كانت تربطه بهم «الاخوة والتعاون والتنسيق». لهذا تحول مناصرو دمشق في بيروت الى احاديث فرعية عن خلع باب بيت سماحة او عدم قانونية الجهاز الذي تولى الاعتقال، في محاولة للتغطية على القضية الاساسية، على رغم الخطورة الامنية البالغة التي كانت ستترتب عليها، كما اكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد اطلاعه على التحقيقات.
فوق ذلك، لم يتبرع أي من مؤيدي النظام السوري بالتساؤل عن كيفية تمكن سيارة محمّلة بهذا الكم من المتفجرات، الذي كان يمكن ان يخرب البلد، من عبور الحدود السورية – اللبنانية، على رغم ان هؤلاء المؤيدين لم يكلّوا من المطالبة بضرورة تحصين الحدود اللبنانية من «الاختراقات» التي تقوم بها «العناصر الارهابية» (اياها) الى داخل سورية لمحاربة النظام هناك. بالتأكيد هناك تقصير من الجانب اللبناني في قضية دخول المتفجرات، وهناك حاجة للتحقيق في مسؤولية الامن اللبناني على جانبه من الحدود. لكن السؤال الاكبر يبقى مطروحاً على الجانب السوري، وطبيعة «الهدايا» التي تدخل عبر حدوده الى لبنان، على رغم الاتفاقات الامنية بين البلدين والتي يفترض ان يكون من بين ما تنص عليه عدم قيام اجهزة الجار الشقيق باعمال تهدد امن البلد المجاور.
اذا ثبتت الاتهامات الموجهة الى ميشال سماحة، فإنه يكون قد قدم «خدمة» لمعارضي النظام السوري وممارساته المديدة في لبنان اكثر مما كان ممكناً ان يقدمه الدّ اعداء هذا النظام. كما سيكون قد قدم خدمة لدعاة السيادة اللبنانية في وجه التدخلات السورية. اذ من كان يتصور، ولو في الحلم، ان يتجرأ قاض لبناني على توجيه اتهام بهذا الحجم للرجل الثاني عملياً في تراتبية السلطة الامنية السورية بعد الرئيس نفسه. لقد وفر سماحة بفعلته هذه وللمرة الاولى دليلاً قاطعاً، اذا ثبت ما نقرأه من اعترافات، على كل الاتهامات التي سيقت ضد النظام السوري، سواء بارتكاب الاغتيالات او بافتعال المجازر الطائفية المتنقلة لادامة الحرب الاهلية، وبالتالي لاطالة عمر التدخل السوري في لبنان بحجة العمل على منع انفجار … الحرب الاهلية!
ولا يقلل من حجم هذه «الخدمة» ان تكون فعلة سماحة نتيجة «سذاجة» مفرطة، على رغم المبالغات المتداولة بشأن «ذكائه»، او ان تكون نتيجة بلوغ ارتباطه بالاجهزة الامنية السورية درجة لم يعد ممكناً له رفض اي من اوامر هذا النظام. لهذا فليس من المبالغة ان ترد السلطات اللبنانية على الشكر الذي وجهه سماحة اليها لأنها انقذته من «تعذيب الضمير» الذي كان سيتحمله لو نجح مخطط التفجير، بان تقول له بدورها: شكراً لقد اتحت لنا العثور على الخيط الذي كنا نبحث عنه منذ اربعين سنة!